09 يونيو 2023
الحل الأممي الغامض في سورية
على الرغم من أن القرار الأممي رقم 2254 اعتمد على بيان جنيف، ونص صراحةً على كفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف 2012، و إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة، تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة، أساساً لانتقال سياسي بقيادةٍ سوريةٍ، وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها، على أساس مجمل ما جاء في بيان جنيف. ولاحظ القرار، خصوصاً، جدوى اجتماع الرياض الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضاتٍ تحت رعاية الأمم المتحدة، بشأن التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ للنزاع، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، وإقامة حكم ذي مصداقية يشمل الجميع، ولا يقوم على الطائفية، وتحدد جدولاً زمنياً وعملية لصياغة دستور جديد، على الرغم من ذلك، فإن ما يجري في الواقع يتجاهل ذلك كله.
ركز قرار مجلس الأمن 2254 على ثلاثة عناصر: إقامة "حكم" خلال ستة أشهر، ووضع دستور وإجراء انتخابات تتم خلال 18 شهرا، لكن القرار لم يضع لها آليات تنفيذية محدّدة، وهذا يتطلب مفاوضات مباشرة واتفاقاً واسعاً يشمل قضايا عديدة معقدة. لذا، ينص القرار على دعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول، بسرعةٍ، في مفاوضاتٍ رسميةٍ، بشأن عملية انتقال سياسي، بهدف التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ دائمةٍ للأزمة؛ كما ينص على أن دور الفريق الدولي هو دور "ميسر" للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سورية.
أما المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، المغرم بالمشاورات، فقد قفز على بيان جنيف 2012، وعلى قرارات مجلس الأمن جميعها، وبدأ نهجاً "تشاورياً" مع وفود سياسية عديدة، معارضة وموالية وشبه معارضة ونسائية، وربما غداً وفود رجالية وشؤون أسرة، ويستلم منها جميعها أوراقاً ويجتمع بها، ويظهر معها أمام وسائل الإعلام، في عملية تمييع للمفاوضاتـ تحت مسمى التشاور، إذ يتساوى الجميع لديه في عملية التشاور، ويبدو أنه يسعى إلى احتكار صياغة الحل في سورية، وقد أصدر فعلاً ورقته الأولى للحل، وعلى الرغم من أنها تنص على أنها ليست رسمية (Non Paper)، ولن تقدم للأمم المتحدة، غير أنه بتقديمها يكرّس مبدأ العمل بهذا النهج، بما يوحي أنه يرغب بالاستمرار فيه، ليقدم هو وثيقة الحل النهائي، قائلاً "هذا ما توافق عليه السوريون"، داعياً إلى إصدارها بقرار من مجلس الأمن. وبالتالي، يسعى إلى أن يضع نفسه وصياً على الوفود، ووصياً على سورية، بميول واضحة نحو النظام ونحو الروس، زاعماً أن القرار الآن بيد الروس، وهو يستجيب لطلباتهم.
الدستور والانتخابات
الأمر الغامض الآخر هو الدستور، فلا نعلم كيف سيوضع ومن سيضعه، هل سيشكل دي ميستورا فريقاً من المختصين، يضعون مسودة دستور، ثم يعرضه للاستفتاء؟ وبالتالي، من هو الفريق وماذا سيكون محتوى الدستور، وأي استفتاءٍ، وكيف سيجري، ومن سيجريه؟
تضع الدساتير، عادةً، هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب، مهمتها وضع الدستور فقط، ثم تحل، وتضع الهيئة المنتخبة الدستور مستعينةً بلجنة من علماء القانون الدستوري، ومجموعة من خبراء السياسة والاقتصاد والاجتماع، وتطرحه للنقاش العام، ثم تعدله وتضعه بصيغته الأخيرة، وتصوّت عليه مسودة، ثم تطرحه للاستفتاء العام، وسنعود إلى مسألة الاستفتاء على الدستور.
