الحلقة المفقودة في حادث سيناء
أكثر من 50 ضحية بين قتيل وجريح محصلة الهجوم الغاشم الغامض على نقطة أمنية في شمال سيناء، يوم الجمعة. تساؤلات كثيرة تلح على الذهن بشأنه، منها: لماذا تتكرر عمليات الهجوم على نقاط التفتيش والكمائن الأمنية دون غيرها، بينما المفترض أن دورها الأساسي، والهدف منها، تأمين الطرق ومنع أية أعمال معادية، أو مرور أية مخالفات من أي نوع، فضلاً عن الدور الاتصالي، أي أنها تعمل نقاط اتصال واستطلاع للوضع الأمني في محيطها، أو نطاق عملها؟ مما يعني أن مهمتها بالأساس "تأمينية"، بشكل مباشر وغير مباشر، فكيف تكون عاجزةً عن تأمين نفسها وحماية أفرادها؟ وعندما يتجاوز عدد الضحايا 50 بين قتيل ومصاب، يصبح مشروعاً السؤالُ عن القوة المهاجمة، التي تمكنت من استهداف هذا العدد من الجنود، من حيث عدد المهاجمين ومستوى التسليح والتدريب لديهم.
ويستتبع هذا التفكرُ في كيفية هروب العدد المجهول من المهاجمين بتلك الأسلحة المجهولة، من دون ملاحقة أو رصد. إن كان العدد كبيرا والعتاد حديثاً ومتقدماً، فهذا يعكس قصوراً وخللاً في تسليح وتنظيم الكمائن ونقاط التفتيش، التي صارت هدفاً متكرراً من سيناء شرقاً إلى الفرافرة غرباً، فضلاً عن أن وصول، ثم هروب عدد كبير، من دون قتل أو إصابة أحدهم، أمر يحتاج إلى تفسير. وإن كان هؤلاء المهاجمون شرذمة قليلة العدد محدودة الإمكانات، فكيف تيسّر لهم قتل وإصابة عشرات من جنود يفترض أنهم مسلحون مدربون، مهمتهم أساساً مواجهة أمثال هؤلاء؟ وهنا، لا بد من أن نتوقف طويلاً، ونتفكر في أسباب هروب أحد الجنود من مواجهة الأعداء، وفراره في الصحراء، حفاظاً على حياته، ثم عودته في اليوم التالي.
التساؤل التالي يتعلق بهوية القتلى، من اللافت أنهم جميعاً جنود، وليس بينهم ضابط واحد، فهل اختار المهاجمون الجنود تحديداً دون الضباط؟ أم أن النقطة الأمنية كانت بلا قيادات وقت الهجوم، وفي الحالتين ما السبب؟ أم أن بين القتلى والمصابين ضباط، ولم يعلن ذلك؟
بعد العملية بساعات، انعقد مجلس الدفاع الوطني، وأعلنت حال الطوارئ. وصباح اليوم التالي مباشرة، انعقد المجلس العسكري، وصدق على خطة مواجهة الإرهاب في سيناء.
والسؤال، متى أعدت هذه الخطة؟ وهل تحددت الدروس المستفادة من الحادث لتتضمنها الخطة في أقل من يوم؟ فإذا كانت الخطة معدة مسبقاً، أو كانت قيد الإعداد، فلماذا لم يعلن عنها من قبل؟ وما الجديد فيها، الذي يضمن عدم تكرار تلك العمليات؟ وهل ستطبق بنود تلك الخطة على سيناء فقط، أم أيضاً في النقاط الحدودية الأخرى، التي تعرضت بالفعل، أو معرضة مستقبلاً، للهجوم؟
يبقى السؤال الأهم، دم هؤلاء الضحايا في رقبة من؟ على من تقع المسؤولية بشقيها، السياسي والأمني/العسكري؟ فلا ضمانة بعدم تكرار هذا الهجوم قريباً، أو حتى قريباً جداً، ما لم يحاسب علناً من أخلّ بمسؤولياته، أو قصّر في أداء مهامه. أخيراً، كم نحتاج من القتلى من المدنيين والعسكريين، لكي ندرك أن الأمن لا يتحقق بالقوة الغاشمة؟ الدولة القوية تردع لا تقمع، تستوعب لا تتغلب. وهيبة الدولة في قوتها الرشيدة، وكرامتها من كرامة مواطنيها، فمحاسبة المخطئ لا تجعل دم البريء رخيصاً. وستستغرق طويلاً، بل ستتعثر، محاولة وقف عمليات كهذه إذا اتبعت خطوات انتقامية غير تمييزية ضد أهل سيناء.
مصر يجب أن تعرف وتعلن ماذا جرى لأبناء لها، لا ذنب لهم سوى السهر على حماية تراب وطنهم. فعلامات الاستفهام تطل برأسها تلقائياً في أحداث كهذه، لا تفاصيل شافية فيما يعلن عنها، ولا خطوات كافية لمنع تكرارها. لذا، لا بد من شفافية تبرد غضب المصريين، وإجراءات تشفي غليل أمهات ثكالى وآباء مكلومين.