في عملية البناء الدرامي، تكون الحلقات الأولى عادة مفتاحية، لبدء الكشف عن خلفية الشخصيات وطبيعتها وشبكة علاقاتها، بالتزامن مع وقوع حدث جاذب تتمحور حوله الحكاية، وتشكّل ضمن خطوط موازية ومتباعدة في آن حبكة العمل. لذا، عندما ندخل في العُشر الأخير من المسلسلات المكونة من ثلاثين حلقة، تكون قد خرجت في معظمها من مرحلة الصراع، بعد أن تشكّلت جميع الخيوط الدرامية، واتضحت محاورها، قبل دخولها حيز الهبوط وحلّ العقد الشائكة فيها.
مسلسل "الحرملك" التاريخي، للكاتب السوري سليمان عبد العزيز، وإخراج مواطنه تامر إسحق، وإنتاج شركة كلاكيت ميديا، يبدو بعيداً بعض الشيء عن هذا التسلسل، بل أقرب منه إلى الضياع في ظل وجود عدد كبير من الممثلين من أبرز وجوه الدراما السورية، على رأسهم جمال سليمان وباسم ياخور، وسلافة معمار، وقيس الشيخ نجيب، وسامر المصري، وأحمد الأحمد، ووفاء موصللي، وعبد الهادي الصباغ، ونادين خوري وغيرهم العشرات من الممثلين، إلى جانب عدد من نجوم الدراما المصرية.
هذا الكم الهائل من الممثلين، جعل عدداً من الفضائيات العربية تُسارع لشراء حقوق العرض، بعد توقعات كبيرة أشارت إلى نجاحه. وربما تكون نسب المشاهدات قد حفظت للمسلسل صدارته في بعض البلدان العربية، لكن ذلك لا ينفي وجود خلل واضح في عملية البناء الدرامي لـ "الحرملك"، لعل السبب الأول في ذلك هو ضخامة عدد الممثلين؛ إذ كان تأثيره مُعاكساً.
المماطلة في سرد الأحداث، وتشتت مهام الشخصيات وفهم أدوارها، خصوصًا في "الخان"، حيث فتيات الحرملك، هي نقطة الضعف الثانية في المسلسل، طبعاً مع التحفظ على أداء الممثلين.
جميع فتيات العمل يسبحن في فلك فارغ، مكائد ومشاكل مفتعلة، يسعى المؤلف من خلالها إلى خلق أحداث جاءت غير مترابطة ولا تفضي إلى شيء، كما لو أنهن يحاولن التمسك بخيوط حكاية لم يكشف عنها الكاتب بعد، إلا لو افترضنا سعي الكاتب إلى إيصال حكاية كل شخصية على حدة، ضمن مساحة زمنية ستكون بعيدة الأجل؛ أي ذهاب العمل إلى حلقات تزيد بكثير عن ثلاثين حلقة، فيسير على خطى المسلسل التركي الشهير "حريم السلطان"، الأقرب إليه من حيث الشكل.
الحكاية الوحيدة المتماسكة التي وصلتنا حتى الآن (بعد مضي عشرين حلقة) ترتكز حول عائلة رسلان. أربعة أخوة (ياخور والمصري والأحمد ونجيب)، مع الممثلة وفاء موصللي بدور الأم العجوز، يبحثون عن الثأر بعد فرار شقيقتهم الوحيدة أمينة، التي تؤدي دورها الممثلة رشا بلال، مع عشيقها نشأت، (يؤدي الشخصية الممثل محمد قنوع)، في يوم زفافها، بعد أن تقرر تزويجها لتاجر القطن حمدي القطان، الذي يؤدي دوره الصباغ.
اقــرأ أيضاً
جميع هذه المهام لم تعط لدور سليمان حجمه الطبيعي وشكله الدرامي المفترض كواحد من أبطال المسلسل، بل ظهر كشخصية ثانوية تحاول ربط مفاصل الحكاية الضائعة. سلافة معمار (بدور قمر) وقعت هي الأخرى في هذا المأزق، فعلاقتها (كرئيسة للخان وفتياته) مع القنصلية الإنكليزية صاحبة التكليف، توحي بنوايا خفية لكنها غير منتجة حتى الحين. أضف إليهما بقية أبطال العمل التائهين في قصص ملامحها متغيرة ومتقلبة لا تشكل أي حالة قلق أو توتر مستدامة وجذابة.
يتوقع في الحلقات المتبقية من المسلسل أن يعمد المخرج إلى لملمة الأحداث المتناثرة وترويض القصص المتباعدة وحصرها في سياق درامي ضيق جداً للتمهيد للنهاية، ولكن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأهمية عمل كهذا، خصوصاً حين يعتمد في صلبه على نجوم كبار في عالم الدراما، على الرغم من المشكلات التي أشرنا إليها سابقًا.
إضافة إلى ذلك، فهو يطرح فرضية مبدئية مفادها "التمهيد لصناعة أجزاء أخرى للعمل، تجمع خيوطه المترامية وتجعله أكثر متانة حين يأخذ مساحة أكبر مما قد يجعله عملًا ناجحًا ومتقنًا في ما بعد".