الأمر الغامض الثالث هو الانتخابات وفقاً للدستور الجديد التي ستجرى خلال 18 شهراً، فقيمة الانتخابات تأتي من قيمة الدستور، فإن كان الدستور قد وضع على نحوٍ لا يمثل إرادة السوريين، فقيمة الانتخابات صفر، بل هي تزوير لإرادة السوريين التي عهدوها منذ 1963. فكيف سيجري الاستفتاء والانتخابات في الظروف الحالية مع وجود أكثر من أربعة ملايين لاجئ في دول الجوار، وأكثر من مليون ونصف لاجئ ومهاجر إلى دول بعيدة، ونحو ستة ملايين مهجّر داخل سورية؟ والأهم من سينظم الانتخابات في المناطق كافة، ومن سيديرها ومن سيراقبها؟
أكثر النقاط غموضاً دور بشار الأسد ومصيره، وهذا يشبه ورقة اللعب غير المكشوفة في لعبة القمار "البوكر"، تبقى غامضةً حتى نهاية اللعبة، ليفاجئ بها اللاعب خصمه، فيربح أو يخسر.
في الظروف السائدة، ستكون نتائج أية انتخابات تجري مسبقة الصنع في المناطق كافة، فالمناطق التي يسيطر عليها النظام ستكون النتائج وفق ما يقرّره، وبالشكل الذي يريده تماماً، حتى لو راقبها مئات المندوبين من الأمم المتحدة، فسيخرج السوريون رغماً عنهم، ليدلوا بأصواتهم وفق مشيئة النظام. وسيجري الأمر نفسه في مناطق المعارضة، مع فارق أن مناطق المعارضة مشتتة ومشرذمة، ويسيطر كل فصيل معارض على منطقته التي يرفض أن يتدّخل بها فصيل آخر، وستكون نتائج الانتخابات كما يريد قادة الفصيل، حتى لو قامت الفصائل بالتنسيق فيما بينها، فلن تصل إلى اتفاقٍ على قائمة موحدة في كل منطقة من مناطق سيطرتها، وسيكون الفشل من نصيبها.
تحد آخر أمام المعارضة، فقد نص قرار مجلس الأمن على أن يشمل الاستفتاء والانتخابات جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر، والسؤال: كيف ستنظم المعارضة الاستفتاء والانتخابات في دول الجوار والدول البعيدة، فدول الجوار لا تسمح للمعارضة بالدخول إلى المخيمات التي تخضع لإرادة الدولة المضيفة وإدارتها. وبالتالي، ننتظر من اليوم أن يتم تزوير نتائج انتخابات السوريين في لبنان، بضغط من حزب الله وحلفاء النظام الكثيرين، وسيحدث شيء مشابه في مصر، بينما لا تتفق توجهات الأردن مع توجهات تركيا، وستكون هناك قوائم مختلفة. طبعاً، ستبقى مناطق داعش وجبهة النصرة خارج أية مشاركة.
أيضاً، من أين ستأتي المعارضة بالإمكانات لتحشيد السوريين في دول العالم للمشاركة في الانتخابات، بينما لا تملك الهيئة العليا للانتخابات أية إمكانات مادية، ومثلها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ومثلها الحكومة المؤقتة، فقد قطعت عنها جميعها أية مساعدات، بينما يملك النظام موارد مركزية، إضافة إلى دعم روسي وإيراني وعراقي، بما يمكّنه من تجميع مؤيديه وتحشيدهم، والتأثير على المحايدين، وما أكثرهم اليوم. أي ستكون نتائج أي استفتاء وأية انتخابات لصالح النظام بقيادته المركزية ولوائحه الموحدة، بينما ستخسر المعارضة، بتشرذمها وتشتتها، واختلاف الدول المضيفة للسوريين والداعمين لها.
سيأتي الرد على كل ما أورته بأنه سيتم الاتفاق ابتداءً على تشكيل حكم/ حكومة، وستكون هي صاحبة السلطة على المناطق كافة، مواليةً ومعارضة، وستدير كل العمليات، إضافة إلى مهام أخرى عديدة. ولكن، هنا نأتي إلى مفترق الطرق، فأحد الطرق يؤدي بسورية إلى حل، ويصل بها إلى بداية بر الأمان، وآخر يودي بها إلى جحيمٍ يشبه جحيم العراق بعد 2003.
