21 نوفمبر 2024
الحيوانات الأليفة
لا أدري هل يشير الاسم والصفة في عنوان هذه المقالة إلى الحيوانات الأليفة بالطبع أم بالتطبُّع أم إليهما معاً؟ ذلك أن حيواناتٍ كثيرة نعتقد بطبعها الأليف، مثل الكلاب والقطط وبعض أصناف الطيور، نجد لها أخواتٍ متوحشة. كما أن حيوانات متوحشة كثيرة حصل نوع من الاستئناس بها، وتحولت إلى حيواناتٍ أليفة. يترتَّب عن ذلك عدم نفي التوحُّش عن الأليف والألفة عن المتوحش، فكم من الكلاب والقطط الأليفة لا تتردَّد في الكشف عن أنيابها في لحظاتٍ معيَّنة، وكم من الذئاب والأفاعي تحوَّلت على أيدي مروِّضيها إلى حيوانات ذات ملمس ناعم.
لا أثق في الحيوانات، أَليفةً أم متوحشةً، ذلك أنني وقفت في حالات معيَّنة أمام أصوات وأنياب مُكَشِّرة، صادرة عن قططٍ وكلابٍ تعيش مُدجَّنَةً داخل بيوتٍ وعائلات، فأدركت أن لِلأُلْفَة حدودا، وأن التوحُّش حالةٌ لا تستبعدها الأُلْفَة تماماً، قدر ما تُقَلِّص من درجات قوتها وحضورها.. ولا أعتقد أن هناك من يثق كلية فيها، حيث يتحدث المروِّضون وأصحاب البرامج الخاصة باللَّعب مع الحيوانات في السيرك، وفي الملاهي، عن حالات من الانفلات، يعود فيها الحيوان إلى الكشف عن أنيابه غيضاً وغضباً، بل يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، فيواجه الحيوان الْمُرَوِّض وينقضّ عليه.
يحصل الأمر نفسه مع المشرفين على تنظيف الحيوانات المدجَّنة في حدائق الحيوانات وتغذيتها،
من دون أن يتمكّن هذا الذي يحصل من تخلي البشر عن العيش بصحبتها، وطمأنة ذواتهم بتسميتها بالأليفة والوفية والْمُؤْنِسة، وغير ذلك من نعوتٍ تَهَبُ للحيوانات إقامةً وتغذيةً وعلاجاً، لا تعرفه أخواتها في الجبال والغابات، في السماء وتحت الماء.
لن أتردَّد في تعميم ما كنت بصدد تقريره على كل الحيوانات، بما في ذلك الحيوانات السياسية، فهي بدورها تُشْهِر أسلحةَ المعارضة والعصيان، ثم يتم تدريبها على نظامٍ بقواعد وحدود مرسومة، تُحَوِّلُها تدريجياً إلى حيواناتٍ أليفة، تُخفي أسنانها وتكتفي بابتسامة الشفاه، وحركات الرضا في المشي وفي أثناء الكلام، بل وفي أثناء الرقص إذا اقتضى الحال ذلك.
يُمكن أن ننتبه، ونحن نقارن بين ألفة الحيوانات السياسية، وألفة حيوانات البر والبحر، أن آلية الترويض المستعملة في الحالتين تكاد تكون واحدةً، حيث لا يتجاوز الأمر تقديم جملةٍ من المزايا في الإطعام، مع الحرص على مواصلتها وتعظيمها، كلما نجح الحيوان في أداء المطلوب منه، بطريقةٍ لا تردّد فيها ولا تأخُّر. تتم المكافأة مباشرةً لسجن الحيوان الأليف والتَّابع، في دائرة الخضوع المصحوب بملامسته بنعومة، وإغداق الرضا المادي والمعنوي عليه، وعلى ذريته.. وبجوار ذلك، يحرّك الحيوان ذيله بطريقة خاصة.
