تتأهب الحكومة التونسية لمواجهة صعبة، بفتح ملف الفساد الذي تفادت حكومات ما بعد الثورة التطرق إليه، رغم ما يكبده للاقتصاد العام من خسائر، تبدو الدولة في أمس الحاجة إليها.
ووعد رئيس الوزراء التونسي، يوسف الشاهد، بإطاحة رؤوس الفساد في البلاد قريباً، مؤكدا في حوار إعلامي مساء الأربعاء، أنه أعطى تعليمات لوزيري العدل والداخلية للتحرك من أجل فتح ملفات كبار الفاسدين وملاحقتهم.
وتأتي وعود الشاهد متزامنة مع فتح القضاء التونسي تحقيقا في شبهات فساد مالي تحوم حول أعضاء من البرلمان، اتهموا بتلقي رشى لتمرير قوانين تخدم مصالح رجال أعمال ونافذين آخرين في الدولة.
مطالب بفتح تحقيقات واسعة
وكانت البرلمانية، سامية عبو، عن حزب التيار الديمقراطي المعارض، قد دعت خلال جلسة
عامة بمجلس نواب الشعب يوم 16 سبتمبر/أيلول الجاري، إلى "فتح تحقيق حول الاشتباه في تلقي عدد من النواب أموالاً، مقابل تسهيل مرور مشاريع قوانين تخدم رجال أعمال"، وتلك دعوة تجاوب معها القضاء، عبر فتح تحقيق.
وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس، سفيان السليطي، إن قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي (محكمة التحقيق في الجرائم المالية)، تعهد بالتحقيق في شبهة فساد في البرلمان بعد أخذ أقوال النائبة عبّو.
وقالت عبو، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن النيابة العمومية أخذت شهادتها في ما يخص الملف، الذي أثارته بشأن تلقي عدد من زملائها في البرلمان مبالغ مالية بهدف التصويت بالموافقة على قانون يخدم مصلحة رجال أعمال.
وأضافت أنه في حال ثبوت التهمة، فإن القضاء سيطلب من البرلمان رفع الحصانة عن النواب المشتبه فيهم لإحالتهم إلى المحكمة، لافتة إلى أن تسلل الفساد والرشى للبرلمان يمكن أن يقوّض مصداقية السلطات التشريعية في البلاد.
وأوضحت عضو البرلمان أن النيابة العمومية استفسرت بشأن ما بحوزتها من إثباتات "حول ما يتم تروجيه عن تلقي رئيس كتلة حركة (نداء تونس)، سفيان طوبال، رشى وتوزيعها على نواب بعينهم من أجل ضمان موافقتهم على قوانين تخدم رجال أعمال فاسدين"، وفق تصريحها.
ولا يثق التونسيون عموماً بوعود السلطات بفتح ملفات الفساد، خاصة وأن كل رؤساء الحكومات وعدوا بإطاحة الفاسدين وذهبت وعودهم هباء، في ظل عجز فاضح للسيطرة على الفساد، الذي طاول كل أجهزة الدولة، وفق تقارير محلية ودولية.
العلاقة بالمال السياسي
وتتجنب الأحزاب الكبرى الخوض بعمق في ملفات الفساد، نظرا لعلاقته الوطيدة بالمال السياسي والعلاقة المكشوفة لهذه الأحزاب بعدد من رجال الأعمال الضالعين في الفساد.
ومثل التعاطي مع رجال الأعمال المتورطين في الفساد النقطة السوداء في سجل الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 2011، فيما تُطرح هذه المسألة بوضوح أكثر مع حكومة الشاهد، بعد دخول رجال الأعمال بصفة رسمية في المشهد السياسي.
ويعتقد عضو البرلمان، جيلاني الهمامي، أن الشاهد سيفشل في مقاومة الفساد، مشيرا إلى أن فتح هذا الملف سيؤدي إلى تضارب المصالح بين السلطة والمتنفذين في الدولة، فهو يتوقع أن تعيش البلاد فترات أحلك من الوضع الحالي في تفشي الفساد.
