الحوار الكردي-الكردي في سورية: ترحيل الخلافات للجولة الثانية

01 يونيو 2020
تدفع واشنطن باتجاه تشكيل مرجعية سياسية كردية واحدة(فرانس برس)
+ الخط -


يحاول الأكراد السوريون ردم هوّة الخلاف في ما بينهم حول العديد من القضايا، التي كان التباين في الرؤى حيالها سبباً لشقاق بين أكبر كيانين سياسيين في المشهد الكردي السوري خلال السنوات الماضية، وهو ما جر الأكراد إلى صراعات بينية، كانت وراء تشرذم القرار ما بين "الإدارة الذاتية"، المكونة من أحزاب متهمة بالارتباط بحزب العمال الكردستاني وتسيطر على جل منطقة شرق الفرات، وبين المجلس الوطني الكردي، المتهم من قبل "الإدارة الذاتية" بالتماهي مع المواقف التركية حيال القضية الكردية.

وأعلن القائد العام لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، مظلوم عبدي، عبر حسابه في "تويتر" الجمعة الماضي، عن بدء المرحلة الثانية من الحوار الكردي- الكردي بعد "نجاح" المرحلة الأولى من الحوار الذي يبدو أن هناك دفعاً أميركياً من أجل إنجاحه ما بين أحزاب "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق سورية، وفي مقدمتها "الاتحاد الديمقراطي"، وبين أحزاب المجلس الوطني الكردي، المدعوم من قيادة إقليم كردستان العراق. وأعرب عبدي عن أمله بأن يعمل طرفا الحوار "على أساس مستقبل وآمال الشعب الكردي وقضيته"، مضيفاً "معاً سننتصر ونكتب التاريخ". وكان عبدي نفسه دعا إلى هذا الاجتماع أواخر العام الماضي، بُعيد العملية العسكرية التركية في منطقة شرق نهر الفرات التي تسيطر "قسد" عليها، وذلك لمواجهة تبعات العملية، وترتيب "البيت الكردي" استعداداً لمرحلة سياسية من المفترض أن تحدد مصير كل سورية.

وقال عضو "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي" والمنسق العام في حركة الإصلاح الكردي فيصل يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الوطني الكردي يعتمد دوماً الرؤية السياسية المشتركة الموقعة بين الأحزاب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي بعد الثورة السورية، وتحديداً في العام 2012". وأشار إلى أن "مضمون هذه الرؤية هي العمل كي تكون سورية دولة ديمقراطية اتحادية، بنظام حكم لامركزي، ويقر دستورها بحقوق الشعب الكردي، وإزالة السياسات التمييزية المطبقة بحقه وبحق كل المكونات الأخرى، وإيجاد حل سياسي للأزمة الراهنة في البلاد وفق القرارات الدولية ذات الشأن". وحول النقاط التي جرى الاتفاق عليها في الجولة الأولى من الحوار مع أحزاب "الإدارة الذاتية"، قال يوسف "ما زلنا نعمل وفقاً لتحقيق تلك الرؤية، وضرورة دعم وحدة المعارضة الوطنية من أجل ذلك".

وحول مطلب أحزاب "الإدارة الذاتية" من المجلس الوطني الكردي الانسحاب من الائتلاف الوطني السوري، لإنجاح الحوار الكردي ــ الكردي، شدد يوسف على أنه "ليس في برامج عملنا أي توجه للانسحاب من الائتلاف، ونؤكد أن المجلس الوطني الكردي يتبوأ موقعه في الائتلاف كمكون قومي كردي، ويدافع عن حقوق الشعب الكردي وحقوق كل السوريين". وأضاف "وجودنا في إطار الائتلاف الوطني جرى باتفاق مع قيادته في أغسطس/آب 2013، ونعمل من خلاله لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسورية، عبر مؤتمرات جنيف، وإيجاد الحل السياسي للأزمة القائمة بالبلاد". وأكد أن المجلس الوطني الكردي "يعتقد بأهمية وضرورة تفعيل دور الائتلاف، وتجاوز أي سلبية موجودة في عمله. ونعمل على ذلك من خلال اجتماعاتنا الدورية مع رئاسته وعبر ممثلينا في هيئاته". وأشار إلى أن كل اتفاقيات المجلس السابقة مع حزب الاتحاد الديمقراطي "كانت تنطلق من الأرضية الوطنية السورية والدفاع عن حقوق الشعب الكردي في سورية"، مضيفاً "نعتقد بذلك، وهو خيارنا".



