لا تزال تداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" تلقي بظلالها على دول مجلس التعاون مع استمرار نزيف الخسائر الاقتصادية الضخمة، الأمر الذي دفع الحكومات الخليجية إلى اتخاذ تدابير قاسية تؤثر سلباً على حياة المواطنين، وكان آخرها قرارات الحكومة السعودية بشأن الإجراءات التقشفية غير المسبوقة.
وبذلك أجبر كورونا دول الخليج على توديع حياة الرفاهية والابتعاد عن رغد العيش، ولو مؤقتاً، إذ تركز الحكومات والشعوب على الاهتمام بالسلع الضرورية والخدمات الأساسية، من أجل الحد من تداعيات الفيروس القاتل.
وقررت السعودية، أكثر الدول الخليجية تضرراً من أزمة تفشي كورونا، زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5 في المائة إلى 15 في المائة بدءاً من يوليو/ تموز المقبل، ووقف صرف بدل غلاء المعيشة، في محاولة جديدة لإنقاذ موازنة المملكة من العجز وتوفير نحو 8 مليارات دولار.
كذلك قامت الدول الخليجية الأخرى باتخاذ سلسلة إجراءات لتقليص الإنفاق الحكومي وإلغاء مشروعات تنموية من أجل مواجهة الأزمات الاقتصادية وتفاقم العجز في الموازنات.
السعودية: إجراءات مؤلمة
كشفت القرارات التقشفية والإجراءات المؤلمة التي اتخذتها السعودية، أول من أمس، الواقع الصعب الذي يعيشه الاقتصاد جراء تهاوي أسعار النفط وتراجع الإيرادات المالية وتداعيات فيروس كورونا وتكلفة الحرب في اليمن.
ووفق بيان حكومي، "تقرر إيقاف بدل غلاء المعيشة بدءاً من شهر يونيو/ حزيران المقبل، وكذلك رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءاً من الأول من يوليو/ تموز".
وأشار البيان إلى أن الحكومة ألغت أو أجلت "بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي 2020".
وربما تطاول الإجراءات التقشفية الحكومية رواتب الموظفين، إذ أوضح البيان الحكومي "تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين".
وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن الإجراءات التي تم اتخاذها، وإن كان فيها ألم، إلا أنها ضرورية للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل وعلى المديين المتوسط والطويل، وتجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية غير المسبوقة.
وفي مطلع العام الحالي، أعلنت السعودية موازنة 2020 بإنفاق 272 مليار دولار، مقابل إيرادات بـ222 مليار دولار، متوقعة عجزا قيمته 50 مليار دولار، إلا أن تفاقم عجز الميزانية المرتقب بسبب تفشي كورونا تسبب في الإعلان عن خفض نفقات حكومية، وتأجيل مشاريع تنموية ضخمة، وتقليص الميزانية بنحو 13 مليار دولار.
وقال المستشار الاقتصادي في مركز الخليج العربي للدراسات الاقتصادية، عبد العزيز الخالدي، خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن زيادة ضريبة القيمة المضافة ستؤثر بشكل كبير على حياة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار واستمرار الإجراءات الاحترازية ووقف الأنشطة الاقتصادية في المملكة، ما خلق أزمة بطالة كبيرة.
وأشار الخالدي إلى أن السعودية فوتت الفرصة لإقرار إصلاحات ملحة خلال السنوات الماضية، محذرا في الوقت نفسه من حالة الغضب لدى المواطنين جراء تأثر رواتبهم.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، فيصل الحمداني، في اتصال عبر "سكايب" إن إطالة أمد أزمة كورونا سيضع السعودية أمام خيارات صعبة على حساب المواطن الذي أصبح الحلقة الأضعف جراء زيادة الضرائب والقرارات الأخرى.
وأوضح الحمداني لـ"العربي الجديد" أن الإيرادات المالية تراجعت بصورة كبيرة بعد انهيار أسعار النفط وتوقف السياحة الدينية (العمرة والحج) وتعليق حركة الطيران، مؤكدا أن خسائر الاقتصاد السعودي بلغت أكثر من 75 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية منذ بدء أزمة كورونا.