وقال الهمامي، في تصريح لـ "العربي الجديد": "ملف الفساد أصبح أداة لتصفية الخصومات السياسية ولا نية لفتحه خدمة لمصلحة الاقتصاد الوطني وحماية البلاد عموما".
وتشير بيانات للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى أن 3000 ملف فساد تتعلق بالمناقصات العمومية والتجاوزات الإدارية أُحيلت إلى الحكومة.
لا خيارات أمام الحكومة
ولفت الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، إلى أن الحكومة الحالية لا تمتلك خيارات كبيرة،
مؤكدا أن رئيس الوزراء مطالب بفتح ملف الفساد، في ظل مطالب متكررة من قبل المستثمرين الأجانب، بتوفير ضمانات حقيقية تحميهم من الفساد الإداري المتغلغل في أجهزة الدولة.
وقال سعيدان لـ "العربي الجديد": "تنقية مناخ الاستثمار مهم جدا لتونس في هذه الفترة. نحتاج لمن يدعم دورتنا الاقتصادية بشكل مستقر"، مشيرا إلى أن دفع الاستثمار وتحقيق الوعود التي حصدتها تونس عبر مشاركتها في المنتديات الدولية، مرتبط بجدية الدولة في الضرب على أيدي الفاسدين، خاصة وأن التصنيفات الحالية لا تزال ضعيفة ولا تغري المستثمرين بنقل مشاريعهم إلى تونس.
وسجلت تونس تراجعا بنحو 3 مراتب في تقرير منتدى دافوس العالمي حول القدرة التنافسية، مستقرة عند المستوى 97 من أصل 138 دولة شملها التقرير.
ويتزامن تراجع تونس في التصنيف العالمي حول القدرة التنافسية مع استعدادات حكومية حثيثة على إنجاح المؤتمر الدولي للاستثمار، الذي تنظمه البلاد نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي تتطلع تونس من ورائه إلى جذب موارد بقيمة 60 مليار دولار.
وسجلت الدوائر الرسمية تحايلا كبيرا على المناقصات الحكومية. وتشير بعض التقارير إلى أن الدولة خسرت نحو 18% من حجم الصفقات سنة 2014، بسبب فساد إداري، دون فتح هذا الملف، الذي يكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات بالجدية المطلوبة.
وبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الدول الأكثر فسادا لسنة 2015، سجلت تونس تراجعا في مؤشرات مدركات الفساد، إذ جاءت في المرتبة الـ 76 عالمياً.
اقــرأ أيضاً
وتأتي وعود الشاهد متزامنة مع فتح القضاء التونسي تحقيقا في شبهات فساد مالي تحوم حول أعضاء من البرلمان، اتهموا بتلقي رشى لتمرير قوانين تخدم مصالح رجال أعمال ونافذين آخرين في الدولة.
مطالب بفتح تحقيقات واسعة
وكانت البرلمانية، سامية عبو، عن حزب التيار الديمقراطي المعارض، قد دعت خلال جلسة
وقال الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس، سفيان السليطي، إن قاضي التحقيق بالقطب القضائي المالي (محكمة التحقيق في الجرائم المالية)، تعهد بالتحقيق في شبهة فساد في البرلمان بعد أخذ أقوال النائبة عبّو.
وقالت عبو، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن النيابة العمومية أخذت شهادتها في ما يخص الملف، الذي أثارته بشأن تلقي عدد من زملائها في البرلمان مبالغ مالية بهدف التصويت بالموافقة على قانون يخدم مصلحة رجال أعمال.
وأضافت أنه في حال ثبوت التهمة، فإن القضاء سيطلب من البرلمان رفع الحصانة عن النواب المشتبه فيهم لإحالتهم إلى المحكمة، لافتة إلى أن تسلل الفساد والرشى للبرلمان يمكن أن يقوّض مصداقية السلطات التشريعية في البلاد.
