دخلت السودان اليوم السبت، مرحلة الصمت الانتخابي بعد انتهاء المهلة المحددة للحملة الانتخابية التي امتدت قرابة الشهر ونصف الشهر، وبالتزامن مع نهاية الحملة أفرجت السلطات في الخرطوم عن رئيس هيئة تحالف المعارضة فاروق أبو عيسى، ورئيس كونفدرالية منظمات المجتمع المدني أمين مكي مدني، بعفو رئاسي، بعد أن قبعا في السجن لأكثر من ثلاثة أشهر، وتمت محاكمتهما لعدة جلسات لاتهامهما بتوقيع اتفاق مع حركات مسلحة، لتصل عقوبة التهم الموجّهة إليهما إلى الإعدام.
وكان أبو عيسى ومدني وقّعا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نيابة عن تحالف المعارضة وكونفدرالية منظمات المجتمع المدني، على اتفاق "نداء السودان" مع "الجبهة الثورية" (ممثلة في الحركة الشعبية قطاع الشمال والحركات المسلحة الدارفورية)، فضلاً عن حزب "الأمة" المعارض بقيادة الصادق المهدي. وحمل الاتفاق رؤية مشتركة لتلك الأطراف في ما يتعلق بالحوار الوطني وتغيير النظام الحالي في الخرطوم، الأمر الذي أثار حفيظة الحكومة السودانية، فحركت إجراءات ضد موقّعيه بالداخل.
وواجهت الخرطوم ضغوطاً محلية وإقليمية ودولية للإفراج عن الرجلين، ووضعت قوى "تحالف السودان" في وقت سابق إطلاق أبو عيسى ومدني، كشرط للمشاركة في طاولة حوار واحدة مع الحكومة.
وعلمت "العربي الجديد" أن الوساطة الأفريقية عبّرت صراحة للسلطات السودانية عن الحرج الذي دخلت فيه بسبب اعتقال الرجلين، ولا سيما أن الوساطة هي من دعت قادة المعارضة إلى أديس أبابا لإقناعهم بالحوار، وكانت النتيجة توقيعها اتفاق "نداء السودان" مع الحركات المسلحة.
ويرى محللون أن توقيت الإفراج عن قادة المعارضة، يمثّل رسالة مزدوجة وإن كانت موجّهة للمجتمعين الدولي والاقليمي بشكل أكبر، لإبداء جدية الحكومة في قضية الحوار وبث تطمينات في هذا السياق، خصوصاً بعد الانتقادات والضغوط التي مورست على الحكومة، عقب رفضها المشاركة في المؤتمر التحضيري للحوار في أديس أبابا الذي دعت له الوساطة الأفريقية الخاصة بحل أزمات السودان، برئاسة ثامبو أمبيكي. وكان يُفترض أن يجمع المؤتمر التحضيري الحكومة والمعارضة المسلحة والسلمية على طاولة واحدة، لوضع إطار عريض لعملية الحوار الشامل والوصول لتسوية سياسية لحل الأزمة السودانية وإزالة الاحتقان السياسي في البلاد، وفقاً لمبادرة الحكومة الألمانية.
لكن مقرر هيئة الدفاع عن قادة المعارضة معز حضرة، قال لـ"العربي الجديد" إن قضية أبو عيسى ومدني لم تقم على وقائع اتهام حقيقة، لذا أدركت السلطات الحرج الذي يمكن أن تقع فيه وفضلّت إطلاق سراحهما، ولا سيما أن قرار حفظ البلاغ الصادر ينهي القضية تماماً ولا يفتح الباب أمام مجرد فتح ذلك الملف مرة أخرى.
واعتبرت قوى تحالف المعارضة في بيان لها، أن الافراج عن الرجلين تأكيد على أن القضية كيدية ولا علاقة لها بالقانون، وأكدت أن استمرار المحاكمة كان سيحوّلها لمحاكمة النظام نفسه وقياداته بسبب ضعف القضية.
لكن أمين الدائرة القانونية في "المؤتمر الوطني" الحاكم الفاضل حاج سليمان، اعتبر في الخطوة تعبيراً عن الروح الوطنية والسعي نحو الحوار والعفو عند المقدرة، مضيفاً "كان من الممكن أن تستمر إجراءات المحاكمة، كما أن الفترة التي قضياها في السجن تُعدّ في حد ذاتها عقوبة".
اقرأ أيضاً: السودان: المعارضة تعود إلى الانتفاضة لتحسين موقعها التفاوضي
في المقابل، تواجه الانتخابات السودانية، التي تنطلق الاثنين، تحديات كبيرة جراء الانتقادات اللاذعة التي تتعرض لها داخلياً وخارجياً، لا سيما في ظل مقاطعة الأحزاب المعارضة لها، فضلاً عن المطالبات الدولية والإقليمية للحكومة في الخرطوم بتأجيلها لحين اكتمال الحوار الوطني والتوافق مع القوى المختلفة على انتخابات بديلة، يشارك فيها الجميع بلا استثناء، بما فيها القوى المعارضة المسلّحة.