الإمارات: نزيف خسائر
بينما أعلنت الحكومة الإماراتية عن عدم وجود خطط لفرض ضرائب جديدة في الوقت الراهن، يواصل اقتصاد البلاد نزيف الخسائر بسبب تراجع الإيرادات جراء انهيار أسعار النفط وتوقف حركة السياحة والتجارة في دبي في ظل كورونا.
ورغم العودة الخجولة لاستئناف بعض الأنشطة الاقتصادية في الإمارات، إلا أن المؤشرات الأولية توضح مواجهة الأسواق صعوبات بالغة.
وحذر الخبير الاقتصادي الإماراتي، راشد العيسى، خلال اتصال عبر "سكايب" مع "العربي الجديد"، من حالة كساد غير مسبوقة في الدولة جراء الأزمة الراهنة وعدم اتخاذ قرارات جريئة من أجل إنقاذ الأوضاع وانتشال الاقتصاد من أزمة كبيرة أثرت على حياة المواطنين والمقيمين، مشيراً إلى أن الدولة قد تضطر لاتخاذ تدابير قاسية لمواجهة شهور ستكون الأصعب في تاريخها.
وفيما توقع العيسى عدم حدوث تعافٍ قبل 18 شهراً، أكد أن هناك تحديات كبيرة تواجه القطاعات غير النفطية في الإمارات مثل التجارة والسياحة والعقارات التي تمثل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي.
على صعيد أخر، قالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إن تأثير تفشي جائحة كورونا غير المباشر على النمو العالمي والتجارة الدولية يشكل صدمة كبيرة للنمو الاقتصادي في الإمارات.
وتوقعت موديز أن تعاني الإمارات من انكماش حاد، كما أكد التقرير أن ديون الكيانات المرتبطة بحكومة دبي ما تزال أكثر عرضة للمخاطر الكلية بسبب حيازتها في قطاعات العقارات والنقل والسياحة، فيما أشار التقرير إلى أن نمو الاقتصاد غير النفطي في الإمارات كان يعاني حتى قبل تفشي كورونا.
وأكد وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي، محمد القرقاوي، أن بلاده بدأت الاستعداد لمرحلة ما بعد كورونا وتعزيز الجاهزية في جميع القطاعات.
الكويت: لا مجال للرفاهية
تحاول السلطات الكويتية امتصاص صدمة كورونا من خلال دراسة مقترحات لترشيد الإنفاق العام، فيما تجدد الحديث مؤخرا بشأن مناقشة قانون ضريبة القيمة المضافة الذي يلقى معارضة كبيرة من نواب مجلس الأمة الكويتي والأوساط الشعبية.
وتعاني الكويت من تفاقم عجز الميزانية الذي من المتوقع أن يصل إلى 55 مليار دولار، بسبب تراجع الإيرادات النفطية جراء انهيار أسعار النفط وتوقف الأنشطة الاقتصادية بقرار من السلطات وفرض حظر التجول الشامل.
وفي ظل هذه التطورات، طلبت الحكومة من الوزراء تزويدها بقائمة المشروعات التي يمكن تأجيل تنفيذها مع الإبقاء على سير العمل في المشروعات الجاري تنفيذها وخصوصا مشروعات إصلاح الطرق.
على جانب آخر، قال مسؤول حكومي كويتي لـ "العربي الجديد" أن مجلس الوزراء يعكف على دراسة بعض الإجراءات لمعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم وإيجاد حلول لسد عجز الميزانية المتفاقم جراء أزمة كورونا، من بينها إقرار قانون الاقتراض، وتطبيق منظومة الضرائب.
وأضاف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أنه من ضمن الحلول المطروحة خلال الفترة المقبلة إقرار ضريبتي القيمة المضافة والانتقائية، بالإضافة إلى حزمة مساعدات لإنعاش الاقتصاد من خلال قروض ميسرة، فضلا عن سعيها لإقرار قانون الاقتراض بنحو 65 مليار دولار من الاحتياطي العام.
من ناحيته، قال الخبير الاقتصادي الكويتي مروان سلامة لـ "العربي الجديد" إن الكويت ليس بمعزل عن الدول الخليجية التي بدأت في إقرار إجراءات مؤلمة لمواجهة حالة التدهور الاقتصادي غير المسبوق وتراجع الإيرادات النفطية التي تشكل نحو 92% من الناتج المحلي الكويتي.
