يبدو أن إدارة ملفّ الإعلام في تونس من المواضيع المستعصية، وهو من الملفات التي لاقت فيها حكومة الحبيب الصيد فشلاً، سواء كان في إطار السياسة الاتصاليّة للحكومة أو في الإدارة العمليّة للملف.
تعيينات جديدة
وفي أولى خطواتها للخروج من هذا المأزق، استبدلت الحكومة التونسيّة، المستشار الإعلامي لرئيسها، مفدي المسدي، من دون الإفصاح عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك. وتقول مصادر موثوقة لـ"العربي الجديد" إنّ "البديل لمفدي المسدي سيكون معز بن محمود، وهو إعلامي تونسي تولّى مهمة الإشراف على الإعلام والاتصال لسنوات في مؤسسة "اتصالات تونس"، وكذلك في وزارة تكنولوجيات الاتصال.
لكنّ التخلي عن المسدي لا يحلّ الإشكاليّات القائمة في سياسة التواصل لرئيس الحكومة التونسيّة، والتي تولى الإشراف عليها مدير ديوان رئيس الحكومة، الطيب اليوسفي. ووفقاً لمصادر مقربة من رئاسة الحكومة، يتذمّر الصحافيون العاملون داخل مصالح متعلقة بالرئاسة من طريقة تعامل اليوسفي مع ملف الإعلام. وقال أحد الصحافيين، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إنّ "اليوسفي يتعامل مع الملف الإعلامي بطريقة إدارية بحتة لا تتماشى وطبيعة الملف الإعلامي الذي يتطلب سرعة التحرك والتعامل المرن بعيدًا عن القوالب الإدارية التقليدية".
ويُرجع البعض ذلك إلى "طبيعة الشخص الذى عمل سابقاً مكلفًا بالإعلام مع الوزير الأول، محمد الغنوشي، في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كما عمل مديرًا لديوان رئيس الحكومة، وقد غلب عليه الجانب الإداري في التعامل مع الملف من دون إدراك لطبيعة التحولات التي شهدتها الساحة الإعلامية التونسية".
إقرأ أيضاً: الإعلام التونسي يفتح ملف المثلية الجنسية
إخفاق الصيد؟
ويرى مراقبون أنّ "السقطة الكبيرة" في التعامل مع ملف الاتصال الحكومي، ظهرت جلياً نهاية الأسبوع الماضي، عندما خصّ رئيس الحكومة التونسية، قناة "الحوار التونسي" بحوار، انفرد
به الإعلامي حمزة البلومي. وبغضّ النظر عن طبيعة الحوار، الذي بدا فيه رئيس الحكومة بعيداً كل البعد عن أبسط تقنيّات الاتصال الحديث، فإنّ منح الحوار حصرياً للقناة، أثار غضب نواب حزب "نداء تونس".
ويعود هذا الغضب لعدّة أسباب، أبرزها أنّ مقدم برنامج "اليوم الثامن" مُتّهم بفبركة تصريحات للرئيس السابق المنصف المرزوقي. وأفاد عضو الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) هشام السنوسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحقيقات أثبتت الفبركة، ما دفع الهيئة إلى معاقبة القناة والبرنامج بالإيقاف لمدة أسبوع". وبالتالي، فإنّ منح الحوار حصرياً لقناة "الحوار التونسي"، وتحديداً للإعلامي حمزة البلومي، يُعدّ رسالةً سيّئة للهايكا، ورسالةً أسوأ للرئيس السابق المرزوقي، ولحلفائه من أحزاب المعارضة، وخاصةً حزب "المؤتمر من أجل الجمهوريّة"، الذي قدّم شكوى بحق القناة والبرنامج. فهل كافأ رئيس الحكومة القناة التي فبركت تصريحات الرئيس السابق، بحوار حصري؟
الحوار هذا، أثار غضب العاملين في التلفزيون التونسي الرسمي أيضاً، وفقاً لمصادر لـ"العربي الجديد". وبحسب المصادر، يعود هذا الغضب بشكل رئيسي إلى أنّ التلفزيون الرسمي كان أول المبادرين لطلب إجراء حوار خاصّ، لكنّ مصالح الإعلام في الحكومة التونسيّة فضّلت قناة أخرى، وهو ما اعتبره العاملون "تحقيراً للمجهود الذي بذلوه لخدمة قطاع الإعلام العام".
