الحوار الأفغاني أسير الخارج: الدور الباكستاني والتوتر السعودي الإيراني

26 أكتوبر 2016
الحكومة الأفغانية تريد فرض وقف إطلاق النار أولاً(عزيز سانا/الأناضول)
+ الخط -
تكشف الرسالة التي وجهها الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة طالبان الأفغانية، الملا طيب آغا، من الدوحة، إلى زعيم الحركة الملا هيبة الله أخوندزاده، عن عدد من الحقائق المتصلة بخلافات داخلية وأخرى تتعلق بتعقيدات مرتبطة بأدوار الدول المعنية بالملف الأفغاني عموماً. وقد تطرقت إلى معطيات ووقائع عديدة، كان يتحدث عنها كثيرون، لكن الحركة كانت تنفيها ولا تزال. من أبرز تلك الحقائق وجود قياديين لـ"طالبان" في باكستان وإحكام الأخيرة نفوذها عليهم، ووجود من وصفهم آغا بالجواسيس وبالعاملين للاستخبارات الأجنبية داخل صفوف الحركة. علاوة على الاستياء الشديد لمقتل المدنيين الأفغان لصالح أجندات جهات دولية وإقليمية.

ويطلب آغا، بوصفه أحد مؤسسي الحركة، في رسالته، إخراج جميع قيادات الحركة من باكستان كي تتصرف من تلقاء نفسها ولصالحها ولصالح الأفغان. ويدعو إلى طرد من وصفهم بعناصر وقيادات تعمل لأجل أجهزة استخبارات في الإقليم، لا سيما في إيران وباكستان. وكان آغا أعلن استقالته من قيادة طالبان، في الدوحة، بسبب الخلافات الداخلية بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر وتعيين الملا أختر منصور خلفاً له في يوليو/تموز من العام الماضي. وفي هذا الصدد، يؤكد أن زعامة الحركة الحالية طلبت منه العودة إلى منصبه من جديد، وأنه قبل ذلك شريطة خروج قيادات الحركة ورؤساء اللجان فيها من باكستان.

ومن أخطر ما يشير إليه آغا في رسالته هو قتل الأفغان ورموز الشعب لصالح الآخرين، لافتاً إلى أن لجنة الاستخبارات في الحركة تحكم بقتل الأفغان على أساس معلومات استخباراتية تجمعها أجهزة تابعة لدول في المنطقة، وهي تفعل ذلك لصالحها وليس لصالح الأفغان ولا الحركة. ولا تذكر الرسالة أسماء محددة، لكنها تصف الأجهزة بالمغرضة. ويشير القيادي البارز في "طالبان" إلى أن الكثير من الأفغان قتلوا داخل أفغانستان وخارجها بيد مقاتلي الحركة لصالح تلك الاستخبارات. وهي نفس تجربة المجاهدين ضد الاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، التي تكررها "طالبان" اليوم، على حد وصفه.

والجديد الآخر في رسالة آغا، هو أنه يوصي بعدم وصف زعيم الحركة بأمير المؤمنين، ولا الحركة بالإمارة الإسلامية، إذ إنها لا تحكم، ولا يوجد أرض تبسط حكمها عليها. ويعتبر هذا الكلام الأول من نوعه، والذي يصدر عن قيادي في الحركة. ويأتي الكشف عن الرسالة في وقت تتعرض فيه "طالبان" إلى الكثير من التغيرات والتطورات. وفي حين تم اعتقال مجموعة من كبار قادتها في باكستان أخيراً، وسط تضارب المعلومات في شأن عددهم بين ثلاثة وثمانية قياديين، ثمة من يرى أن عدداً من قياديي الحركة لاذوا بالفرار من باكستان إلى أفغانستان ووجدوا لهم موطئ قدم هناك، وذلك لتجنب الاعتقال على غرار زملائهم. وهو ما يؤكده مصدر رفيع المستوى في الحكومة الأفغانية، رافضاً ذكر اسمه. ويقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن أعضاء في ما يسمى بـ"شورى كويتا"، يتواصلون مع الحكومة لأجل الوصول إلى حل للقضية الأفغانية، وأن الحكومة ترحب بهم أفراداً وجماعة.


ويؤكد القيادي البارز في الحركة، وهو أحد المنشقين عنها أخيراً، المولوي عبد المنان نيازي، في فيديو له، أنه لا ولن يقتل الأفغان لصالح الآخرين، قاصداً بالتحديد الأميركيين والباكستانيين. ويشير إلى أن دول الجوار والقوى العالمية تصب الزيت على نار الحرب في أفغانستان لأجل مصالحها والأفغان يدفعون الثمن، داعياً جميع الأطراف إلى التريث.