يلاحظ المهتم بشؤون الحيوانات الأليفة الاتساع الهائل الذي عرفته أصنافها، حيث دخلت، في العقود الأخيرة، حيواناتٌ لم تكن معروفة بألفتها، كما تَمَّ تعميم أصنافٍ كانت محصورةً في فئات محدودة. ونشير هنا إلى القِرَدَة والأرانب والذئاب، وإلى الأفاعي والفئران والخنازير الصغيرة.. إضافة إلى الأسود والفُهود والنُّمور.. أصبحنا نواجه إرادة تروم ترويض مختلف الحيوانات وَبَرْمَجَتِهَا. وقد ترتَّب عن ذلك توسُّع مماثِل في طِبِّ الحيوان، كما تلاه تطوُّر ملحوظ في مؤسسات الرِّفق بها.
تجري عملية التوسُّع نفسها في عالم الحيوانات السياسية، حيث تتم عمليات تغييب المبادئ
والقيم، والاكتفاء بتعميم إجراءاتٍ تستهين بمختلف القيم. يتم ذلك، انتصاراً لإرادة في التدجين والبرمجة، المانعة خيارات الإصلاح والمقاومة والتقدمُّ، فتتحوَّل المجتمعات البشرية، بالتدريج، إلى مجتمعاتٍ خاضعة ومُدجَّنَة وراضية بأحوالها. نتبيَّن ذلك في تغييب اليوتوبيا، والبحث عن أدوية ومُسَكِّنَات لعلاج الأحلام والتطلُّعات، والاستكانة بدل ذلك كله إلى خيارات يملكُ أصحابها وحدَهم القدرة على تقديرها، ثم الإشراف على إعدادها وتنفيذها.
تُصاحِب عملية توسيع دوائر الألفة في المجال الحيواني ظاهرة تكميم أفواه المدجَّنين، لتجنُّب ما قد يحصل من جرّاء اختراق بعضهم قواعد الترويض. توضع الكمَّامات على أفواه الحيوانات، توقعاً لتجاوز ما ينقلها من فضاء الألفة إلى عوالم التوحُّش، التي لا حدود لويلاتها. وفي مقابل ذلك، يتم التشجيع أحياناً في عوالم الحيوانات السياسية على إطلاق أفواه الجهل والتوحُّش، لمواجهة الخصوم ونشر البلبلة. كما تتم، بعض الأحيان، الدعوة إلى الخَرَس لإصابة أهداف مرسومة، وفي الحالتين معاً، يستأنس الأليف بالأوامر والنواهي، ويتغنَّى بكونه سيد العارفين، إنه يعرف حدوده جيداً، إنه من المريدين والتابعين..
لا نتصوَّر أن الحيوانات الأليفة تقطع كلية مع التوحُّش، وفي معارك الكلاب والقطط في الطرق والحدائق، ما يبرز صُور عودتها المتكرّرة إلى التوحُّش.. كما أن معارك الحيوانات السياسية في المجال العام تكشف صُور التَّنَمُّر التي يبديها بعضها لبعضها الآخر. أما علاقة الأليف بمروِّضه فإنها لا تخلو من مخاطر، تصل أحياناً إلى حد اختراق ميثاق الألفة، وفتح الطريق مُجدَّداً نحو التوحُّش، فَيَحْصُل ما لا تُحْمَد عُقباه.
لا أثق في الحيوانات، أَليفةً أم متوحشةً، ذلك أنني وقفت في حالات معيَّنة أمام أصوات وأنياب مُكَشِّرة، صادرة عن قططٍ وكلابٍ تعيش مُدجَّنَةً داخل بيوتٍ وعائلات، فأدركت أن لِلأُلْفَة حدودا، وأن التوحُّش حالةٌ لا تستبعدها الأُلْفَة تماماً، قدر ما تُقَلِّص من درجات قوتها وحضورها.. ولا أعتقد أن هناك من يثق كلية فيها، حيث يتحدث المروِّضون وأصحاب البرامج الخاصة باللَّعب مع الحيوانات في السيرك، وفي الملاهي، عن حالات من الانفلات، يعود فيها الحيوان إلى الكشف عن أنيابه غيضاً وغضباً، بل يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك، فيواجه الحيوان الْمُرَوِّض وينقضّ عليه.
