الحصان البوركيني الأسود.. اسم على مسمى في منافسات "الكان"

29 يناير 2017
بوركينا فاسو تفوقت على تونس تكتيكياً (Getty)
+ الخط -
لقد خسرنا قبل أن نلعب، ويتحمل هنري كاسبرزاك النتيجة بمفرده، هكذا كانت تعليقات الجمهور التونسي بعد الخروج المفاجئ من الأدوار الإقصائية، ومع التسليم بسوء الإدارة الفنية لنسور قرطاج خلال المباراة، إلا أن منافسهم في المقابل قدم لقاء لا ينسى من البداية حتى صافرة الحكم، لتعلن بوركينا فاسو رسمياً وجودها ضمن الأربعة الكبار في القارة.


برتغالي آخر
ينتشر المدربون البرتغاليون في كل الملاعب، في أوروبا وأميركا اللاتينية وأخيرا أفريقيا، فبعد السجل التاريخي لمانويل جوزيه مع الأهلي المصري، انطلق باولو دوارتي آملا في مشوار مميز داخل أورقة القارة السمراء، من خلال تدريب منتخبات الغابون وبوركينا فاسو، مع تجربة قصيرة في تونس رفقة الصفاقسي، ليقدم نفسه بشكل مثالي هذه المرة في النسخة الحالية من الكان، بعد قيادته الخيول للدور نصف النهائي.


دوارتي من الجيل المتيم بجوزيه مورينيو، حصل على فرصته الأولى في عز تألق الرجل الخاص خلال عام 2006 بالبرتغال، لكنه هاجر سريعا إلى أفريقيا، ليساهم في الطفرة الكروية التي بدأت في بوركينا بداية من سنة 2008. ويتميز البرتغالي الشاب بالشخصية الواقعية داخل الملعب، بإغلاق مناطقه الدفاعية جيدا ومن ثم ضرب منافسيه بالمرتدات السريعة، لعبة ثم أخرى ووصولا إلى المرمى بأقل عدد ممكن من التمريرات.


كمعظم المدربين في بلاده، انتهج دوارتي سريعا رسم 4-2-3-1، من خلال غلق المنطقة أسفل دائرة المنتصف بثنائي محوري يدافع أكثر ما يهاجم، والتركيز هجوميا على جناحين بينهما صانع لعب حديث في المركز 10، مع مهاجم متحرك لا يقف فقط داخل المنطقة، بقدر تحركاته المستمرة أملا في سحب دفاع الخصم، من أجل فتح الطريق أمام القادمين من الخلف، إنها أفكار باولو جورجي ريبيلو التي طبقها حرفيا مع بوركينا في بطولة 2017.


سرعة الخيول
بوركينا فاسو فريق جماعي بامتياز، يدافع ويهاجم كوحدة واحدة، يستحق بقوة الحفاظ على لقبه كحصان جامح في أفريقيا، بعد خروجه من الدور التمهيدي خلال النسخة السابقة. فالخيول السريعة لعبت بسياسة النفس الطويل، أن تبدأ المباريات بنسق بطيء قبل أن تقلب الطاولة على منافسيها، عن طريق استغلال الضربات الثابتة واستخدام لعبة التحولات بشكل مثالي، خصوصا أن معظم فرق البطولة تهاجم من دون حساب عندما ترغب في التسجيل.


يتحمل الخبير كاسبرزاك جزء رئيسياً من خسارة تونس في ربع النهائي، عندما وضع المدافع عبد النور على اليسار وأبعد علي معلول عن التشكيلة الأساسية، ليفقد النسور توازنهم دفاعيا وهجوميا، وكأن الخط الدفاعي الأخير عبارة عن مزيج متنافر بين رباعي وثلاثي الدفاع، مما جعل الخصم البوركيني يركز على ضرب الجبهة اليسرى، باعتماد دوارتي على المهاجم ناكولما والجناح بيرتراند تراوري، مما جعل عبد النور وحيدا مع ضعفه وبطء حركته، وعدم عودة المساكني للدعم الدفاعي.