مسلسل "الحرملك" التاريخي، للكاتب السوري سليمان عبد العزيز، وإخراج مواطنه تامر إسحق، وإنتاج شركة كلاكيت ميديا، يبدو بعيداً بعض الشيء عن هذا التسلسل، بل أقرب منه إلى الضياع في ظل وجود عدد كبير من الممثلين من أبرز وجوه الدراما السورية، على رأسهم جمال سليمان وباسم ياخور، وسلافة معمار، وقيس الشيخ نجيب، وسامر المصري، وأحمد الأحمد، ووفاء موصللي، وعبد الهادي الصباغ، ونادين خوري وغيرهم العشرات من الممثلين، إلى جانب عدد من نجوم الدراما المصرية.
هذا الكم الهائل من الممثلين، جعل عدداً من الفضائيات العربية تُسارع لشراء حقوق العرض، بعد توقعات كبيرة أشارت إلى نجاحه. وربما تكون نسب المشاهدات قد حفظت للمسلسل صدارته في بعض البلدان العربية، لكن ذلك لا ينفي وجود خلل واضح في عملية البناء الدرامي لـ "الحرملك"، لعل السبب الأول في ذلك هو ضخامة عدد الممثلين؛ إذ كان تأثيره مُعاكساً.
المماطلة في سرد الأحداث، وتشتت مهام الشخصيات وفهم أدوارها، خصوصًا في "الخان"، حيث فتيات الحرملك، هي نقطة الضعف الثانية في المسلسل، طبعاً مع التحفظ على أداء الممثلين.
جميع فتيات العمل يسبحن في فلك فارغ، مكائد ومشاكل مفتعلة، يسعى المؤلف من خلالها إلى خلق أحداث جاءت غير مترابطة ولا تفضي إلى شيء، كما لو أنهن يحاولن التمسك بخيوط حكاية لم يكشف عنها الكاتب بعد، إلا لو افترضنا سعي الكاتب إلى إيصال حكاية كل شخصية على حدة، ضمن مساحة زمنية ستكون بعيدة الأجل؛ أي ذهاب العمل إلى حلقات تزيد بكثير عن ثلاثين حلقة، فيسير على خطى المسلسل التركي الشهير "حريم السلطان"، الأقرب إليه من حيث الشكل.
الحكاية الوحيدة المتماسكة التي وصلتنا حتى الآن (بعد مضي عشرين حلقة) ترتكز حول عائلة رسلان. أربعة أخوة (ياخور والمصري والأحمد ونجيب)، مع الممثلة وفاء موصللي بدور الأم العجوز، يبحثون عن الثأر بعد فرار شقيقتهم الوحيدة أمينة، التي تؤدي دورها الممثلة رشا بلال، مع عشيقها نشأت، (يؤدي الشخصية الممثل محمد قنوع)، في يوم زفافها، بعد أن تقرر تزويجها لتاجر القطن حمدي القطان، الذي يؤدي دوره الصباغ.
في الحلقة العاشرة، يمسك أحد الإخوة (هلال) الذي يؤدي دوره المصري بنشأت، ويقوم بحرقه أمام جميع سكان الحارة، في شكل مبتذل من المخرج بعد تعليب الحادثة على أنها قضية شرف، من أجل إثارة التشويق وخلق دائرة للحدث ومحاولة لتطويق حالة التشتت بين كوادر العمل. ثم يعود المسلسل إلى مساره السابق، قصص مترامية ومتناثرة، تدور في مدارات مختلفة، ممثلين يعوزهم حسن الإدارة، وصوغ المضمون بطريقة أكثر حرفية وترابطاً.
نقطة الضعف الثالثة تكمن في توزيع أدوار البطولة، وإرغام المشاهد على التعلق بجميع أبطال العمل، وهو أمر غير مطلوب صراحة، حين تكون مفاصل الحكاية متماسكة ومتناسقة في طريقة سردها للأحداث، فكل شخصية بطلة تغني على ليلاها، بالرغم من نجاح أدائها. جمال سليمان (أدّى دور الكيخي جاد) يقع على عاتقه، بعد توليه الحكم من أجل إدارة شؤون البلاد، الكشف عن ملابسات جريمة قتل الكيخي الأسبق (منذ الحلقة الأولى) وحماية صادرات القطن، المنتج الرئيسي، من قطاع الطرق واللصوص، مع التطرق، من خلال سليمان، إلى تسليط الضوء حول شكل علاقة الدولة العثمانية بالدين والمذهب الصوفي.يتوقع في الحلقات المتبقية من المسلسل أن يعمد المخرج إلى لملمة الأحداث المتناثرة وترويض القصص المتباعدة وحصرها في سياق درامي ضيق جداً للتمهيد للنهاية، ولكن ذلك لا يمنعنا من الاعتراف بأهمية عمل كهذا، خصوصاً حين يعتمد في صلبه على نجوم كبار في عالم الدراما، على الرغم من المشكلات التي أشرنا إليها سابقًا.
إضافة إلى ذلك، فهو يطرح فرضية مبدئية مفادها "التمهيد لصناعة أجزاء أخرى للعمل، تجمع خيوطه المترامية وتجعله أكثر متانة حين يأخذ مساحة أكبر مما قد يجعله عملًا ناجحًا ومتقنًا في ما بعد".
المساهمون
المزيد في منوعات