وأصدر الاتحاد الأوروبي بياناً شديد اللهجة قبيل عملية الاقتراع، لوّح خلاله بعدم اعترافه بنتائج الانتخابات، وأكد أنها ستتم في بيئة غير مؤاتية، الأمر الذي قرر معه الاتحاد عدم المشاركة فيها أو دعمها.
وأعرب الاتحاد عن خيبة أمل دوله لفشل السودان في إطلاق الحوار بشكل فعلي بعد مرور أكثر من عام على إعلانه، مشيراً إلى أن ذلك يمثّل انتكاسة لرفاهية الشعب السوداني، ومؤكداً أن الحكومة تفقد فرصاً من خلال عدم الاستجابة لجهود الاتحاد الأفريقي لجلب "أصحاب المصلحة" لطاولة الحوار (في إشارة للمعارضة). وقال الاتحاد إنه "بتجاوز الحوار واستبعاد بعض الجماعات المدنية وانتهاك الحقوق السياسية، فالانتخابات المقبلة لا يمكن أن تنتج نتيجة شرعية ذات مصداقية في جميع البلاد".
لكن الخرطوم ردّت على الاتحاد الأوروبي، إذ استدعت الخارجية السودانية ممثل الاتحاد الأوروبي في الخرطوم، توماس يوليشني، وسلّمته مذكرة احتجاج رداً على بيان الاتحاد.
كما انتقدت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج في بيان مشترك الانتخابات السودانية، مؤكدة أن الحوار أمر ضروري لتطوير نظام سياسي تمثيلي حقيقي في البلد، ولمواجهة قضايا الحكم الأساسية وتقاسم الموارد والشمولية السياسية والهوية الوطنية.
أما الاتحاد الأفريقي، فتجاهل تقريراً أصدره فريق فني كان أوفد من الاتحاد في مارس/آذار الماضي إلى الخرطوم لتقييم العملية الانتخابية. وأوصى التقرير بنأي الاتحاد الأفريقي عن مراقبة الانتخابات في السودان باعتبار أنها لا ترتقي إلى المعايير الأفريقية، فيما يتصل بنزاهة وشمول وحرية الانتخابات. إلا أن الاتحاد قرر إرسال بعثة مراقبة رفيعة المستوى برئاسة الرئيس النيجيري السابق ألوسانجو ابوسانجو، الأمر الذي لاقى إدانة قوية من قوى "نداء السودان" التي عبّرت عن أسفها لمنحى الاتحاد الأفريقي وتجاوزه تقرير الفريق الفني.
وقال الأمين العام لـ"الحركة الشعبية" (قطاع الشمال)، ياسر عرمان، تعليقاً على الخطوة، إنه "لا توجد انتخابات فعلية وإنما تمديد، وهي ستقود لاستمرار الحرب في السودان". وتساءل "كيف يراقب الاتحاد الأفريقي انتخابات تُجرى في ظل القمع والحروب؟"، مطالباً المدافعين عن حقوق الإنسان على مستوى العالم بإدانة خطوة الاتحاد الأفريقي، داعياً رئيس البعثة ابوسانجو لعدم التورط في مراقبة الانتخابات السودانية والنأي بنفسه عنها.
ويرى مراقبون أن تقاطعات ومصالح كبيرة قادت الاتحاد الأفريقي لاتخاذ قرار المراقبة. وأبلغ مصدر في الاتحاد "العربي الجديد" أن جدلاً كبيراً جرى حول مراقبة الانتخابات السودانية، ولا سيما أن المنظمة الإقليمية ملزمة بمراقبة انتخابات أي دولة عضو فيها، فضلاً عن رفع الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي لمطالبات المعارضة، وربطها المشاركة في قضية الحوار بالضغط على الحكومة في الخرطوم لتأجيل الانتخابات.
وذكر المصدر أن الاتحاد الأفريقي تبلّغ تأكيدات من الحكومة للشروع في الحوار بشكل عملي عقب الانتخابات، والتي شددت على ضرورتها لتأكيد شرعية الحكومة، لافتة إلى أن السلطات أبدت الاستعداد للنظر في المقترحات الخاصة بتشكيل حكومة انتقالية وبرلمان انتقالي معيّن، فضلاً عن إيجاد لجنة من جميع الأحزاب السياسية بلا استثناء، لوضع دستور دائم للبلاد، ورؤية متكاملة لإجراء انتخابات عامة عقب الفترة الانتقالية التي دفعت مقترحات بشأنها بين عامين وخمسة أعوام.
اقرأ أيضاً: "الوساطة الأفريقية" تتجاهل الحكومة وتبدأ مشاوراتها مع المعارضة السودانية