إقرأ أيضاً: إيقاف بث برنامج "اليوم الثامن" بسبب فبركة فيديو للمرزوقي
"إطفائي" الأزمة
كُلّ هذه الأسباب عجّلت في سحب ملفّ الإعلام من مدير ديوان رئيس الحكومة، الطيب اليوسفي، حيث تمّ تكليف كمال الجندوبي بالملف. والأخير، هو وزير لدى رئيس الحكومة ويتولّى العلاقة مع الهيئات الدستوريّة والمجتمع المدني.
والجندوبي معروف بنشاطه المجتمعي، فهو عضو ورئيس لعدة جمعيات لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان منذ 2003. كما أنه يُعتبر محاورًا
ذكًيا ويتمتع بثقة أطراف عدّة في الساحة الإعلامية التونسية. ويُمكن وصف الجندوبي بـ"الوزير الإطفائي"، حيث تولّى إدارة الملفّات المستعصية والتي لم تجد الحكومة حلولا لها.
وكان من بين الملفّات التي تولّاها، الإضراب في منطقة الحوض المنجمي، والذي كلّف رئيس الحكومة خسائر يوميّة يُقدّرها بعض الخبراء بمائة مليون دينار تونسي (حوالى ستين مليون دولار أميركي).
وبينما تبدو رئاسة الجمهوريّة التونسيّة عازمة على "إعادة بثّ الحياة" في الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، والتي فقدت النصاب القانوني لها بعد استقالة خمسة أعضاء منها، أبلغت مصادر من داخل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، "العربي الجديد"، أنّه "وقع الاختيار على الإعلامية آمال الشاهد لتعوّض عن ممثلة النقابة المستقيلة من إدارة الهايكا، رشيدة النيفر، كما أنه تمّ اقتراح اسم قاضية لسد الشغور الحاصل في الهيئة، وهو ما يجعلها قادرة على مسك ملف الإعلام السمعي البصري واتخاذ القرارات اللازمة فيه".
مع كُلّ ذلك، تبدو مهمة الجندوبي صعبة والنجاح فيها غير مضمون، في ظلّ الوضع الحالي للإعلام التونسي. ولكنّ صعوبة المهمة تعود في الأساس إلى عدّة أسباب، أهمّها الاختلافات الواضحة بين النقابات الممثّلة للعاملين في القطاع الإعلامي، من النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين، والنقابة العامة للإعلام، والنقابات الممثلة لمالكي المؤسسات الإعلاميّة، ومنها جمعيّة مديري الصحف، ونقابة مديري المؤسسات الإعلاميّة. وقد تتطلّب إدارة "الصراع المعلن" بين الهايكا ونقابة مديري المؤسسات الإعلاميّة الكثير من الحنكة والصبر.
كما أنّ سيطرة بعض رجال الأعمال على بعض المؤسسات الإعلامية وتوظيفها لخدمة أجنداتها الخاصة يجعل إدارة الملف الإعلامي محفوفة بصعوبات جمّة، خاصةً في ظل تنامي الأصوات المنادية بتطهير القطاع الإعلامي من أصحاب الأموال الفاسدة الذين يعملون على السيطرة على القطاع السمعي البصري، من خلال اقتنائهم المباشر أو غير المباشر عن طريق شركات واجهة لبعض المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية. أما الصعوبة الأكبر فهي اختراق بعض الأحزاب السياسية لبعض المؤسسات الإعلامية وتوظيفها لخدمة أجنداتها السياسية. وهو ما يجعل المشهد الإعلامي التونسي، وخاصة السمعي البصري منه، مجالاً للتنافس بين الأحزاب التونسية للفوز بمساحات تأثير إضافية داخله، حتى وإن اضطرهم ذلك إلى استعمال طرق غير مشروعة أخلاقياً.