يحصل الأمر نفسه مع المشرفين على تنظيف الحيوانات المدجَّنة في حدائق الحيوانات وتغذيتها،
لن أتردَّد في تعميم ما كنت بصدد تقريره على كل الحيوانات، بما في ذلك الحيوانات السياسية، فهي بدورها تُشْهِر أسلحةَ المعارضة والعصيان، ثم يتم تدريبها على نظامٍ بقواعد وحدود مرسومة، تُحَوِّلُها تدريجياً إلى حيواناتٍ أليفة، تُخفي أسنانها وتكتفي بابتسامة الشفاه، وحركات الرضا في المشي وفي أثناء الكلام، بل وفي أثناء الرقص إذا اقتضى الحال ذلك.
يُمكن أن ننتبه، ونحن نقارن بين ألفة الحيوانات السياسية، وألفة حيوانات البر والبحر، أن آلية الترويض المستعملة في الحالتين تكاد تكون واحدةً، حيث لا يتجاوز الأمر تقديم جملةٍ من المزايا في الإطعام، مع الحرص على مواصلتها وتعظيمها، كلما نجح الحيوان في أداء المطلوب منه، بطريقةٍ لا تردّد فيها ولا تأخُّر. تتم المكافأة مباشرةً لسجن الحيوان الأليف والتَّابع، في دائرة الخضوع المصحوب بملامسته بنعومة، وإغداق الرضا المادي والمعنوي عليه، وعلى ذريته.. وبجوار ذلك، يحرّك الحيوان ذيله بطريقة خاصة.
يلاحظ المهتم بشؤون الحيوانات الأليفة الاتساع الهائل الذي عرفته أصنافها، حيث دخلت، في العقود الأخيرة، حيواناتٌ لم تكن معروفة بألفتها، كما تَمَّ تعميم أصنافٍ كانت محصورةً في فئات محدودة. ونشير هنا إلى القِرَدَة والأرانب والذئاب، وإلى الأفاعي والفئران والخنازير الصغيرة.. إضافة إلى الأسود والفُهود والنُّمور.. أصبحنا نواجه إرادة تروم ترويض مختلف الحيوانات وَبَرْمَجَتِهَا. وقد ترتَّب عن ذلك توسُّع مماثِل في طِبِّ الحيوان، كما تلاه تطوُّر ملحوظ في مؤسسات الرِّفق بها.
تجري عملية التوسُّع نفسها في عالم الحيوانات السياسية، حيث تتم عمليات تغييب المبادئ
تُصاحِب عملية توسيع دوائر الألفة في المجال الحيواني ظاهرة تكميم أفواه المدجَّنين، لتجنُّب ما قد يحصل من جرّاء اختراق بعضهم قواعد الترويض. توضع الكمَّامات على أفواه الحيوانات، توقعاً لتجاوز ما ينقلها من فضاء الألفة إلى عوالم التوحُّش، التي لا حدود لويلاتها. وفي مقابل ذلك، يتم التشجيع أحياناً في عوالم الحيوانات السياسية على إطلاق أفواه الجهل والتوحُّش، لمواجهة الخصوم ونشر البلبلة. كما تتم، بعض الأحيان، الدعوة إلى الخَرَس لإصابة أهداف مرسومة، وفي الحالتين معاً، يستأنس الأليف بالأوامر والنواهي، ويتغنَّى بكونه سيد العارفين، إنه يعرف حدوده جيداً، إنه من المريدين والتابعين..
لا نتصوَّر أن الحيوانات الأليفة تقطع كلية مع التوحُّش، وفي معارك الكلاب والقطط في الطرق والحدائق، ما يبرز صُور عودتها المتكرّرة إلى التوحُّش.. كما أن معارك الحيوانات السياسية في المجال العام تكشف صُور التَّنَمُّر التي يبديها بعضها لبعضها الآخر. أما علاقة الأليف بمروِّضه فإنها لا تخلو من مخاطر، تصل أحياناً إلى حد اختراق ميثاق الألفة، وفتح الطريق مُجدَّداً نحو التوحُّش، فَيَحْصُل ما لا تُحْمَد عُقباه.