من جانبها، كشفت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس هناك اتفاق بعد بين أحزاب الإدارة الذاتية والمجلس الوطني الكردي حول القضايا المهمة والمحورية"، مشيرة إلى أن الأخير "يصر على أن الاتفاق لن يتم إلا في إطار سلة واحدة، يتم الاتفاق فيها على الأمور السياسية والعسكرية والإدارية". وأضافت "حتى الآن لم يتجاوز الاتفاق المواضيع السياسية العامة، من قبيل الاتفاق على أن النظام استبدادي، وتحسين العلاقة مع تركيا، وضم القوى العربية والتركمانية والسريانية في منطقة شرقي نهر الفرات إلى أي إدارة يُتفق عليها".

وتسيطر "قسد" على أغلب منطقة شرق نهر الفرات الغنية بالثروات، والتي تشكل نحو ثلث مساحة سورية، لكنها حتى اللحظة خارج العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة في مدينة جنيف. ومن الواضح أن واشنطن تدفع باتجاه تشكيل مرجعية سياسية كردية واحدة لضمها إلى هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية. وهناك فجوة كبيرة في المواقف السياسية بين الكيانين السوريين الكرديين حيال العديد من القضايا المهمة، حيث يطالب كل طرف الآخر باتخاذ مواقف "مؤلمة"، ما يجعل التقارب بينهما صعباً.

ويطالب "المجلس الوطني" بفك أحزاب "الإدارة الذاتية" أي ارتباط لهم بحزب العمال الكردستاني، وطرد عناصر وقيادات هذا الحزب من سورية. ويُنظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتخذ من "وحدات حماية الشعب" الكردية المهيمنة على "قوات سورية الديمقراطية"، على أنه نسخة سورية من هذا الحزب الكردي التركي، والمصنف ضمن خانة التنظيمات الإرهابية في العالم. وفي المقابل، تطالب "الإدارة الذاتية" بانسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف الوطني السوري، أي فصل أي علاقة كردية بالمعارضة السورية التي تتهم حزب الاتحاد الديمقراطي بالسعي إلى تقسيم سورية، إضافة إلى ارتكاب جرائم تهجير على أساس عنصري بحق العرب والتركمان في منطقة شرقي نهر الفرات. ويطالب المجلس الوطني الكردي بدخول قوات "البشمركة السورية"، التي تضم مقاتلين سوريين أكراداً متمركزين في شمال العراق، إلى شرق نهر الفرات للنهوض بدور أمني وعسكري في المنطقة، وهو ما ترفضه "الإدارة الذاتية" حتى الآن، في ظل أنباء عن تأجيل التفاوض حول هذه المسألة للمرحلة الأخيرة من الحوار.

ويرى "المجلس الوطني" أن إنشاء إدارة مشتركة مع أحزاب "الإدارة الذاتية" يتطلب من الأخيرة تحديد موقفها من العلاقة مع النظام السوري، خصوصاً أنها تُبقي الباب موارباً مع النظام رغم فشل عدة جولات حوار معه تحت رعاية روسية. وفي حديث مع "العربي الجديد"، أعرب الباحث السياسي السوري الكردي إبراهيم مسلم عن اعتقاده بأن الحوار الكردي ــ الكردي الحالي سيكون مصيره الفشل "في حال عدم انسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف الوطني"، مشيراً إلى أن الجانب التركي يتحسّب من إقدام "المجلس" على هذه الخطوة، "لذا عمد أخيراً لإدخال رابطة الأكراد السوريين المستقلين إلى الائتلاف". وعن إمكانية فك أحزاب "الإدارة الذاتية"، خصوصاً "الاتحاد الديمقراطي"، أي ارتباط مع حزب العمال الكردستاني، أشار مسلم إلى أن "الاتحاد الديمقراطي لا يعتبر نفسه تابعاً لقيادة العمال الكردستاني في جبال قنديل"، مضيفاً "هم (أعضاء الاتحاد الديمقراطي) يقولون نحن نقتدي بأفكار (زعيم حزب العمال الكردستاني) عبد الله أوجلان، لكننا حزب سوري".

وتبادل الطرفان الكرديان طيلة سنوات اتهامات بالتبعية، حيث تتهم "الإدارة الذاتية" المجلس الوطني الكردي بالتبعية للجانب التركي والتماهي مع رؤية أنقرة حيال المسألة الكردية في سورية، في حين يتهم المجلس "الإدارة الذاتية" بالإقصاء والتهميش والسيطرة على مقدرات منطقة شرقي نهر الفرات، إضافة إلى الارتباط مع حزب العمال الكردستاني، واستمرار العلاقة مع النظام، مع موقف غير واضح من الثورة السورية. كما يطالب المجلس بالمشاركة الحقيقية في القرار السياسي والعسكري، في حين تصر "الإدارة الذاتية" على عدم المساس بها في أي تسوية، كما ترفض دخول "البشمركة" تحت هذا المسمّى، بل الاندماج في "قسد"، حتى لا يكون هناك قوتان في المنطقة.

المساهمون