الخداع والتضليل في الحرب

08 فبراير 2018
+ الخط -
عندما يكون طرفان في حالة حرب وعداء، يكون من الصعب جداً شن هجوم مفاجئ، بحيث يكون مفاجئاً تماماً، في مثل هذه الحالات، يحاول منفذ الخدعة خلق انطباع بأنه يقوم بأعمال روتينية، وذلك عن طريق جعل العدو يدرك أنه يقوم بنشاطات متماثلة متكررة باستمرار.

وإحدى الطرق لتنفيذ ذلك تتم عن طريق تحريك حشودات عسكرية كبيرة تمهيداً لشن الهجوم بدون إثارة الاشتباه لدى الطرف الاخر بهذه التحركات، تحت غطاء إجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق.

في حالات كثيرة من هذا النوع، تتعزز أحياناً درجة السرية عن طريق عدم إبلاغ حتى القوات المشاركة في الهجوم بأنها على وشك الدخول في هجوم، يمكننا القول إن كل أنواع الخدع تهدف إلى تضليل العدو وتشويشه في موضوعين أساسيين فقط، أولاً: تضليله بشأن النوايا، ثانياً: تضليله بشأن القدرة.


إن أي عملية خدعة ناجحة يمكن أن تكون موجهة أولاً وقبل كل شيء إلى أحد هذين الهدفين، ولكن في بعض الحالات يمكن أن تشمل الخدعة الهدفين معاً، حيث أنه توجد علاقة وثيقة بين النوايا والقدرة في ما يتعلق بإدارة الحرب.

عندما يقنع أحد الاطراف خصمه بأنه تنقصه بعض عناصر القدرة، فإنه قد يقنعه ايضاً بأنه ليست لديه أية نية للقيام بعملية عسكرية، فمثلاً في حرب أكتوبر روج المصريون إشاعات بأن بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات التي بحوزتهم تعاني من نقص كبير في قطع الغيار (قدرة)، وأنه من الواضح أنهم لا يزالون غير قادرين على المبادرة بشن حرب (نوايا) أيضاً. لاحظوا معي تصريح نتنياهو اليوم بأنه لا توجه إلى الحرب.

إن الخدعة المتعلقة بالنوايا، تكون دائماً تهدف إلى إخفاء الأهداف والخطط الحقيقية لعملية الخدعة، حيث يمكن تحقيق ذلك عن طريق السرية، أو بواسطة خطة تضليل فعالة ومعقدة جداً، التي من شأنها صرف نظر العدو عن النوايا الحقيقية، وتحويل انتباهه إلى اتجاهات أخرى، وهنا أقول، إن الخدعة من النوع الفعال يجب أن تعتمد دائماً على تمويه ناجح للنوايا الحقيقية بالإضافة الى تطوير (طعم) نوايا غير حقيقية.

إن أي خرق للسرية المتعلقة بالنوايا الحقيقية سيؤدي بالطبع إلى الفشل، وإلى تضليل وخداع الذات، حتى ربما تتحول إلى أداة في يد العدو يستخدمها في نشاطاته التضليلية التي يقوم به، إذ إن العدو يمكنه أن يتظاهر بأنه واقع ضحية خدعة، وبنفس الوقت يتوقع سلفاً إجراءات الجانب الذي ينفذ الخدعة، ويضع خطط المفاجأة أو ينصب مصيدة من جانبه، لهذا في عمليات الخداع المعقدة، الاحتلال لديه وحدة خاصة تحاول دائماً التأكد من أن الطرف المقابل قد ابتلع فعلاً الطعم، أم أنه يتظاهر فقط بأنه وقع ضحية خدعة.

عندما خطط الاحتلال في عام 1956 للهجوم على مصر بالتعاون مع بريطانيا والفرنسيين، خلقوا عن قصد، الانطباع بأنهم يعتزمون الهجوم على الأردن، عن طريق حشد قواتهم على مقربة جداً من الحدود الأردنية، وصعدوا عملياتهم الانتقامية ضد الأردن.

كما ان استخدام الخدعة بهدف تضليل العدو في ما يتعلق بالقدرات العسكرية، يمكن أن يتم بنوعين: الأول، موجه لخلق تقدير مبالغ فيه بالنسبة للقدرات بمصطلحات كمية ونوعية معاً، في حين نحاول في النوع الثاني من استخدام الخدعة، إخفاء قدرات عسكرية موجودة.

نوع الخدعة الأول، يستخدم بشكل عام لدى القوى والدول الضعيفة التي تحاول ردع عدو أقوى منها، ولترجمة تفوق وهمي في مجال القدرات العسكرية إلى مكاسب سياسية، أو من أجل كسب أكبر وقت ممكن تستطيع خلاله إغلاق الفجوة القائمة في مجال القدرات العسكرية.

أما النوع الثاني من الخدعة، فيهدف إلى إخفاء القدرات العسكرية الموجودة، بهدف خلق انطباع بأنها غير قادرة على تنفيذ خطط هجومية معينة، أي إخفاء نواياها الهجومية أو إخفاء قوتها العسكرية لأسباب أخرى، وهذان النوعان من الخدعة، ليس بالضرورة أن ينفذا فقط في حالات الحرب، ويمكننا ملاحظة استخدام مثل هذا النوع من الخدع لدى المقاومة خلال الفترات السابقة وذلك بهدف خلق حالة ردع لدى العدو.

بالختام أقول الجزء المهم في فن الخدعة، يتمثل في القدرة على التفكير كما يفكر العدو، إذ إن ما قد يبدو منطقياً بنظر الجانب الذي يرسم الخدعة، ربما لا يبدو منطقياً بنظر الضحية الهدف، ويجب أن نكون على دراية بطريقة تفكير العدو، وأنا على قناعة بأن أجهزة المقاومة الاستخبارية، وهي عيننا التي نرى بها مواطن الضعف والخلل في جسد العدو، قد أخذت أهمية وشمولية كبيرة لدى المقاومة الفلسطينية، وغدت مرتبطة باستراتيجية المقاومة، فالمقاومة تسعى للحصول على أفضل المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن العدو، والتغلغل في صفوفه بواسطة استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنية، من أجل معرفة ما الذي تعرفه وما الذي تريد معرفته، وكيف تحصل على المعلومات التي تريد، لأنه كلما استطاعت تنفيذ عمليات خداع واختراق استخباري ناجح، سيسعى العدو بالمقابل بالرد من خلال أجهزته الاستخبارية، لذلك عليها أن تسأل نفسها باستمرار ما هي الاتجاهات المعقولة والأكثر منطقية التي قد يهاجم العدو منها.
3941E3F4-73BC-4C06-911F-A27ED8C6DE6B
رامي أبو زبيدة

كاتب وباحث فلسطيني مختص بالشأن العسكري للمقاومة الفلسطينية، حاصل على درجة الماجستير في القيادة والإدارة.يقول: أنا فلسطيني أحب وطني ومن أجل ذلك أسعى لإعطاء المقاومة والمقاومين حقهم والدفاع عنهم وإبراز الصورة الحقيقية لتضحياتهم.