الخطر المتربِّص بهولاند: كرة ثلج ماكرون تكبر وشعبيته تزداد

27 ابريل 2016
ضعف ماكرون بعدم خوضه أي استحقاق انتخابي(آلان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -
تصاعد الجدل في فرنسا بخصوص وزير الاقتصاد الشاب إيمانويل ماكرون، بسبب إطلالته الإعلامية المكثّفة وخوضه في مواضيع تتجاوز اختصاصه الاقتصادي وانتقاده المتكرر لأداء الحكومة الاشتراكية بقيادة رئيس الوزراء مانويل فالس. وصار من البديهي أن العلاقة بين ماكرون وفالس توترت كثيراً في الآونة الأخيرة، فيما يبدو الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند متضايقاً من تغريد ماكرون خارج السرب الاشتراكي وشعبيته المتزايدة. وأعلن ماكرون في حوار مع قناة "آر تي" أول من أمس الأحد، أنه "غير مرتاح لأداء اليسار الفرنسي اليوم"، في انتقاد واضح لمحاولات هولاند لمّ شمل اليسار حول شخصه تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة. وقال: "أنا لا أكذب على الناس وأقول دائماً ما أفكر به"، مضيفاً: "التباين الأساسي اليوم في فرنسا هو بين التقدّميين والمحافظين، وليس بين اليسار واليمين. وسأعمل ما في وسعي في الحركة التي أسستها "ماضون" (En Marche)، لجذب أولئك الذين يؤمنون بقيم التقدّم".
وكان ماكرون قد شغل الإعلام على مدى أسبوعين متتالين، ولا يمر يوم في فرنسا من دون أن تنقل الصحافة تصريحاته النارية ضد خط الحزب الاشتراكي. وترافق هذا الاهتمام الإعلامي الذي وصفته صحيفة "لوفيغارو" بـ"الماكرونمانيا"، مع صدور استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة "فيفا فويس" لصالح صحيفة "ليبراسيون" الأسبوع الماضي، وكانت خلاصته أن ماكرون هو المرشح الاشتراكي المفضّل لدى الفرنسيين للرئاسة متقدّماً على هولاند نفسه. واعتبر 38 في المائة من المستجوَبين أن ماكرون يصلح رئيساً للدولة، مقابل 28 في المائة كانوا مع مانويل فالس و11 في المائة فقط لصالح هولاند. وكان هذا الأخير قد وجّه نقداً لاذعاً لوزير الاقتصاد خلال المناظرة التلفزيونية المباشرة في القناة الثانية في 14 أبريل/نيسان الماضي، وقال إن "ماكرون يعمل في الفريق الحكومي تحت إمرتي. أنا متأكد من ذلك لأن علاقتنا لا تنحصر فقط في موقعه في هرم السلطة فهو يعرف ما يدين لي به، وأنا متأكد من ولائه الشخصي والسياسي".
أما ماكرون فبدل أن يخفّف من انتقاداته لتفادي غضب هولاند، بادر إلى تحدّيه، وقال الخميس الماضي إن "الوزير لا يمكن أن يكون مديناً بالفضل لرئيس الدولة، فالرئيس يعيّن الوزير لإيمانه بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب". هذا الأمر أثار زوبعة من الاستهجان في صفوف الحكومة والحزب الاشتراكي، ونادت بعض الأصوات بضرورة تحجيم الوزير الشاب لكونه صار يشكّل خطراً على الرئيس والحكومة. وقال الأمين العام للحزب الاشتراكي جان كريستوف كامباديلس، إن ماكرون عليه "أن يختار بين البقاء ضمن الخط الاشتراكي أو الخروج عنه بشكل رسمي"، وذلك في دعوة غير مباشرة إلى ماكرون لتقديم استقالته من الحكومة. كما دخل وزير الخارجية ورئيس الحكومة الأسبق جان مارك آيرولت على الخط، ودعا ماكرون إلى "التركيز على مهمته كوزير للاقتصاد لأن الأزمة الاقتصادية ما تزال حاضرة في فرنسا وهذا هو الأهم". أما وزير الدفاع جان إيف لودريان فقد اعتبر أن "الفريق الحكومي مِثل فريق لكرة القدم عليه اللعب بشكل جماعي للفوز". كما عبّر وزير الداخلية برنار كازنوف مراراً عن امتعاضه لتدخّل ماكرون في مجال اختصاصه.


وحاول ماكرون احتواء هذه الانتقادات وأدلى بتصريح الجمعة أكد فيه إخلاصه لهولاند، مندداً في الوقت نفسه بالذين "يستعملونه ويستغلون تصريحاته لإضعاف هولاند". وأضاف ماكرون: "سأواصل تفاعلي مع المواضيع التي تهم الفرنسيين وأعبّر عن أفكاري بكل حرية من أجل خدمة الصالح العام، وأتمنى أن يكف البعض عن استغلال هذا لمهاجمة الرئيس".
والواقع أن العديد من المتخصصين في الشأن السياسي الفرنسي لا يستبعدون خروج ماكرون من الحكومة الاشتراكية، ذلك أن "الكيل قد طفح"، وماكرون صار "يختال كالطاووس"، مهووساً بشعبيته المتصاعدة في استطلاعات الرأي ووسائل الإعلام. وتجاوز بكثير صلاحياته كوزير للاقتصاد حتى أنه صار يتعامل وكأنه مرشح للرئاسيات المقبلة، وهذا ما عكسته تصريحاته الأخيرة بضرورة "إعادة النظر في العرض السياسي للحزب الاشتراكي" و"تغذية مشروع رئاسي خارج لعبة اليسار واليمين".
واعتبر مراقبون أن تصريحات ماكرون لا يمكن تصنيفها فقط في خانة "الضربات الاستفزازية" بل هي تشكّل جزءاً من مخطط مدروس لخوض الاستحقاق الرئاسي المقبل والتحضير لترشيح ماكرون لهذه الرئاسيات، على الرغم من أنه لم يعلن رسمياً عن نيّته الترشح ويصر على إبقاء هذه النقطة تحت هالة من الغموض.
ورأى هؤلاء المراقبون أن ماكرون والمقربين منه وضعوا أجندة لآلة انتخابية متكاملة كانت طلقتها الأولى الإعلان عن تأسيس حركة "ماضون" والدليل على ذلك استعانته بخدمات مؤسسة "ليغلي مولير بونس" المتخصصة في استراتيجيات التواصل السياسي والتي كانت قد ساهمت في حملة هولاند الانتخابية عام 2011. وستقوم هذه المؤسسة بإطلاق مبادرة سمتها "المسيرة الكبرى" في منتصف مايو/أيار المقبل للدعاية والترويج لحركة ماكرون، وستُجري استطلاعاً لآراء 100 ألف مواطن فرنسي، من أجل وضع ملامح "تشريح سياسي لما يطمح له الفرنسيون من السياسة والسياسيين".
وفيما يشهد خصوم ماكرون له بذكاء غريزي في جذب الاهتمام الإعلامي واللعب على وتر العزوف الشعبي من النخبة السياسية يميناً ويساراً، إلا أن نقطة ضعفه هي في كونه شخصية تكنوقراطية صرفة ولم يخض أبداً في حياته أي استحقاق انتخابي يمنحه شرعية صناديق الاقتراع. وحتى الحركة التي أسسها لا وجود لها على أرض الواقع وهي عبارة عن موقع على الإنترنت يجذب "إعجاب" متصفحي الشبكة وليس ناخبين مقتنعين بأفكار الوزير الفرنسي الطموح.