وصل زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، اليوم الأحد، إلى بيروت، للمشاركة في الذكرى الـ 11 لاغتيال والده الرئيس رفيق الحريري (14 فبراير/شباط 2005)، ومن المفترض أن يلقي الحريري كلمة في المناسبة خلال مهرجان ينظمه التيار، بعد ظهر اليوم.
وهذه الزيارة هي الثالثة للحريري، منذ أن غادر لبنان لأسباب أمنية، كما يقول المقربون منه، بعد إقالة حكومته باستقالة وزراء 8 آذار منها، خلال لقاء الحريري بالرئيس الأميركي باراك أوباما. إذ جاءت الزيارة الأولى للحريري إلى بيروت في أغسطس/آب 2014، بعد احتلال مسلحين من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بلدة عرسال اللبنانيّة لأيام، ثم حضر الحريري مرة ثانية في فبراير/شباط العام الماضي، لاستذكار ذكرى اغتيال والده.
وأبلغ مقربون من الحريري "العربي الجديد"، أنه سيبقى في لبنان عدة أسابيع، "وربما شهراً"، وحددوا أولويته، بإعادة تنظيم وضع تيار المستقبل، الذي تعرّض لأزمات داخليّة متلاحقة. وأكّد هؤلاء على أن عودة الحريري، ستليها انفراجة في الوضع المالي له، إذ ستدفع رواتب الشهر الحالي للعاملين في مؤسساته، كما ستدفع مبالغ متراكمة لهم، عن الأشهر السابقة. وقد دفعت بالفعل رواتب العاملين في الامن قبل عودته.
ويُعد العامل المالي أساسياً في عودة الحريري إلى بيروت، إذ لطالما، ربط المقربون منه العودة بحلحلة الأمور المالية، "هل يُمكن أن تتخيّل تظاهرة لموظفي إحدى المؤسسات أمام مقره وهو في بيروت لمطالبته بدفع الرواتب؟"، كما كرّر أحد المسؤولين في تيار المستقبل دوماً.
اقرأ أيضاً: ذكرى اغتيال الحريري في لبنان...14 شباط بلا 14 آذار
ويُعاني تيار المستقبل من أزمات عدة. الأزمة الأبرز، هي ثقة الجمهور به، واتهامه بالتراجع أمام حزب الله، وعدم القدرة على حماية مصالحهم، ويلوم هؤلاء تيار المستقبل، على حواره "غير المجدي" مع حزب الله. وتحضر دائماً صور في وعي هذا الجمهور، مثل استقبال وزير الداخلية نهاد المشنوق، مسؤول لجنة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا، على طاولة اجتماع قادة الأجهزة الأمنية. ويُضاف لها، عدم القدرة على مواجهة "سرايا المقاومة" التابعة لحزب الله. وجاء ترشيح رئيس تيار المردة النائب، سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهوريّة، وهو من أصدقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، ليزيد من أزمات الحريري الابن.
كما يُعاني التيار من أزمة علاقة وثقة بين مسؤوليه وكادره الأساسي، والأمر عينه موجود في كتلة المستقبل النيابيّة والوزارية. وجاء الخلاف العلني بين الحريري ووزير العدل، أشرف ريفي، ليكشف الأمور ويجعلها أكثر حدّة، خصوصاً وأن العديد من نواب المستقبل يختلفون مع إدارة الحريري للأمور، وقد تُرجم الأمر سابقاً باستقالة النائب، خالد الضاهر، من الكتلة النيابية.
وتأتي هذه الأزمات، وعودة الحريري على أبواب الانتخابات البلدية، التي يُفترض أن تجري هذا الربيع. وتُعد هذه الانتخابات، إذا حصلت، امتحاناً للقوى السياسيّة اللبنانيّة وشعبيتها، خصوصاً وأن الانتخابات النيابيّة لم تجرِ، وجرى تمديد ولاية المجلس النيابي.
ويواجه الحريري، أيضاً، مشكلة العلاقة المتوترة، مع حزب "القوات اللبنانيّة". ويُمكن القول، إن هناك أزمة ثقة حقيقة بين الحريري ورئيس القوات سمير جعجع. وهذا الأمر يترك الحريري بلا حليف قوي وثيق، خصوصاً وأن الحزب التقدمي الاشتراكي سبق وانسحب من فريق 14 آذار، ليؤسس فريقاً وسطياً في البلاد.
اقرأ أيضاً لبنان: دعوات لبناء الدولة في ذكرى اغتيال الحريري
كما يعاني الحريري من علاقة متوترة مع التيارات الإسلاميّة التي تماهت مع فريقه السياسي منذ تركه الحكومة، إلى أن اتهمته بأنه تخلّى عنها لصالح العلاقة مع حزب الله.
ويعود الحريري في ظلّ فراغٍ رئاسي مستمر منذ مايو/أيار 2014، ولا يبدو أن هناك أفقاً لانتهائه قريباً، وقد استطاع الفريق المعطّل استيعاب مبادرة الحريري في ترشيح فرنجية، وتذويب زخمها تدريجياً والعودة إلى حالة الجمود الرئاسي. وينعكس الفراغ الرئاسي تعطيلاً وتعقيداً لعمل حكومة الرئيس تمام سلام.
كما أن عودة الحريري جاءت في ظلّ وضع إقليمي متوتر جداً، خصوصاً مع السعي الإيراني والنظام السوري والمليشيات الطائفية بدعم من الطيران الروسي، لحسم المعركة عسكرياً في الشمال السوري، والسيطرة على الحدود التركية ــ السورية، لقطع شرايين الإمداد العسكري عن المعارضة. وهو ما قابله تهديد سعودي ــ تركي، بالدخول براً إلى الشمال السوري.
ولطالما لعب الحريري دوراً رئيسياً في مواجهة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في القضايا الإقليمية، تحديداً الملف السوري وتهجّم نصر الله على السعوديّة. إذاً، تأتي عودة الحريري في ظلّ تحديات كبيرة، ومن المتوقع أن يرسم في خطابه اليوم، الخطوط العريضة لكيفية تعامله مع هذه التحديات.
اقرأ أيضاً سجال الحريري وريفي: انقسامات ولامركزية في تيار "المستقبل"