سنوات من الحروب لم ترحم العديد من المدن الليبية، وكان للشباب حضور كبير فيها لم يقتصر على مشاركتهم في القتال، بل امتد إلى وقوع ضحايا كثيرين في صفوفهم، وهي خسارة فادحة لما لها من آثار حالية ولاحقة
يقدّر الباحث الاجتماعي عياد الرقعي أعداد قتلى حروب السنوات الثماني الماضية، في ليبيا، وصولاً إلى الحرب التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر منذ الرابع من إبريل/ نيسان الماضي على طرابلس بنحو 3 في المائة من عدد السكان. ويقول لـ "العربي الجديد" إن النسبة تقديرية، وكل الجهات الحكومية على الرغم من وجود وزارات معنية بالأمر لا تعلن عن خسائرها، وآخرها الحرب القائمة في جنوب طرابلس. ويوضح: "اعتمدت على سلطات محلية. مثلاً في مصراته، أعلن عن مقتل 700 في حرب البنيان المرصوص ضد تنظيم داعش في سرت، ومثلها في حرب فجر ليبيا وفي عملياتها في الجنوب ضمن القوة الثالثة"، مضيفاً أنه "اعتماداً على وثائق مسربة عن قتلى حروب حفتر في بنغازي ودرنة، فالأرقام تقارب 5000 قتيل". يتابع: "كل الأرقام تقديرية وهناك حروب أخرى لم يعلن عن خسائرها البشرية. كما أن آخر إحصاءات رسمية لسكان ليبيا كان في عام 2010".
ويؤكد متحف شهداء ليبيا في مدينة مصراته الأرقام، من خلال صور قتلى الحروب. يقول مدير المتحف رمضان الضلعة إن المعروض منها 6 آلاف صورة. يضيف لـ "العربي الجديد" إن مقراً جديداً للمتحف سيعرض أكثر من ذلك بكثير، مؤكداً أن الرقم قد يصل إلى 8 آلاف صورة. لكن المعرض بكل تأكيد لن ينشر صور قتلى حروب حفتر. بالتالي، فالتقديرات تشير إلى سقوط نحو 5000 في بنغازي، ودرنة قد تلامس رقماً قريباً.
وبحسب مصلحة الإحصاء والتعداد الليبية، فإن نسبة الشباب في تعداد سكان البلاد في عام 2006 وصلت إلى 65%، لكنها تغيرت من دون أدنى شك. وعلى الصعيد الرسمي، سعت حكومة الوفاق إلى حل المليشيات المختلفة التي تسيطر على القرار في العاصمة والمدن الكبيرة، ودمج مقاتليها الشباب في برامج تنموية مختلفة. لكن إعلان حفتر الحرب على طرابلس في إبريل/ نيسان الماضي، أجبرها على التراجع عن قراراتها ومطالبة كل شاب قادر على حمل السلاح بالدفاع عن العاصمة. وتقدّر المليشيات التي تسيطر على طرابلس ومدن غرب البلاد بأكثر من 20 مليشيا كبيرة وعشرات المليشيات الأخرى، في مقابل أكثر من 28 وحدة مقاتلة تابعة لحفتر تتخذ مسميات عسكرية رسمية، مثل الألوية والكتائب والأفواج العسكرية والكتائب المساندة.
ولا تخفي قيادة قوات حفتر تجنيدها للشباب في حروبها، إذ إن إعلانات القبول للتدريب في وحداتها العسكرية لم تتوقف. وحتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي، فتحت كلية توكره في بنغازي أبوابها لقبول الشباب ما دون سن العشرين للتدريب العسكري.
وفي متابعتهم لجبهات القتال جنوب طرابلس، عرض ناشطون عشرات الصور لمقاتلين من الطرفين، سواء من جانب حفتر أو حكومة الوفاق، وهي لشباب ما دون سن العشرين عاماً. كذلك، نشرت الغرفة الرئيسية لقوات الحكومة فيديوهات تظهر أكثر من 120 مقاتلاً أسروا علماً أنهم لم يبلغوا الـ 14 من العمر.
وبحسب دراسة أعدها المجلس الوطني الليبي للتطوير الاقتصادي والاجتماعي مطلع العام الجاري، فإن 20 في المائة من الليبيين يحملون السلاح لعدم إحساسهم بالأمان، ويشكل الشباب ما يزيد عن 70 في المائة من هذه النسبة. ويؤكد المجلس أن نحو 53 في المائة من الشباب (ما بين 19 و34 عاماً) يشجعون الاستقرار على حساب الديمقراطية، لافتاً إلى أن 28 في المائة فقط من الشباب شاركوا في انتخابات عام 2014، وهذه آخر انتخابات في ليبيا.
ويؤكد المجلس أن نسب البطالة التي وصلت إلى 41 في المائة بين الشباب هي السبب الرئيسي لهذا الاتجاه، الأمر الذي توافق عليه أستاذة علم الاجتماع أميمة الخماس، لكنها تلفت الانتباه إلى أسباب أخرى تتعلق بالإرث التاريخي والمناطقي.
وتقول إن "آلة إعلام حفتر لعبت على وتر الجهوية بعد انكسار حملتها على طرابلس، وبدأت في الدعوة للحشد للحرب مجدداً على أساس قيام الحرب بين شرق وغرب ليبيا". وتلفت الخماس إلى أن "الأسباب كانت أكثر حضوراً في حروب حفتر في جنوب ليبيا، إذ حرض قبائل ضد أخرى لأسباب تاريخية، ورأينا احتفال شباب هذه القبيلة على صفحاتهم وتسجيل انتصارهم على شباب القبيلة الأخرى".
وقبل فترة، أعلنت منظمة تكتل شباب برقة المستقلين، وهي مؤسسة أهلية، رفضها الحرب على طرابلس. وطالبت شباب برقة عدم الاستجابة لمطالب التجنيد والحشد للحرب"، وضرورة التعبير عن مطالبهم المدنية وحقوق برقة من خلال الحوار والعمل السياسي. ونشر حراك شباب مدنيين صوراً وفيديوهات لجرحى حروب حفتر وفجر ليبيا، التي تظهر عشرات المبتورين والمصابين الذين تخلى عنهم قادة الحروب، في إطار دعوتهم إلى عدم الانسياق وراء دعوات الحشد للحرب في طرابلس.
لكن الخماس ترى أن الزج بشريحة الشباب في أتون الحروب "ممنهج"، مؤكدة أن إقفال "أبواب التوظيف وعدم إنعاش الاقتصاد والإبقاء فقط على أبواب المليشيات مفتوحة أمام الشباب للحصول على الأموال الطائلة دليل على أن الأمر ممنهج". تضيف أن "العمل المليشياوي صار سلوكاً مقبولاً في المجتمع، فهو لا يجر الشاب للحرب فقط للحصول على المال، إذ إن هناك مجالات أخرى كالاتجار بالبشر والمخدرات وغيرها".