وأوضحت عضو البرلمان أن النيابة العمومية استفسرت بشأن ما بحوزتها من إثباتات "حول ما يتم تروجيه عن تلقي رئيس كتلة حركة (نداء تونس)، سفيان طوبال، رشى وتوزيعها على نواب بعينهم من أجل ضمان موافقتهم على قوانين تخدم رجال أعمال فاسدين"، وفق تصريحها.
ولا يثق التونسيون عموماً بوعود السلطات بفتح ملفات الفساد، خاصة وأن كل رؤساء الحكومات وعدوا بإطاحة الفاسدين وذهبت وعودهم هباء، في ظل عجز فاضح للسيطرة على الفساد، الذي طاول كل أجهزة الدولة، وفق تقارير محلية ودولية.
العلاقة بالمال السياسي
وتتجنب الأحزاب الكبرى الخوض بعمق في ملفات الفساد، نظرا لعلاقته الوطيدة بالمال السياسي والعلاقة المكشوفة لهذه الأحزاب بعدد من رجال الأعمال الضالعين في الفساد.
ومثل التعاطي مع رجال الأعمال المتورطين في الفساد النقطة السوداء في سجل الحكومات المتعاقبة بعد ثورة 2011، فيما تُطرح هذه المسألة بوضوح أكثر مع حكومة الشاهد، بعد دخول رجال الأعمال بصفة رسمية في المشهد السياسي.
ويعتقد عضو البرلمان، جيلاني الهمامي، أن الشاهد سيفشل في مقاومة الفساد، مشيرا إلى أن فتح هذا الملف سيؤدي إلى تضارب المصالح بين السلطة والمتنفذين في الدولة، فهو يتوقع أن تعيش البلاد فترات أحلك من الوضع الحالي في تفشي الفساد.
وقال الهمامي، في تصريح لـ "العربي الجديد": "ملف الفساد أصبح أداة لتصفية الخصومات السياسية ولا نية لفتحه خدمة لمصلحة الاقتصاد الوطني وحماية البلاد عموما".
وتشير بيانات للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد إلى أن 3000 ملف فساد تتعلق بالمناقصات العمومية والتجاوزات الإدارية أُحيلت إلى الحكومة.
لا خيارات أمام الحكومة
ولفت الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، إلى أن الحكومة الحالية لا تمتلك خيارات كبيرة،
وقال سعيدان لـ "العربي الجديد": "تنقية مناخ الاستثمار مهم جدا لتونس في هذه الفترة. نحتاج لمن يدعم دورتنا الاقتصادية بشكل مستقر"، مشيرا إلى أن دفع الاستثمار وتحقيق الوعود التي حصدتها تونس عبر مشاركتها في المنتديات الدولية، مرتبط بجدية الدولة في الضرب على أيدي الفاسدين، خاصة وأن التصنيفات الحالية لا تزال ضعيفة ولا تغري المستثمرين بنقل مشاريعهم إلى تونس.
وسجلت تونس تراجعا بنحو 3 مراتب في تقرير منتدى دافوس العالمي حول القدرة التنافسية، مستقرة عند المستوى 97 من أصل 138 دولة شملها التقرير.
ويتزامن تراجع تونس في التصنيف العالمي حول القدرة التنافسية مع استعدادات حكومية حثيثة على إنجاح المؤتمر الدولي للاستثمار، الذي تنظمه البلاد نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، والذي تتطلع تونس من ورائه إلى جذب موارد بقيمة 60 مليار دولار.
وسجلت الدوائر الرسمية تحايلا كبيرا على المناقصات الحكومية. وتشير بعض التقارير إلى أن الدولة خسرت نحو 18% من حجم الصفقات سنة 2014، بسبب فساد إداري، دون فتح هذا الملف، الذي يكلف ميزانية الدولة مليارات الدولارات بالجدية المطلوبة.
وبحسب تقرير منظمة الشفافية الدولية حول الدول الأكثر فسادا لسنة 2015، سجلت تونس تراجعا في مؤشرات مدركات الفساد، إذ جاءت في المرتبة الـ 76 عالمياً.