يسعى النظام وإيران إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، ويسعيان معاً إلى كسب دعم الروس لهذا الحل فقط لا غير، وهذا الحل إنما يعني شيئاً واحداً، هو أن كل شيء قد عاد إلى ما قبل مارس/ آذار 2011، وكأن شيئاً لم يكن. فحكومة "الوحدة الوطنية" هذه، حتى لو كان رئيسها شخصيةً معارضةً، ونصفها من المعارضة، فلن يكون لها أي دور، ولا أي تأثير، إلاّ بالحدود التي يمنحها لها بشار الأسد الذي سيبقى رئيساً بكامل صلاحياته الشاملة، ففي الدستور الحالي هو رئيس السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، ويملك حل أية وزارة في أي وقت، كما سيحتفظ النظام بوزارات الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، أي بمفاصل قوة الدولة. حينذاك، ستكون نتائج أعمال هذه الوزارات معروفةً مسبقاً، والأهم ستبقى سيطرة النظام على الجيش والأمن كما هي، بقياداتها نفسها. ولن يكون هذا مقبولاً، ولا يقدم حلاً، ما يعني استمرار الصراع.
الحل في هيئة حكم انتقالي
للوصول إلى حل عاجل عادل وشامل وقابل للحياة، ينبغي أولاً أن ينزع الجميع من رؤوسهم وهم الحسم العسكري، وأن تنزع السيطرة الأحادية للنظام والمعارضة على مناطق سيطرتهم الحالية، وإقامة سلطة مشتركة تمثل كل الأطراف في جميع المناطق، بما يمنع تزوير الانتخابات وتزوير إرادة الناخبين من أي فريق. وهذا يتطلب أن يوقف دي ميستورا برنامج مشاوراته، فقد تشاور حتى الآن بما يكفي، وأن يبدأ تنظيم مفاوضات مباشرة بين وفدي الهيئة العليا للمفاوضات والنظام، ووضع اتفاق شامل لتشكيل هيئة حكم/ حكم انتقالي، أياً كانت التسمية، كامل الصلاحيات التنفيذية والتشريعة والقضائية، أي صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحئات مجلس الوزراء في الدستور الحالي، خلال الفترة الانتقالية، ويمثل في هيئة الحكم الأطراف الثلاثة، وهي ثلث للمعارضة ومثله للنظام وآخر لأطرافٍ من المجتمع، مثل ممثلين عن النقابات المهنية والعمالية وغرف التجارة والصناعة ورجال الأعمال والنساء وشخصيات مرموقة. ويشكل هذا الثلث الثالث مناصفة بين المعارضة والنظام. والاتفاق على أن تمنح هيئة الحكم الانتقالي حق تشكيل مؤسسات مساعدة لإدارة المرحلة الانتقالية، مثل وزارة انتقالية ومجلس عسكري وأمني انتقالي وهيئة مصالحة وطنية وعدالة انتقالية، ومجالس محلية انتقالية في كل محافظة، ويقوم رئيس المجلس بوظائف المحافظ، وتشكل جميعها بطريقة هيئة الحكم الانتقالي نفسها. ويتم ذلك كله من خلال المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام، وأن يصدر الاتفاق بقرارٍ من مجلس الأمن كاتفاق ملزم، وقد قدمت خطة الانتقال السياسي التي صاغتها مجموعة الخبراء السوريين، ونشرت في جريدة العربي الجديد في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2015 تصوراً متكاملا حول الحل.
ستهيئ هيئة الحكم الانتقالي الأرضية لأية استفتاءاتٍ وانتخاباتٍ، وهذه عملية مركبة وصعبة، لن تنتهي خلال ستة أشهر، وهي تتطلب وضع برنامجٍ لإعادة تفعيل عمل مؤسسات الدولة، وخصوصاً في مناطق سيطرة المعارضة لما لحق بها من دمار، وبرنامج لإعادة أكبر قدر ممكن من المواطنين السوريين المهجّرين الى دول الجوار، أو داخل سورية إلى بيوتهم. وهكذا فقط يمكن إيجاد جو إيجابي مقنع لأوسع شريحة من السوريين، للمساهمة في إنجاح هذا الحل. وبالطبع، لا يمكن المضي بمثل هذا الحل، من دون القضاء على "داعش" وجبهة النصرة.
