بين الحصار الحكومي وحصار تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، يعيش أهالي مدينة الحويجة بمحافظة كركوك، شمال العراق، معاناة مزدوجة وظروفاً صعبة، وذلك منذ أكثر من عام ونصف العام. وهذه المدة الزمنية كفيلة بضرب مقومات الزراعة والتجارة وتأمين الغذاء، في ظل غياب المساعدات الإنسانية، مما يهدد بتعرض سكان الحويجة لأزمة غذائية. ومع كل ذلك، يستمر القصف الحكومي على المدينة مما يؤدي، باستمرار، إلى سقوط عشرات الضحايا، تقول الحكومة العراقية إنهم عناصر في تنظيم "داعش". ووسط هذا المشهد المأساوي، يرتكب التنظيم الجرائم بحق أهالي المدينة، من قتل واعتقال وتعذيب بتهم مختلفة، مثل ترك "أرض الخلافة" أو "التعاون مع القوات الحكومية"، حتى بات النزوح والفرار حلماً صعب التحقيق بالنسبة للأهالي.
وقال المشرف على قوة تحرير الحويجة الشيخ أنور العاصي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحويجة بلدة تعاني من ظروف إنسانية صعبة وقاسية بسبب الحصار الذي تجاوز عاماً ونصف عام"، مبيناً أنّ "المدينة فقدت أكثر من 800 قتيل من أبنائها بسبب النزوح اليومي، وزرع داعش للعبوات في طريقهم لمنع هروب المدنيين منها، كما اعتقل أكثر من 3 آلاف آخرين"، وفق تأكيده. وأضاف أن "التنظيم أعدم أكثر من 150 مدنياً" وأن كثيرين ماتوا "بسبب نقص الغذاء والدواء"، مشيراً إلى أنّ "الأوضاع الإنسانية صعبة للغاية"، ومؤكداً أنه "في كل يوم يقوم التنظيم بعمليات قتل وإعدام شبه يومية بحجج مختلفة"، وفق قوله. ودعا إلى "ضرورة تحرير القضاء بسرعة، قبل أن يباد سكانه المدنيون المحتجزون داخله".
من جهته، اعتبر عضو البرلمان العراقي عن عرب كركوك، خالد المفرجي، أنّ "بلدة الحويجة منسية من قبل الحكومة العراقية، فقد مرّ عام ونصف ونحن نطالب بتحريرها، لكن دون جدوى"، على حد تعبيره. وأكد خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن "هناك أكثر من 80 ألف مدني لا يزالون محاصرين، وقابعين تحت حصار يكاد يكون الأطول في تاريخ البشرية المعاصر". وذكر أنّ "الحكومة تقول إنّها لن تطلق أي عملية في الحويجة قبل إتمام عمليات تحرير نينوى، ونحن نقول بأنّ المدنيين يموتون جوعاً وتحت سيطرة تنظيم فاشي لا يعرف الإنسانية، ولا يمكن السكوت على ذلك"، على حد قول النائب العراقي.
وروت أم سارة محمود الجبوري، وهي أم لخمسة أطفال، لـ"العربي الجديد"، رحلتها الشاقة للهرب من الحويجة، معتبرة أنّها "رحلة العودة إلى الحياة، إذ إنّها خرجت مع مئات الأسر من الحويجة، وبعد سير لأيام عدّة وعبور طرق فخخها التنظيم بالعبوات الناسفة ومعاناة كبيرة، وصلت إلى سواتر البشمركة التي لا تدخل المدنيين إلّا بعد أيّام من التدقيق"، وفق قولها. وأضافت أنّ "أسرتها سعت مراراً للهروب من سيطرة تنظيم داعش منذ أكثر من عام، على الرغم من خطورة تلك المجازفة التي قد تؤدي إلى عقوبة الإعدام بيد داعش"، مؤكدةً أنّ "الأسرة حسمت أمرها أخيراً قبل ثلاثة أيام، بمواجهة الموت سوياً، أملاً بالوصول إلى الحياة"، على حد تعبيرها. وتابعت أن "رحلة الهرب اقتضت التستر بظلام الليل والسير يومين من ناحية الرياض إلى حدود الحويجة قبل التوجه إلى حدود العباسي ثم إلى قضاء الدبس شمال غربي كركوك، باتجاه مشارف مدينة كركوك"، مؤكدةً أنّ "الموت كان يتربص تلك الرحلة التي كان يضطر فيها شقيقها وأولادها إلى الاختباء بين النساء عند مرور عجلة لتنظيم داعش أو الاقتراب من نقطة تفتيش له"، بحسب رواية المواطنة العراقية نفسها.
أحد الناجين ويدعى عبد العزيز محمد خلف، أكد أنّ الحويجة تعاني اليوم من تداعيات الحصار. وبيّن أنّ "جميع المواد الغذائية في الأسواق نفدت، وما تبقى من مواد شحيحة جداً وأصبحت أسعارها خيالية، فسعر كيس الأرز بلغ 200 دولار، وكيس الدقيق بلغ 300 دولار، وسعر حليب الأطفال وصل لأكثر من 65 ألف دينار، أي ما يعادل 62 دولاراً"، وفق حديثه.
وتحدث أحد الفارين من البلدة ويدعى خلدون عبد الله، لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "الحصار المطبق على القضاء جعل السكان يتجهون إلى أكل حشائش الأرض لأن أغلب الأسواق أغلقت أبوابها، فلا توجد حياة بها، ومن بقي من السكان فيها، فهم الفقراء وكبار السن والمرضى، وهناك وفيات سجلت بسبب نقص الأدوية"، مضيفاً أنّ "المستشفى الوحيد في البلدة دمّر بفعل القصف العراقي". وأشار إلى أنّ "الطيران العراقي قلّل من ضرباته الجوية واستعاض عنها بمنشورات ورقية، لكنّ ضربات التحالف الدولي أخذت تستهدف مركبات قادة التنظيم، وتمكنت من قتل عدد منهم"، بحسب قوله.
ورأى الخبير العسكري، الضابط السابق في الجيش العراقي، العميد الركن خلف سبع العزاوي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "تحرير الحويجة اليوم لا يقل أهمية عن تحرير الموصل". وأضاف أنّ "تأجيل تحرير المدينة يقع ضمن سياسيات أميركية وعسكرية عراقية، لأن المنطقة التي لا يزال داعش يسيطر على مساحة واسعة جداً منها، تبدأ من منطقة الزركة بقضاء الطوز بمحافظة صلاح الدين ومطيبجية التي تربطها بديالى، وصولاً إلى قرى غيدة بقضاء داقوق جنوب كركوك وإلى ناحية الرشاد، ومنها إلى جبال حمرين ومنطقة الفتحة وإلى الرياض ونواحي الزاب التي تربط كركوك بنينوى وصلاح الدين من أقصى الجنوب، ولها امتداد عن طريق الكوير وقضاء الدبس بمحافظة أربيل وهي مساحة تصل إلى ضعف مساحة نينوى"، وفق تأكيد العزاوي. وأشار إلى أنّ "هذه المساحة الواسعة لا يزال التنظيم يسيطر عليها وتحتاج إلى قوات عسكرية كبيرة لتحريرها".