أبلغ عضو بارز في البرلمان العراقي عن التحالف الوطني الحاكم في البلاد "العربي الجديد" أن رئيس الوزراء حيدر العبادي أمر بتجميد ملف التحقيق مع المتورطين بسقوط مدينة الموصل منتصف عام 2014، على يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، خلال الفترة الحالية، مؤكداً أنه تم التحفظ عليه في مجلس القضاء الأعلى.
ويعد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وعدد من مساعديه، ومنهم وزير الدفاع آنذاك سعدون الدليمي أبرز المتورطين بسقوط المدينة، والتي نتج عنها احتلال نحو ثلث مساحة العراق، في غضون ثلاثة أيام، ما أسفر عن مقتل وإصابة ما لا يقل عن 100 ألف عراقي وتهجير نحو خمسة ملايين شخص، وإلحاق خسائر مادية كبيرة في البلاد.
وأوضح عضو البرلمان وهو أحد أعضاء لجنة الأمن والدفاع البرلمانية أنه "حتى الآن لا نعرف سر أمر العبادي بتجميد التحقيق مع المتهمين بالتورط في سقوط المدينة، إلا كونه صفقة سياسية جديدة".
وأكد أن "المالكي يمارس هو أيضاً ضغوطاً على مجلس القضاء الأعلى، الذي يدين أغلب أعضائه بالولاء له وبعضهم قيادات في حزب الدعوة الإسلامية"، مبيّناً أنّ " 11 من أصل 35 متهماً هربوا خارج العراق، وموجودون حالياً في إيران وسورية ولبنان واليونان".
بدوره، قال أحد أعضاء فريق الدفاع عن ضحايا "مجزرة سبايكر" الشهيرة وائل عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" إن "مجلس القضاء لم يبلغنا سبب تجميد الملف، أو عدم التحقيق مع المتهمين". ولفت إلى أنّ آخر إجراء له، كان في مطلع العام الحالي، قبل نحو 11 شهراً، عندما استدعى ضباطاً صغاراً برتب ملازم أول وملازم وعريف، وأعلن أنهم من ضمن المتهمين بسقوط المدينة، لكنه لم يأت على ذكر المتورطين الواردة أسماؤهم في التحقيق".
واتهم عبد الرحمن، القضاء العراقي "بالخضوع لأجندات الأحزاب السياسية، وتوافقاتهم على حساب دماء العراقيين".
وأصدرت مطلع أغسطس/آب 2015 لجنة التحقيق الخاصة بالمتورطين في سقوط مدينة الموصل عام 2014، تقريراً من 100 صفحة، أدينت بموجبة 35 شخصية بالتورط في سقوط المدينة، وتفاوتت بين إهمال وتعمد وسوء إدارة للموقف.
من أبرز هذه الأسماء: نوري المالكي، ومدير مكتبه الفريق طارق الأعرجي، ووزير دفاعه سعدون الدليمي، ورئيس أركان الجيش بابكر زيباري، وقائد العمليات المشتركة الفريق عبود قنبر، وقائد القوات البرية علي غيدان، ومدير الاستخبارات العسكرية الفريق حاتم المكصوصي، ووكيل وزارة الداخلية حينها عدنان الأسدي، فضلا عن محافظ المدينة السابق أثيل النجيفي.
ووردت في التحقيق شهادات عن ضباط بالجيش، تشير إلى أنّ نوري المالكي أمر الجيش بالانسحاب من المدينة، باتجاه قاعدة الغزلاني جنوب المدينة، والتي سقطت هي الأخرى بعد ساعات قليلة من سقوط الموصل.
وكان نائب رئيس لجنة التحقيق بسقوط الموصل شاخوان عبد الله قد صرّح في وقتٍ سابق لـ"العربي الجديد"، أنّ "القضاء العراقي غير قادر على إدانة المتهمين في الوقت الحالي".
وأضاف "عملنا طيلة أشهر طويلة في لجنة التحقيق، على جمع الأدلة والاستماع للشهود واستجواب غالبية المتهمين بطرق علمية ومهنية كبيرة، شارك فيها جميع أعضائها، كوننا نعتبر الملف قضية أخلاقية قبل كل شيء، وخرجنا بتقرير نهائي يحتوي على أسماء المتورطين".
وكشف عبد الله عن تعرض أعضاء اللجنة لـ"ضغوط كبيرة إقليمية وداخلية لحرف مسار التحقيق أو رفع أسماء بعض الشخصيات داخل ملف القضية، الا أنهم نجحوا في تجاوزها".
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي أمير علاوي لـ"العربي الجديد" إن "القانون العراقي لا يجيز تأخير النظر بالدعاوى والقضايا ذات الأبعاد الإرهابية أو الجنائية لأكثر من عشرين يوماً، كما لا يجوز وقف المرافعات بالقضايا لأكثر من ثلاثة أشهر، وما حصل بحد ذاته مخالفة قانونية ارتكبها مجلس القضاء الأعلى".
وأضاف علاوي أن "الملف يحمل 26 دليلا يدين المالكي ويثبت تورطه بسقوط الموصل بشكل مباشر وغير مباشر". ولفت إلى أن "فتح القضية والتحقيق بها قد يفتح أسرارا وحقائق كثيرة تحوم حول التنظيم الإرهابي، ومدى استفادة نظام المالكي حينها ونظام بشار الأسد وإيران منه".
كذلك، أوضح رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق القاضي رحيم العكيلي لـ"العربي الجديد" أن التكييف القانوني لجريمة تسليم نينوى إلى "داعش" دون قتال هو نص المادة (162) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، والتي تعاقب بالإعدام كل من سهل للعدو دخول البلاد أو سلمه جزءاً من أراضيها أو سلاحاً أو ذخيرة أو عتاداً أو وسيلة للمواصلات. غير أنّ سلطات إنفاذ القانون العراقية عجزت عن التعامل مع المتورطين بهذه الجريمة، التي تدخل في مفهوم جرائم الخيانة العظمى، بسبب ضعف تلك المؤسسات وتجنبها الدخول في معركة خاسرة مع النفوذ السياسي واختيارها السلامة، على حساب ما جرى للوطن والشعب من ويلات وكوارث، بحسب العكيلي.
وأوضح القاضي العراقي أن "السبب الأساسي خلف تسويف وإهمال وتجنب مساءلة الأشخاص والجهات التي تقف خلف تسليم الموصل إلى "داعش" هو ضعف سيادة القانون في العراق، وخضوع جهات إنفاذ القوانين إلى النفوذ السياسي للأحزاب والكتل السياسية الحاكمة، التي تتورط قياداتها والتابعون لها في جريمة الخيانة العظمى".