شرط الاعتراف بمكتب الدوحة
وتتزامن هذه التطورات المهمة مع انعقاد مفاوضات كانت سرية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في الدوحة، مرتين، الأولى خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، والثانية في أكتوبر/تشرين الأول الجاري. وهذه المفاوضات التي تنكر حصولها الحركة بلسان الناطق باسمها، ذبيح الله مجاهد، كانت قد ركزت من جانب الحكومة على وقف إطلاق النار. في المقابل، أصرت "طالبان" خلالها على أن تقبل الحكومة بمكتب الدوحة كمرجع رسمي للحركة. وفي هذا الصدد، يقول أحد قادتها لـ"العربي الجديد" إن "طالبان" لا تريد أن تخوض الحوار مع الحكومة قبل أن تعترف هي بمكتب الدوحة كمرجع رسمي لها، وأن الأولى تصر على وقف إطلاق النار قبل الانخراط رسمياً في الحوار. ويضيف أن الحركة تريد المفاوضات من أجل إيجاد حل للمعضلة الأفغانية إذ إن الخيار العسكري بات فاشلاً. لكنه يلفت إلى أن "طالبان" لن تفعل ذلك قبل خلق جو من الثقة المتبادلة بين الطرفين واعتراف الحكومة رسمياً بمكتب الدوحة.

وعلى الرغم من صمت الحكومة ونفي "طالبان"، إلا أن تفاصيل ما جرى في جلستي المفاوضات، تؤكد أن النقاشات دارت في جو من الهدوء، وأن الطرفين كانا يرغبان في الوصول إلى حل، وليس في تعقيد الأمور. ويقول الإعلامي الأفغاني، سميع الله يوسفزاي، الذي أذاع خبر الحوار بين الطرفين، عبر مقال نشره في جريدة "كاردين"، إن الحوار حصل بين الطرفين وأن "طالبان" تنكر ذلك بسبب أوضاعها الداخلية التي لا تسمح لها في الوقت الراهن الإفصاح عن عملية الحوار. ولعل النقطة الأهم في هذا الصدد، تتمثل بمحاولة تهميش دور باكستان. عامل من شأنه أن يخلق الكثير من المشاكل لحركة طالبان ولعملية الحوار نفسها، كما يؤكد كل من الإعلامي يوسفزاي، والسفير الباكستاني السابق لدى كابول، رستم شاه مهمند. ومن المحتمل أن يكون اعتقال قيادات الحركة من قبل السلطات الباكستانية قد أتى في هذا الإطار، لتوجيه رسالة تحذيرية من مغبة تهميش الدور الباكستاني.

ويبدو أن "طالبان" أدركت أن دور باكستان مهم وأن تهميشه سيدفعها نحو مشاكل جمة. لذلك أرسلت وفداً من ثلاثة قياديين فيها إلى إسلام آباد من أجل إعادة المياه إلى مجراها. وضم الوفد ثلاثة من القياديين في الحركة هم: سفير "طالبان" السابق لدى باكستان، المولوي شهاب الدين دلاور، ووزيرا الداخلية والتعليم في حكومة "طالبان" المُقالة، المولوي جان محمد، والمولوي عبد السلام. ويبدو واضحاً أن إرسال الوفد إلى إسلام أباد يثير حفيظة الرئاسة الأفغانية التي وصفت الخطوة، في بيان، باعتبارها تناهض الأعراف الدبلوماسية.

ومع أن المعنيين بالقضية الأفغانية يرون أن الحوار هذه المرة هو أفغاني محض، لأنه أتى نتيجة جهود أفغانية ونتيجة تواصل بين الحكومة والحركة، إلا أن ثمة من يتحدث عن وجود وفد أميركي أثناء الحوار. ويؤكد البعض على أن المحادثات حصلت بمساندة بعض دول الخليج، تحديداً السعودية التي كان لها دور في إنجاح عملية المصالحة بين الحكومة الأفغانية والحزب الإسلامي.

ولعل زيارة الرئيس التنفيذي للحكومة الأفغانية، عبد الله عبد الله، إلى الرياض، الأسبوع الماضي، قد أتت للغاية ذاتها، وهو ما توحي به بيانات الحكومة بهذا الشأن. وفي هذا الصدد، يقول المتحدث باسم الرئاسة التنفيذية، جاويد فيصل، إن المناقشات بين الوفد الأفغاني وبين القيادة السعودية كانت تركز على جهود المملكة إزاء الحوار الأفغاني، والعمل على إقناع "طالبان" بترك السلاح والعودة إلى المسار السياسي، علاوة على العلاقة بين باكستان وأفغانستان. ويشير فيصل إلى أن عبد الله عبد الله شدد خلال لقاءاته مع القيادة السعودية على أن بعض دول الجوار تصب الزيت على النار في أفغانستان وأن ذلك لا يصب في مصلحة المنطقة بأسرها.

في المحصلة، يبدو أن الجهود الحالية من أجل التوصل إلى حل للمعضلة الأفغانية تسير في طريقها الصحيح، لا سيما بعد نجاح المصالحة بين حكومة كابول والحزب الإسلامي. لكنها قد لا تؤدي إلى حل نهائي للقضية، إذ إن دور السعودية سيغضب إيران التي أقدمت في الآونة الأخيرة، على خطوات تقارب مع "طالبان"، وتم تأسيس فرع شيعي لحركة "طالبان" داخل الهزارة، فضلاً عن أن تهميش باكستان سيخلق الكثير من العراقيل أمام الأفغان.
المساهمون