أعلم أن دي ميستورا والروس والأميركان وغيرهم يعرفون جيداً كل ما قلته، لكن السؤال: لماذا هذا الغموض؟ وماذا يطبخون؟
ركز قرار مجلس الأمن 2254 على ثلاثة عناصر: إقامة "حكم" خلال ستة أشهر، ووضع دستور وإجراء انتخابات تتم خلال 18 شهرا، لكن القرار لم يضع لها آليات تنفيذية محدّدة، وهذا يتطلب مفاوضات مباشرة واتفاقاً واسعاً يشمل قضايا عديدة معقدة. لذا، ينص القرار على دعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول، بسرعةٍ، في مفاوضاتٍ رسميةٍ، بشأن عملية انتقال سياسي، بهدف التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ دائمةٍ للأزمة؛ كما ينص على أن دور الفريق الدولي هو دور "ميسر" للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، لتحقيق تسوية سياسية دائمة في سورية.
أما المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، المغرم بالمشاورات، فقد قفز على بيان جنيف 2012، وعلى قرارات مجلس الأمن جميعها، وبدأ نهجاً "تشاورياً" مع وفود سياسية عديدة، معارضة وموالية وشبه معارضة ونسائية، وربما غداً وفود رجالية وشؤون أسرة، ويستلم منها جميعها أوراقاً ويجتمع بها، ويظهر معها أمام وسائل الإعلام، في عملية تمييع للمفاوضاتـ تحت مسمى التشاور، إذ يتساوى الجميع لديه في عملية التشاور، ويبدو أنه يسعى إلى احتكار صياغة الحل في سورية، وقد أصدر فعلاً ورقته الأولى للحل، وعلى الرغم من أنها تنص على أنها ليست رسمية (Non Paper)، ولن تقدم للأمم المتحدة، غير أنه بتقديمها يكرّس مبدأ العمل بهذا النهج، بما يوحي أنه يرغب بالاستمرار فيه، ليقدم هو وثيقة الحل النهائي، قائلاً "هذا ما توافق عليه السوريون"، داعياً إلى إصدارها بقرار من مجلس الأمن. وبالتالي، يسعى إلى أن يضع نفسه وصياً على الوفود، ووصياً على سورية، بميول واضحة نحو النظام ونحو الروس، زاعماً أن القرار الآن بيد الروس، وهو يستجيب لطلباتهم.
الدستور والانتخابات
الأمر الغامض الآخر هو الدستور، فلا نعلم كيف سيوضع ومن سيضعه، هل سيشكل دي ميستورا فريقاً من المختصين، يضعون مسودة دستور، ثم يعرضه للاستفتاء؟ وبالتالي، من هو الفريق وماذا سيكون محتوى الدستور، وأي استفتاءٍ، وكيف سيجري، ومن سيجريه؟
تضع الدساتير، عادةً، هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب، مهمتها وضع الدستور فقط، ثم تحل، وتضع الهيئة المنتخبة الدستور مستعينةً بلجنة من علماء القانون الدستوري، ومجموعة من خبراء السياسة والاقتصاد والاجتماع، وتطرحه للنقاش العام، ثم تعدله وتضعه بصيغته الأخيرة، وتصوّت عليه مسودة، ثم تطرحه للاستفتاء العام، وسنعود إلى مسألة الاستفتاء على الدستور.
الأمر الغامض الثالث هو الانتخابات وفقاً للدستور الجديد التي ستجرى خلال 18 شهراً، فقيمة الانتخابات تأتي من قيمة الدستور، فإن كان الدستور قد وضع على نحوٍ لا يمثل إرادة السوريين، فقيمة الانتخابات صفر، بل هي تزوير لإرادة السوريين التي عهدوها منذ 1963. فكيف سيجري الاستفتاء والانتخابات في الظروف الحالية مع وجود أكثر من أربعة ملايين لاجئ في دول الجوار، وأكثر من مليون ونصف لاجئ ومهاجر إلى دول بعيدة، ونحو ستة ملايين مهجّر داخل سورية؟ والأهم من سينظم الانتخابات في المناطق كافة، ومن سيديرها ومن سيراقبها؟
أكثر النقاط غموضاً دور بشار الأسد ومصيره، وهذا يشبه ورقة اللعب غير المكشوفة في لعبة القمار "البوكر"، تبقى غامضةً حتى نهاية اللعبة، ليفاجئ بها اللاعب خصمه، فيربح أو يخسر.
