الحريات الفردية والعين الحارسة

15 سبتمبر 2019
+ الخط -
في الوقت الذي ننتظر فيه تعرية المفسدين ومسحاً مجهرياً لعنق رحم الفساد، نفاجأ بأننا لم نبرح بعد متاهة الفصل بين الحرية والفوضى، مطبّات مجانية وباسم الحق والقانون، هذا الأخير الذي يضمن في عدد من الفصول والمواد ويتكفل رعاية الحريّات الفردية للمواطنين.

هذه الحريّات التي ما هي إلا بعض حقوق من المفروض أن يتمتع بها الفرد ويمارسها بشكل طبيعي - من المفروض - كما أنها حقوق أصيلة وأساسية في الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى حرمة الإنسان وحفظ كرامته وتكريمه وصون الأعراض كصيانة الأنفس والأموال والدعوة إلى المودة والرحمة بين الناس.

لكن هناك عيناً حارسة تأبى إلا أن ترافقنا حماية وخوفاً من أن نقع في المحظور، كانت فيما مضى خَفيّة واليوم صرنا نستشعرها ذبذبات تلفّنا حدّ الاختناق، تتلقفنا بسرعة الطّرْف، نستشعرها في جلساتنا، أفكارنا، تحشر أنفها في مخططاتنا المستقبلية، داخل حماماتنا، في ملابسنا الداخلية حتّى، عراة أمامها تماماً، تقيس نبضنا باستمرار للتأكد من استقرار الضغط، تراقب دقات القلب لاستباق سكتة مفاجئة، تقدر مقياس الهواء الذي علينا تنفسه خوفاً من أن نقضيَ من جرعة زائدة، لا تدع شيئاً للصدفة أبداً.

عين ترجيناها على لصوص الوطن ومجهضي تقدّمه تفحص جيوب ناهبي المال العام وتكشف عورات الخونة، لو أنها تتربص بمن يدُسون السم بأحشاء الوطن، أن تقدم أرقاماً عن الإجهاض المتكرر لآمال المقهورين وتبحث في أسباب عطل النور داخل بطن الوطن.

صحيح أن التشهير الأخلاقي ضربة موجعة للبعض ويترك ندوباً لا محالة، خاصة في مجتمع يتقوى من ضعف الآخر، بنياته الفكرية هشّة، سجين الأحكام المسبقة والفهم السطحي لما يدور حوله، وهنا يطرح التساؤل الحقيقي عن دور المثقف الذي قلّما نجده في موقعه حينما يطلب منه ذلك، وينشغل إن انشغل في الكتابة عن تأثير مناخ زحل على القصيدة العربية بينما تمثل مواقف كهذه معتركاً فكرياً حقيقياً يستدعي منه بالضرورة المساهمة في التأطير والمناقشة درءاً لأولئك الذين بدل أن يجاروك في النقاش العقلاني يتهمونك بالبحث عن إفساد المجتمع.
دلالات