الحكومة التونسية الجديدة: حسابات سياسية تمهّد لتغييرات كبيرة

14 يونيو 2016
لكل من "النهضة" والسبسي حساباته السياسية (أمين لاندولسي/الأناضول)
+ الخط -

تتواصل المشاورات السياسية في تونس حول الحكومة الجديدة بوتيرة متسارعة، حيث تتلاحق اجتماعات الأبواب المغلقة بينما تتوالى التصريحات والمواقف بشأن تصورات شكل الحكومة ومضمونها. واللافت أن هذه التصريحات تبدو أحياناً متفقة حول تفاصيل هذه الحكومة، وتبدو أحياناً أخرى حاملة لمواقف متضاربة حول هيكلتها ومضامينها وأعضائها، وحتى رئيسها. لكن سلسلة الاجتماعات المنعقدة حتى الآن، المعلنة والسرية، تؤكد أنها لن تكون حكومة وحدة وطنية، كما هو متعارف، تحديداً لجهة جمعها أكبر عدد من الأحزاب والمنظمات.
وتشير المعطيات إلى أن الحكومة قد تقتصر على نفس الأحزاب الأربعة المشكلة للائتلاف الحاكم (نداء تونس، والنهضة، وآفاق، والاتحاد الوطني الحر) وربما يتم إثراؤها بمشاركة أحزاب أخرى، لا وزن كبيرا لها في البرلمان أو الساحة السياسية. وربما أيضاً يتم إشراك بعض الشخصيات القريبة من قوى سياسية أو منظمات وطنية.




وعلمت "العربي الجديد" أن أحزاب الائتلاف الأربعة شرعت بمناقشة إعادة هيكلة الحكومة في اجتماع أول نهاية الأسبوع الماضي، وسيتلوه اجتماع ثانٍ غداً الأربعاء. وشهد الاجتماع الأول مشاركة منظمة أرباب العمل، التي أعلنت أنها لن تشارك في الحكومة. وكان يُفترض أن يحضر أيضاً ممثلون عن الاتحاد العام التونسي للشغل، غير أنهم تغيبوا عن الاجتماع. وعلمت "العربي الجديد" أن النقابة غاضبة من سير المشاورات، وتعتبر أنها لا تتعلق بالعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأنها اختارت أحزاباً دون أخرى، وربما تقتصر على أحزاب الائتلاف نفسها. ولهذا السبب فهي تعتبر أنها ليست معنية بمشاورات كهذه، ورفضت حضور اجتماع يوم السبت الماضي، مع مستشاري الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي والأحزاب الأربعة في قصر قرطاج.

ولم يخف نائب الأمين العام للاتحاد، سامي الطاهري، موقفه من بعض التصريحات التي تصدر. وكتب على صفحته الرسمية في "فايسبوك" يتساءل "ما معنى أن ندعو إلى حكومة وحدة وطنية وأكثر من طرف في الرباعي الحاكم يريد أن تتشكل على أساس حكومة سياسية بامتياز، تقودها شخصيات سياسية، وتترجم إرادة الشعب التي عبّر عنها في صناديق الاقتراع". وأضاف "هذا يعبّر إما عن عدم فهم لفكرة الوحدة الوطنية أو هو تطويع للفكرة على القياس"، قبل أن يعتبر أن ما يجري هو "في كل الأحوال نوع من الحكم على المبادرة بالفشل".
قد يكون كلام الطاهري موجهاً بالأساس إلى حركة النهضة، التي غيّرت استراتيجيتها الحكومية جذرياً، وانتهى اجتماع مجلس شورى الحركة نهاية الأسبوع الماضي بسلسلة من المواقف الجديدة التي جاءت على لسان زعيمها راشد الغنوشي، ورئيس مجلس الشورى الجديد عبد الكريم الهاروني. وإذا كان الغنوشي قد اكتفى بالإشارة إلى أن "الوضع الطبيعي يستوجب أن تكون الحركة ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية بحسب حجمها الانتخابي"، فإن تصريحات الهاروني كانت أكثر وضوحاً ودقة. ولفت الهاروني، على غرار الغنوشي، إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الوزن السياسي لحركة النهضة في تركيبة هذه الحكومة، لكنه شدّد أيضاً على أنها الحزب الأول في البرلمان، ملمحاً إلا أنها لن تقبل بأقل من ذلك. وأضاف الهاروني أنهم كانوا يتوقعون مجرد تحسينات وتغييرات على حكومة الصيد، مع الإبقاء عليه، لكن الأمر الآن يتعلق بحكومة جديدة ورئيس جديد، وهو ما ستبحثه الحركة في الأيام المقبلة وتعلن عن موقفها منه في الوقت المناسب. وقال الهاروني إن بعض الأحزاب التي لا تحتل المرتبة الأولى في البرلمان بصدد تقديم مقترحاتها حول اسم رئيس الحكومة، لكن "النهضة" لم تفعل لأنها تؤمن بالوفاق وبفكرة الوحدة الوطنية.
ويبدو موقف الحركة الجديد، إذا أصرت عليه إلى نهاية المفاوضات، مربكاً للمفاوضات برمتها، وقد يمهد لتغييرات هامة في المشهد السياسي كاملاً. موقف الهاروني وكذلك الغنوشي، لم يكن موقفاً شخصياً، وإنما جاء إثر انتهاء مجلس الشورى الجديد بتوازناته الجديدة التي أفرزها مؤتمر النهضة"، وهو ما يعني أنه الموقف الرسمي للحركة الذي أصبح لا يخجل من الإعلان أنه الحزب الأول في البرلمان، وأن زمن المشاركة في الحكومة بوزير واحد من أجل "استمرار التوازن" قد ولّى، ولا بد من إعادة التقسيم وفق التوازنات الحالية.