ومع قوة تونس في ثنائية المحور بقيادة بن عمر وساسي، عرف المدرب البرتغالي من أين تؤكل الكتف أمام هذا الثنائي المهاري، عندما أعاد صانع لعبه بضع خطوات للخلف، عبد الرزاق تراوري لاعب وسط ثالث أكثر منه صانعا هجوميا، لذلك استحوذ البوركينيون على المنتصف في الشوط الثاني، بسبب اللعب بثلاثة ضد اثنين، ونتيجة خروج وهبي الخزري ليعلن التونسيون عودتهم الإجبارية إلى الدفاع، ويفقدون المصدر الرئيسي لقوتهم، الخاص باللعب الهجومي والتمريرات القصيرة من جانب إلى آخر.


الدفاع المنظم
كوليبالي وكونيه ودايو وستيف ياغو، رباعي الدفاع الذي لا يتقدم كثيرا إلى الأمام، يلعب على طريقة رد الفعل، من خلال حماية المرمى على الأرض وفي الهواء، مع البقاء باستمرار في نصف ملعبه دون المغامرة الهجومية، ويعطي هذا التمركز الدفاعي مزيدا من الحرية للأجنحة في العمق وعلى الأطراف، بسبب وجود حماية كاملة أثناء التحولات إلى الخلف.


يقول المدرب عن هذا الحائط الخلفي، "نحن نتدرب باستمرار على تقسيم الملعب إلى نصفين، نصف هجومي وآخر دفاعي، ونركز دائما على وضع 6 لاعبين دفعة واحدة في وبين خطوط الارتكاز والدفاع، حتى نخنق الخصم بتقليل الفراغات قدر المتاح، ومحاولة قطع الكرة قبل المرور إلى المنطقة المحرمة، منطقة الجزاء".


يُعرف الفريق البوركيني بالهدوء الشديد، لذلك لا يتسرع حينما يتأخر في النتيجة، كذلك يعرف كيف يدير المباريات الصعبة وكأنه فريق متمرس وخبير، وبالتالي نجح في العودة أمام الكاميرون، وامتص حماس الفريق الغابوني صاحب الأرض، ثم هزم المنتخب التونسي في آخر نصف ساعة، كل هذه النتائج أتت بالدفاع المنظم الذي يحمي شباكه جيدا.


فريق اللا نجم
استفاد دوارتي من لياقة لاعبيه جيدا، وتركزت أفكاره على هذا العامل الإيجابي، لذلك أبعد نجم الفريق الأول آلان تراوري عن الخانة الأساسية، وتحول من 4-2-3-1 إلى 4-3-3 بإشراك ثلاثي صريح في الوسط، كابوري رفقة الثنائي تراوري، وبعد أن ضمن خروج تونس من المباراة في آخر نصف ساعة، انتقل بخفة وذكاء إلى المرحلة الثانية من الخطة، بالتركيز على الضربات الثابتة والركض بالكرة ومن دونها.


لذلك أشرك لاعبه أريستيد بانسيه، المميز جدا في التسديد من أي مسافة، ليحصل على ما يستحق ويكافئ البديل مدربه بهدف رائع من كرة أرضية قوية، ثم سجل ناكولما هدف التأكيد في الوقت القاتل. وكانت كلمات دوارتي بعد المباراة معبرة بشدة عن طبيعة المنتخب الذي يدربه بعد قوله إن الانتصار يُحسب لجميع أفراد المجموعة، لا نجم بعينه أو لاعب معروف، إنها الجماعية التي أوجدها الرجل البرتغالي منذ أول مباراة له بالبطولة.


خلال ساعات سوف نعرف الفائز من مواجهة مصر والمغرب، وخرجت بعض الأصوات سريعا لتؤكد سهولة مسيرة الممثل العربي الفائز خلال هذه القمة، لكن ما قدمه منتخب بوركينا ضد تونس يؤكد أنه لن يكون لقمة سائغة أمام فارس الشمال الأفريقي المنتظر، مع هذا المدرب الماكر وهذه الكوكبة من الأسماء المميزة فنيا وبدنيا، في بطولة تصعد إلى القمة بسرعة الصاروخ.

المساهمون