الحسن واتارا: تكنوقراط شق طريقه بنجاح في عالم السياسة

28 أكتوبر 2015
الحسن وتارا (يسار) (getty)
+ الخط -
يقول عنه أنصاره إنه يشكّل نقطة التقاطع المثلى بين عالمي الاقتصاد والسياسة، وإنّ تكوينه الأكاديمي وخبراته الدولية فتحا أمامه أبواب القصر الرئاسي في ياموسوكرو عاصمة ساحل العاج (كوت ديفوار) على مصراعيها.. ذاك هو الحسن واتارا، الرئيس "الإيفواري" المنتهية ولايته، والذي فاز منذ الدور الأوّل، بالسباق الرئاسي الذي جرى، الأحد الماضي، إثر حصوله على أكثر من 83 في المائة من الأصوات الانتخابية، بحسب نتائج رسمية أعلنت صباح اليوم الأربعاء، وفقاً لوكالة الأناضول.

قناعة شبه راسخة تلك التي خلفها إعادة انتخاب واتارا لدى قسم واسع من المتابعين لشأن ساحل العاج، أنّ هذا النجاح السياسي الجديد يبرهن على أنّ ذلك الخبير الاقتصادي استطاع أن يوظّف عالم الأرقام ليصنع مسيرة سياسية من رحم الخبرة الاقتصادية.

ولد واتارا في 1942 في مدنية "ديمبوكرو" وسط كوت ديفوار. وعند بلوغه الـ 20 من عمره، حصل على شهادة الباكالوريا من واغادوغو عاصمة "فولتا العليا" (بوركينا فاسو حالياً). ثم، وبفضل حصوله على منحة أميركية، تابع دراسته في الولايات المتحدة، حيث حصل، في 1967، على شهادة الماجستير في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا، ليلتحق، سنة إثر ذلك، بصندوق النقد الدولي في واشنطن.

خطواته الأولى صلب المؤسسة المالية العالمية كانت بالتوازي مع دراسته، ليحصل، في 1972، على شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية. تولى، بعد ذلك، منصب ممثل كوت ديفوار في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا في باريس من 1973 حتى 1975، ثم اختير مستشاراً خاصاً لمحافظ البنك ومديراً للبحوث من فبراير/ شباط 1975 إلى نوفمبر/تشرين الأول 1982، ثم نائباً لمحافظ البنك من يناير/كانون الثاني 1983 إلى أكتوبر/تشرين الأول عام 1984.

اقرأ أيضاً: رئيس ساحل العاج يتمسك بإجراء الانتخابات العام المقبل 

تقلّد إثر ذلك، وإلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 1988، منصب مدير قسم أفريقيا في صندوق النقد الدولي، وفي مايو/أيار 1987، أضيف إليه منصب مستشار العضو المنتدب في صندوق النقد الدولي، قبل أن يعين محافظاً للبنك المركزي لدول غرب أفريقيا.

مستوى عال من الكفاءة والخبرة الدولية في المجال الاقتصادي رشّحته لأن يكون الشخصية التي استدعاها الرئيس المؤسس لكوت ديفوار، فيليكس هوفوت بوانييه، أواخر حكمه، لتنفيذ إصلاحات اقتصادية لمواجهة الأزمة التي هزت البلاد في ذلك الحين، وعينه، انطلاقاً من نوفمبر/تشرين الثاني 1990، رئيساً لوزرائه، وهي الوظيفة التي بقي فيها واتارا حتى وفاة بوانييه في 1993.

في 30 يوليو/تموز 1999، وعقب 5 سنوات قضاها في صندوق النقد الدولي، عاد الحسن واتارا إلى كوت ديفوار، ليتم انتخابه رئيساً لـ "تجمّع الجمهوريين"، الحزب الوسطي الذي تأسس قبل 5 سنوات، قبل أن يعلن رسمياً ترشحه لانتخابات الرئاسة في أكتوبر/تشرين الأول 2000. غير أنّ جذوره "المشكوك فيها"، بحسب المحكمة العليا في ساحل العاج، أقصته للمرة الثالثة من السباق الرئاسي.

التطلّع إلى خوض السباق لنيل أعلى منصب في البلاد لم يتفتّت في أعماق رجل يدرك جيداً قيمة الصبر والمثابرة لنيل الغايات. عزيمة حديدية لشخصية لطالما شبّهها أنصارها بـ "الصخرة" الثابتة في وجه الرياح والمحن، وقال عنها الرئيس المؤسس لكوت ديفوار، في أحد لقاءاته المتلفزة في 1990، إن الحسن يتحدر من سلالة واتارا العريقة، وهو من أحفاد الإمبراطور سيكو واتارا مؤسس مملكة الكونغ التي امتدت من سيكاسو في بوركينا فاسو وصولاً إلى غانا.. إنه من ألمع كوادرنا".

"لماذا يقال إنه ليس إيفوارياً؟ لا تستمعوا إلى المعارضة" هكذا حذّر، آنذاك فيليكس هوفوت بوانييه، على خلفية الجدل المندلع حول الجذور البوركينية لرئيس وزرائه. تحذير لم يلق صدى يذكر بما أن واتارا منع، للسبب ذاته، من الترشح لانتخابات 2000، والتي انتهت بفوز خصمه لوران غباغبو، ودخلت البلاد بعدها في أتون حرب أهلية استدعت تدخلاً دولياً.

في 2010، شارك واتارا في الانتخابات الرئاسية، مدعوماً بحكم قضائي، ليجد نفسه في مواجهة غباغبو في جولة "الإعادة". وهنا، تغيرت موازين القوى لفائدة واتارا، والذي تقدّم على منافسه ضمن نتائج أولية اعتبرها المجلس الدستوري "باطلة"، معلناً فوز لوران غباغبو، غير أن الأخير رفض القبول بالنتيجة، فكان أن اندلعت أحداث عنف دامية تحولت إلى حرب أهلية قضى خلالها أكثر من 3 آلاف شخص، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

مهمة واتارا في إدارة بلد كبّلته مرارة العنف والحروب الأهلية لم تكن يسيرة بالمرة، غير أنه أدرك أنّ المصالحة بين الإيفواريين هي طريقه الأوحد لنيل ثقة شعبه.. توجّه سينال، فيما بعد، تأييداً دولياً، بحسب الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، بما أنّ "الرجال الأقوياء فقط هم من يمدّون أياديهم" للمصالحة، على حدّ تعبير الأخير.

رجل تمكّن من تطويع خبرته الاقتصادية لسبر أغوار عالم السياسة الوعر ولتحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية في فترة رئاسته الأولى.. هكذا يقول أنصاره، لكن المعارضة الراديكالية في ساحل العاج لا تتبنى الموقف ذاته، متّهمة واتارا بـ "الحكم في استبداد مغلّف بلغة الوحدة والانفتاح"، وإنه يعتمد سياسة تصفية الخصوم، تماماً مثلما فعل مع غباغبو "حين سلّمه إلى المحكمة الجنائية الدولية للتخلّص منه" وتنحيته.

ويقبع الرئيس السابق في سجن مدينة لاهاي بهولندا، مقرّ المحكمة الجنائية الدولية، على خلفية اتهامه بـ"ارتكاب جرائم ضد الإنسانية" خلال أزمة ما بعد انتخابات 2010.

اقرأ أيضاً: الحسن وتارا في فرنسا: علاقة المصالح المتبادلة

دلالات
المساهمون