وأضاف أن دول الخليج ودّعت، ولو بشكل مؤقت، حياة الرفاهية ورغد العيش بسبب كورونا، فلم يعد يهتم الناس بشراء السيارات الفارهة والساعات غالية الثمن، إذ يندفعون للحصول على السلع الضرورية والخدمات الأساسية، كما أن الحكومات باتت تركز على المشاريع المهمة وسد الفجوة المالية المترتبة على تهاوي الإيرادات.
وحذر سلامة من التأخر في إقرار الإصلاحات ومعالجة الاختلالات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد الكويتي من خلال فرض ضرائب، داعيا صانع القرار إلى عدم الرضوخ إلى ضغوط البرلمان.
وفي وقت سابق، خفَّضت "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني السيادي للكويت من المرتبة مستقبلية مستقرة للتصنيف، فيما توقعت الوكالة أن يكون للانخفاض الحاد في أسعار النفط آثار اقتصادية ومالية سلبية على البلاد خلال عاَمي 2020 و2021.
البحرين: أزمات مالية
تواصل نزيف الخسائر اليومية لمختلف الأنشطة الاقتصادية في البحرين، رغم جهود السلطات للحد من تداعيات كورونا.
وحسب توقعات صندوق النقد الدولي سيتراجع نمو الاقتصاد البحريني بنسبة 3.6 في المائة، كما سيرتفع عجز الموازنة إلى 15 في المائة في 2020 في المائة، بعد أن كان قد وصل إلى 10 في المائة في 2019، كما ستتراجع الإيرادات الحكومية بنسبة 27 في المائة.
وفي وقت سابق، قررت السلطات البحرينية تخفيض إنفاق المؤسسات الحكومية والهيئات التابعة لها بنسبة 30 في المائة.
ورجح الخبير الاقتصادي، مانع الصانع، خلال اتصال عبر "سكايب" مع "العربي الجديد" قيام الحكومة بإقرار إجراءات اقتصادية أخرى لمعالجة الوضع المتأزم، محذرا في الوقت نفسه من أزمة بطالة غير مسبوقة في البحرين.
قطر: تحديات ضخمة
فيما تسابق الحكومة القطرية الزمن من أجل الإسراع في تنفيذ المشروعات الضخمة استعدادا لتنظيم كأس العالم 2022، تواجه الدوحة تحديات عديدة بسبب كورونا.
وتسبب إغلاق المجمعات التجارية الكبرى والعديد من الأنشطة، ما عدا السلع الغذائية، في خسائر لمتاجر الملابس والسلع الإلكترونية وغيرها، كما تعرض القطاع الخاص لأضرار بالغة بسبب تداعيات كورونا.
وفي المقابل حافظت قطر على مستويات النمو لاحتياطي النقد الأجنبي، الأمر الذي أرجعه مراقبون إلى عدم تراجع أسعار الغاز في السوق الدولية بنفس الوتيرة التي سجّلها النفط الخام، بجانب سياسات ترشيد الإنفاق وتنويع مصادر الدخل.
وارتفعت الاحتياطات الدولية والسيولة بالعملات الأجنبية، لمصرف قطر المركزي، خلال إبريل/ نيسان الماضي، بنسبة 6.3 في المائة على أساس سنوي، لترتفع للشهر الـ26 على التوالي، مسجلة 202.85 مليار ريال (56.3 مليار دولار).
وحسب وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني فإن الحكومة القطرية قادرة على توفير مصدات كافية للصمود في وجه الصدمات.
سلطنة عمان: أضرار كبيرة
اتخذت السلطات العمانية تدابير اقتصادية لمعالجة الوضع المالي المتأزم لمواجهة كورونا، وتضررت مختلف القطاعات العمانية من أزمة كورونا أبرزها قطاع السياحة الذي يعمل به مئات الآلاف من العمانيين، فضلا عن تراجع أسعار النفط الذي يعد أهم مصادر الدخل في سلطنة عمان.
إلى ذلك، توقع الباحث الاقتصادي العماني، هيثم اليافعي، من خلال رده على "العربي الجديد" عبر برنامج "واتساب"، قيام الحكومة بفرض ضرائب جديدة على الشركات التجارية وضريبة على الدخل مثل باقي الدول، محذرا من التأخر في إقرارات الإصلاحات الملحة. الجديد بالذكر أن وزارة المالية العمانية خفضت الإنفاق العام بنحو 1.3 مليار دولار بميزانية السلطنة خلال 2020.