إقرأ أيضاً: فيديو توسّل صحافي تونسي لسياسي أثناء مقابلة يُثير جدلاً
تعيينات جديدة
وفي أولى خطواتها للخروج من هذا المأزق، استبدلت الحكومة التونسيّة، المستشار الإعلامي لرئيسها، مفدي المسدي، من دون الإفصاح عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك. وتقول مصادر موثوقة لـ"العربي الجديد" إنّ "البديل لمفدي المسدي سيكون معز بن محمود، وهو إعلامي تونسي تولّى مهمة الإشراف على الإعلام والاتصال لسنوات في مؤسسة "اتصالات تونس"، وكذلك في وزارة تكنولوجيات الاتصال.
لكنّ التخلي عن المسدي لا يحلّ الإشكاليّات القائمة في سياسة التواصل لرئيس الحكومة التونسيّة، والتي تولى الإشراف عليها مدير ديوان رئيس الحكومة، الطيب اليوسفي. ووفقاً لمصادر مقربة من رئاسة الحكومة، يتذمّر الصحافيون العاملون داخل مصالح متعلقة بالرئاسة من طريقة تعامل اليوسفي مع ملف الإعلام. وقال أحد الصحافيين، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إنّ "اليوسفي يتعامل مع الملف الإعلامي بطريقة إدارية بحتة لا تتماشى وطبيعة الملف الإعلامي الذي يتطلب سرعة التحرك والتعامل المرن بعيدًا عن القوالب الإدارية التقليدية".
ويُرجع البعض ذلك إلى "طبيعة الشخص الذى عمل سابقاً مكلفًا بالإعلام مع الوزير الأول، محمد الغنوشي، في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كما عمل مديرًا لديوان رئيس الحكومة، وقد غلب عليه الجانب الإداري في التعامل مع الملف من دون إدراك لطبيعة التحولات التي شهدتها الساحة الإعلامية التونسية".
إقرأ أيضاً: الإعلام التونسي يفتح ملف المثلية الجنسية
إخفاق الصيد؟
ويرى مراقبون أنّ "السقطة الكبيرة" في التعامل مع ملف الاتصال الحكومي، ظهرت جلياً نهاية الأسبوع الماضي، عندما خصّ رئيس الحكومة التونسية، قناة "الحوار التونسي" بحوار، انفرد
ويعود هذا الغضب لعدّة أسباب، أبرزها أنّ مقدم برنامج "اليوم الثامن" مُتّهم بفبركة تصريحات للرئيس السابق المنصف المرزوقي. وأفاد عضو الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) هشام السنوسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التحقيقات أثبتت الفبركة، ما دفع الهيئة إلى معاقبة القناة والبرنامج بالإيقاف لمدة أسبوع". وبالتالي، فإنّ منح الحوار حصرياً لقناة "الحوار التونسي"، وتحديداً للإعلامي حمزة البلومي، يُعدّ رسالةً سيّئة للهايكا، ورسالةً أسوأ للرئيس السابق المرزوقي، ولحلفائه من أحزاب المعارضة، وخاصةً حزب "المؤتمر من أجل الجمهوريّة"، الذي قدّم شكوى بحق القناة والبرنامج. فهل كافأ رئيس الحكومة القناة التي فبركت تصريحات الرئيس السابق، بحوار حصري؟
الحوار هذا، أثار غضب العاملين في التلفزيون التونسي الرسمي أيضاً، وفقاً لمصادر لـ"العربي الجديد". وبحسب المصادر، يعود هذا الغضب بشكل رئيسي إلى أنّ التلفزيون الرسمي كان أول المبادرين لطلب إجراء حوار خاصّ، لكنّ مصالح الإعلام في الحكومة التونسيّة فضّلت قناة أخرى، وهو ما اعتبره العاملون "تحقيراً للمجهود الذي بذلوه لخدمة قطاع الإعلام العام".