في الظروف السائدة، ستكون نتائج أية انتخابات تجري مسبقة الصنع في المناطق كافة، فالمناطق التي يسيطر عليها النظام ستكون النتائج وفق ما يقرّره، وبالشكل الذي يريده تماماً، حتى لو راقبها مئات المندوبين من الأمم المتحدة، فسيخرج السوريون رغماً عنهم، ليدلوا بأصواتهم وفق مشيئة النظام. وسيجري الأمر نفسه في مناطق المعارضة، مع فارق أن مناطق المعارضة مشتتة ومشرذمة، ويسيطر كل فصيل معارض على منطقته التي يرفض أن يتدّخل بها فصيل آخر، وستكون نتائج الانتخابات كما يريد قادة الفصيل، حتى لو قامت الفصائل بالتنسيق فيما بينها، فلن تصل إلى اتفاقٍ على قائمة موحدة في كل منطقة من مناطق سيطرتها، وسيكون الفشل من نصيبها.
تحد آخر أمام المعارضة، فقد نص قرار مجلس الأمن على أن يشمل الاستفتاء والانتخابات جميع السوريين الذين تحق لهم المشاركة، بمن فيهم الذين يعيشون في المهجر، والسؤال: كيف ستنظم المعارضة الاستفتاء والانتخابات في دول الجوار والدول البعيدة، فدول الجوار لا تسمح للمعارضة بالدخول إلى المخيمات التي تخضع لإرادة الدولة المضيفة وإدارتها. وبالتالي، ننتظر من اليوم أن يتم تزوير نتائج انتخابات السوريين في لبنان، بضغط من حزب الله وحلفاء النظام الكثيرين، وسيحدث شيء مشابه في مصر، بينما لا تتفق توجهات الأردن مع توجهات تركيا، وستكون هناك قوائم مختلفة. طبعاً، ستبقى مناطق داعش وجبهة النصرة خارج أية مشاركة.
أيضاً، من أين ستأتي المعارضة بالإمكانات لتحشيد السوريين في دول العالم للمشاركة في الانتخابات، بينما لا تملك الهيئة العليا للانتخابات أية إمكانات مادية، ومثلها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ومثلها الحكومة المؤقتة، فقد قطعت عنها جميعها أية مساعدات، بينما يملك النظام موارد مركزية، إضافة إلى دعم روسي وإيراني وعراقي، بما يمكّنه من تجميع مؤيديه وتحشيدهم، والتأثير على المحايدين، وما أكثرهم اليوم. أي ستكون نتائج أي استفتاء وأية انتخابات لصالح النظام بقيادته المركزية ولوائحه الموحدة، بينما ستخسر المعارضة، بتشرذمها وتشتتها، واختلاف الدول المضيفة للسوريين والداعمين لها.
سيأتي الرد على كل ما أورته بأنه سيتم الاتفاق ابتداءً على تشكيل حكم/ حكومة، وستكون هي صاحبة السلطة على المناطق كافة، مواليةً ومعارضة، وستدير كل العمليات، إضافة إلى مهام أخرى عديدة. ولكن، هنا نأتي إلى مفترق الطرق، فأحد الطرق يؤدي بسورية إلى حل، ويصل بها إلى بداية بر الأمان، وآخر يودي بها إلى جحيمٍ يشبه جحيم العراق بعد 2003.