ويبدو موقف حركة النهضة مناقضاً بشكل جذري لمواقف حليفها حزب نداء تونس، الذي لم يردّ إلى حد الآن على هذه المواقف الجديدة، لكن الرئيس التونسي قد يكون أنصت جيداً لحليفته (النهضة) التي تطالب بحضور لائق بوزنها السياسي والشعبي، وهو الأمر الذي عاينه السبسي بنفسه في افتتاح مؤتمر الحركة أخيراً. ويجعل هذا الأمر السبسي أمام خيارات محدودة، إما يقبل بالوضع الجديد، أو يرفض وهو الأرجح، مع ما يعنيه هذا الأمر من تغيير التحالفات بشكل جذري.
ويبقى التساؤل عمّا إذا ما كانت "النهضة" شعرت من مبادرة حكومة الوحدة الوطنية التي أطلقها السبسي، ولم تستشر حولها، بوجود نوايا غير سليمة تجاهها، وقامت بخطوات استباقية تصعيدية لا تدفعها إلى الخروج من الباب الصغير بل تخرج بمحض إرادتها لأنها تطالب بحق يعكسه التمثيل البرلماني، أو أن الحركة ترفع من سقف المطالب لتحسين شروط التفاوض وعدم الاكتفاء بدور "المشارك اللطيف"، الذي ترفضه قواعدها منذ بداية التحالف مع "النداء".
في موازاة ذلك، لم تتوضح مواقف أحزاب المعارضة بشكل كامل حول هذه المبادرة التي قبلتها مبدئياً لرفع الحرج السياسي الذي "ورّطها" السبسي فيه، لكنها بقيت مرتبكة إزاء المبادرة، وتعمل حالياً على صياغة موقف أكثر وضوحاً.
وأعلنت أهم الأحزاب المعارضة، الجبهة الشعبية والحزب الجمهوري والمسار وحركة الشعب، أنها بصدد "شرح موقفها من الأزمة التي تعيشها البلاد ومقترحاتها لتجاوزها، بالإضافة إلى موقفها من مبادرة رئيس الجمهورية الداعية لتكوين حكومة وحدة وطنية". يُضاف إلى ذلك تكوين فريق خبراء يضم كفاءات من مختلف الأحزاب لصياغة ورقة عمل مشتركة تتضمن الإجراءات العاجلة لتنفيذ الأولويات المتفق عليها من أجل إنقاذ البلاد.
ويبدو هذا التحرك شبيهاً بموقف الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي أعلن عن برنامجه للإنقاذ، دون المشاركة في الحكومة، غير أن المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" تؤكد أن هذه الأحزاب بصدد التنسيق المحكم، حتى لا يتم شق صفوفها.

المساهمون