إقرأ أيضاً: إيقاف بث برنامج "اليوم الثامن" بسبب فبركة فيديو للمرزوقي
"إطفائي" الأزمة
كُلّ هذه الأسباب عجّلت في سحب ملفّ الإعلام من مدير ديوان رئيس الحكومة، الطيب اليوسفي، حيث تمّ تكليف كمال الجندوبي بالملف. والأخير، هو وزير لدى رئيس الحكومة ويتولّى العلاقة مع الهيئات الدستوريّة والمجتمع المدني.
والجندوبي معروف بنشاطه المجتمعي، فهو عضو ورئيس لعدة جمعيات لحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان منذ 2003. كما أنه يُعتبر محاورًا
وكان من بين الملفّات التي تولّاها، الإضراب في منطقة الحوض المنجمي، والذي كلّف رئيس الحكومة خسائر يوميّة يُقدّرها بعض الخبراء بمائة مليون دينار تونسي (حوالى ستين مليون دولار أميركي).
وبينما تبدو رئاسة الجمهوريّة التونسيّة عازمة على "إعادة بثّ الحياة" في الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، والتي فقدت النصاب القانوني لها بعد استقالة خمسة أعضاء منها، أبلغت مصادر من داخل النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، "العربي الجديد"، أنّه "وقع الاختيار على الإعلامية آمال الشاهد لتعوّض عن ممثلة النقابة المستقيلة من إدارة الهايكا، رشيدة النيفر، كما أنه تمّ اقتراح اسم قاضية لسد الشغور الحاصل في الهيئة، وهو ما يجعلها قادرة على مسك ملف الإعلام السمعي البصري واتخاذ القرارات اللازمة فيه".
مع كُلّ ذلك، تبدو مهمة الجندوبي صعبة والنجاح فيها غير مضمون، في ظلّ الوضع الحالي للإعلام التونسي. ولكنّ صعوبة المهمة تعود في الأساس إلى عدّة أسباب، أهمّها الاختلافات الواضحة بين النقابات الممثّلة للعاملين في القطاع الإعلامي، من النقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين، والنقابة العامة للإعلام، والنقابات الممثلة لمالكي المؤسسات الإعلاميّة، ومنها جمعيّة مديري الصحف، ونقابة مديري المؤسسات الإعلاميّة. وقد تتطلّب إدارة "الصراع المعلن" بين الهايكا ونقابة مديري المؤسسات الإعلاميّة الكثير من الحنكة والصبر.
كما أنّ سيطرة بعض رجال الأعمال على بعض المؤسسات الإعلامية وتوظيفها لخدمة أجنداتها الخاصة يجعل إدارة الملف الإعلامي محفوفة بصعوبات جمّة، خاصةً في ظل تنامي الأصوات المنادية بتطهير القطاع الإعلامي من أصحاب الأموال الفاسدة الذين يعملون على السيطرة على القطاع السمعي البصري، من خلال اقتنائهم المباشر أو غير المباشر عن طريق شركات واجهة لبعض المحطات الإذاعية والقنوات التلفزيونية. أما الصعوبة الأكبر فهي اختراق بعض الأحزاب السياسية لبعض المؤسسات الإعلامية وتوظيفها لخدمة أجنداتها السياسية. وهو ما يجعل المشهد الإعلامي التونسي، وخاصة السمعي البصري منه، مجالاً للتنافس بين الأحزاب التونسية للفوز بمساحات تأثير إضافية داخله، حتى وإن اضطرهم ذلك إلى استعمال طرق غير مشروعة أخلاقياً.
إقرأ أيضاً: فيديو توسّل صحافي تونسي لسياسي أثناء مقابلة يُثير جدلاً