يسعى النظام وإيران إلى تشكيل "حكومة وحدة وطنية"، ويسعيان معاً إلى كسب دعم الروس لهذا الحل فقط لا غير، وهذا الحل إنما يعني شيئاً واحداً، هو أن كل شيء قد عاد إلى ما قبل مارس/ آذار 2011، وكأن شيئاً لم يكن. فحكومة "الوحدة الوطنية" هذه، حتى لو كان رئيسها شخصيةً معارضةً، ونصفها من المعارضة، فلن يكون لها أي دور، ولا أي تأثير، إلاّ بالحدود التي يمنحها لها بشار الأسد الذي سيبقى رئيساً بكامل صلاحياته الشاملة، ففي الدستور الحالي هو رئيس السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية والقائد العام للجيش والقوات المسلحة، ويملك حل أية وزارة في أي وقت، كما سيحتفظ النظام بوزارات الدفاع والداخلية والخارجية والمالية، أي بمفاصل قوة الدولة. حينذاك، ستكون نتائج أعمال هذه الوزارات معروفةً مسبقاً، والأهم ستبقى سيطرة النظام على الجيش والأمن كما هي، بقياداتها نفسها. ولن يكون هذا مقبولاً، ولا يقدم حلاً، ما يعني استمرار الصراع.
الحل في هيئة حكم انتقالي
للوصول إلى حل عاجل عادل وشامل وقابل للحياة، ينبغي أولاً أن ينزع الجميع من رؤوسهم وهم الحسم العسكري، وأن تنزع السيطرة الأحادية للنظام والمعارضة على مناطق سيطرتهم الحالية، وإقامة سلطة مشتركة تمثل كل الأطراف في جميع المناطق، بما يمنع تزوير الانتخابات وتزوير إرادة الناخبين من أي فريق. وهذا يتطلب أن يوقف دي ميستورا برنامج مشاوراته، فقد تشاور حتى الآن بما يكفي، وأن يبدأ تنظيم مفاوضات مباشرة بين وفدي الهيئة العليا للمفاوضات والنظام، ووضع اتفاق شامل لتشكيل هيئة حكم/ حكم انتقالي، أياً كانت التسمية، كامل الصلاحيات التنفيذية والتشريعة والقضائية، أي صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحئات مجلس الوزراء في الدستور الحالي، خلال الفترة الانتقالية، ويمثل في هيئة الحكم الأطراف الثلاثة، وهي ثلث للمعارضة ومثله للنظام وآخر لأطرافٍ من المجتمع، مثل ممثلين عن النقابات المهنية والعمالية وغرف التجارة والصناعة ورجال الأعمال والنساء وشخصيات مرموقة. ويشكل هذا الثلث الثالث مناصفة بين المعارضة والنظام. والاتفاق على أن تمنح هيئة الحكم الانتقالي حق تشكيل مؤسسات مساعدة لإدارة المرحلة الانتقالية، مثل وزارة انتقالية ومجلس عسكري وأمني انتقالي وهيئة مصالحة وطنية وعدالة انتقالية، ومجالس محلية انتقالية في كل محافظة، ويقوم رئيس المجلس بوظائف المحافظ، وتشكل جميعها بطريقة هيئة الحكم الانتقالي نفسها. ويتم ذلك كله من خلال المفاوضات بين وفدي المعارضة والنظام، وأن يصدر الاتفاق بقرارٍ من مجلس الأمن كاتفاق ملزم، وقد قدمت خطة الانتقال السياسي التي صاغتها مجموعة الخبراء السوريين، ونشرت في جريدة العربي الجديد في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2015 تصوراً متكاملا حول الحل.
ستهيئ هيئة الحكم الانتقالي الأرضية لأية استفتاءاتٍ وانتخاباتٍ، وهذه عملية مركبة وصعبة، لن تنتهي خلال ستة أشهر، وهي تتطلب وضع برنامجٍ لإعادة تفعيل عمل مؤسسات الدولة، وخصوصاً في مناطق سيطرة المعارضة لما لحق بها من دمار، وبرنامج لإعادة أكبر قدر ممكن من المواطنين السوريين المهجّرين الى دول الجوار، أو داخل سورية إلى بيوتهم. وهكذا فقط يمكن إيجاد جو إيجابي مقنع لأوسع شريحة من السوريين، للمساهمة في إنجاح هذا الحل. وبالطبع، لا يمكن المضي بمثل هذا الحل، من دون القضاء على "داعش" وجبهة النصرة.
أعلم أن دي ميستورا والروس والأميركان وغيرهم يعرفون جيداً كل ما قلته، لكن السؤال: لماذا هذا الغموض؟ وماذا يطبخون؟