الحوثيون ودول الخليج

16 فبراير 2015
+ الخط -

مع (الإعلان الدستوري)، الذي خرج به الحوثيون، مستكملين انقلابهم، الذي بدأوه بالاجتياح المسلح لصنعاء، في سبتمبر/أيلول من العام المنصرم، يكون اليمن قد أمسى في عُمقِ نفقٍ مجهولِ النهاية، حيث يعيش لحظاته الحرجة، كدولة قد أخذت في التشظي، وانزلقت في طريق الانهيار، ليكون السؤال الأكثر منطقية، الآن، ما التالي؟

فالمؤسسة العسكرية التي تُعد العمود الفقري لكيان الدولة، والمُناط بها بسط السيادة، حيث تشكل صمام أمان وجود الدولة، أصابها التشرذم، تحت وطأة الولاءات القبليّة والطائفيّة والمناطقيّة، وعلى خُطاها كذلك المؤسسة الأمنية، لتكون المحصلة شيوع الفوضى. وأصابت الحوثي حالة النهم، والمسارعة إلى ابتلاع السُّلطة، على الأقل المركزية منها في صنعاء، إلا أن مسعاه في التمدد العسكري، في بقية محافظات اليمن، مُهَمّة عسيرة، في ظلّ قبائل مناوئة له، وخصوصاً في المناطق النفطية، والجنوب أصبح في حالة انفصال فعلي، وتنظيم القاعدة الذي يكنّ له عداء أيديولوجياً مستميتاً. ذلك كله له كلفة باهظة مادياً وعسكرياً، لا يقوى الحوثي على فاتورتها، وهو الذي لم يكن ليستطيع احتلال صنعاء، إلا بمعونة شريكه في تحالف الشر والانقلاب، المخلوع علي عبدالله صالح ودولته العميقة. فالحوثيون جماعة غيبيّة، تشكل قوة عمياء، خرج أنصارها من بيئة منعزلة، يفترسها الفقر ويخنقها الجهل، وتقودها زعامات مليشياوية، لا تملك أية خبرة سياسية، فضلاً عن أنْ تُدير مؤسسات دولة، وكان ذلك جليّاً في ممارساتها من سلب وتدمير وخطف، وهي أفعال لا تصدر إلا من عقليّة العصابة وقطاع الطرق، فالعقل المدبر والمفكر لها، هو طهران، والتي تسعى إلى إقامة نظام نوري المالكي بنكهة يمنية، والذي لم ينجح إلا في تدمير العراق وتفتيته، وهي الوصفة الإيرانية المفضلة، حيث إشعال الطائفيّة لتدمير البُنى الاجتماعية للشعوب العربية، والتي تُفضي إلى القضاء على مستقبل تلك المجتمعات عبر حروب أهلية، لا تعرف إلا الدم والخراب. قد ينجح الحوثي في فرض أمر واقع لزمن. لكن، ليس في وسعه الاستمرار، فحتى الحكم المُستبدّ لا يمكن له البقاء، إلا نتيجة توافقات مصلحية بينه وبين القوى المؤثرة في البلد، والتي تمظهرت في عهد المخلوع في مراكز الثِّقَل العسكريّة والقبليّة. المتضرر الأكبر من الانقلاب، بعد الشعب اليمني، هو دول المنظومة الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، فهي بإزاء تهديد مباشر لأمنها الوطني، وهي التي تمتلك من أدوات التأثير الاقتصادي والسياسي الكثير، ففي مقدورها إنقاذ اليمن، بدعم كل الأطراف الفاعلة فيه، والقادرة على لجم الحوثي، في موازاة التحرك، دولياً، بشكل حثيث، وعدم تكرار خطيئة العراق الذي تُرك لقمة سائغة للإيرانيين، بعد أن اختار العرب الانكفاء عنه، وكذلك، إدراك خسارة الرهان على الموقف الأميركي الذي ينظر، بعيْن الرِضا، للهيمنة الإيرانية على المنطقة، حيث يعلم أن الحوثي لن يخرج عن النص، وسيقدم الخدمات المطلوبة منه في استهداف تنظيم القاعدة، وهو ما يحدث بالفعل. فالسعودية وبقية دول الخليج أصبحت بحاجة لتوجيه بوصلتها السياسية في الاتجاه الصحيح، لأن عليها أن تدرك أنها الخطوة التالية، إذا انهار اليمن.

79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)