في مخالفة لأحكام قانون الجنسية المصري، والتعديلات التشريعية التي اعتبرت مكسباً للمرأة المصرية في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وفي مخالفة أيضاً لمبادئ محاكم مجلس الدولة، يمارس النظام الحاكم في مصر سلطة منح وسحب الجنسية المصرية بصورة عقابية ضدّ المواطنين أبناء الرجال الفلسطينيين والسيدات المصريات، أو هؤلاء المنحدرين من أصل فلسطيني، بحجة وجود دواع أمنية تمنع دمجهم حالياً في المجتمع المصري.
وبعدما أصدر وزراء الداخلية المتعاقبون بين عامي 2011 و2013 نحو 25 قراراً بمنح الجنسية المصرية لنحو 14 ألفاً و200 شخص، معظمهم من الفلسطينيين أبناء المصريات، ورغم صدور عشرات الأحكام بأحقية الفلسطيني ابن المصرية في الحصول على الجنسية المصرية بمجرد تقديم أوراقه، إلاّ أن نظام عبدالفتاح السيسي اتخذ قراراً غير معلن بوقف منح الجنسية المصرية لأي من ذوي الأصول الفلسطينية، وترشيد تطبيق المادة القانونية الملزمة بذلك، والامتناع كذلك عن تنفيذ أحكام القضاء.
اقرأ أيضاً: القاهرة و"حماس": فتور ولا قطيعة
وكشف محامون، مطلعون على هذا الملف، عن أن القضاء المصري تلقى خلال العامين الماضيين أكثر من ألف دعوى من أبناء الفلسطينيين والمصريات، تطعن على قرارات وزير الداخلية برفض طلباتهم تطبيق القانون عليهم، رغم استيفاء جميع الأوراق والشهادات التي تثبت جنسية أمهاتهم.
ويحتج هؤلاء المتضررون بأنّ القانون 154 لعام 2004، المعدّل لقانون الجنسية المصرية، قد قضى على التمييز بين المصري والمصرية في حق منح الجنسية لأبنائهما، وقرر المساواة القانونية التامة غير المشروطة بين من ولد لأب مصري أو لأم مصرية، فأصبحت المادة الثانية من قانون الجنسية تنص على أنه "يكون مصرياً كل من ولد لأب مصري أو لأم مصرية".
كما أن هذا القانون، الذي كانت تتفاخر به مصر في المحافل الدولية في عهد مبارك، ينظم أوضاع أبناء الأم المصرية، الذين ولدوا قبل تاريخ العمل بالقانون، والذين كانوا يعتبرون غير مصريين، فمنحهم الحق في إعلان رغبتهم في التمتع بالجنسية المصرية بموجب خطاب لوزير الداخلية، وأن يعتبروا مصريين بصدور قرار بذلك من الوزير أو بانقضاء سنة من تاريخ الإعلان دون صدور قرار مسبب بالرفض، مع أحقيتهم في إقامة دعاوٍ في محكمة القضاء الإداري.
وبعد أحداث 30 يونيو/ حزيران و3 يوليو/ تموز 2013 واعتبار نظام السيسي الفلسطينيين مشكوكاً في ولائهم، ومجاهرته العداء لحركة "حماس" المسيطرة على قطاع غزة، وتوجيه الاتهامات إليها بالضلوع في أعمال إرهاب وتخريب، توسع وزيرا الداخلية الحالي، مجدي عبدالغفار، والسابق، محمد إبراهيم، في فرض قيود على موضوع منح الجنسية، وأصبح من المعتاد رفض طلبات الفلسطينيين أبناء المصريات، والذين يشكلون نحو 80 في المائة من مستحقي الجنسية المصرية تبعاً للأم.
وانعكس ذلك على الواقع بإصدار نحو 100 قرار معلن برفض منح الجنسية للفلسطينيين أبناء المصريات، لأسباب تتعلق بـ"اعتبارات أمنية" ومن بينها الانتماء السياسي، أو المشاركة في أحداث الانتفاضات المتكررة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، أو التواجد في قطاع غزة منذ عام 2011.
وفي المقابل، أصدر وزير الداخلية، مجدي عبدالغفار، في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي قراراً بمنح الجنسية للشاب السعودي، محمد سالم طويلع حامد، المولود عام 1992 من أم مصرية.
ووفقاً للمحامين العاملين بهذه القضايا، فإن قوائم انتظار الجنسية بوزارة الداخلية تضم نحو 4 آلاف فلسطيني أمهاتهم مصريات، يتماثلون في المركز القانوني والوضع الاجتماعي مع الشاب السعودي، الذي صدر له القرار الوزاري.
ولا يقتصر التمييز على هذا السياق، فقد توسع مجلس الوزراء المصري منذ يناير/ كانون الثاني 2014 في إصدار قرارات إسقاط الجنسية عن الفلسطينيين، الذين حصلوا على الجنسية المصرية تبعاً لأمهاتهم، بحيث بلغ عدد المتضررين في عامين فقط 31 شخصاً، اتهمتهم وزارة الداخلية بالانتماء إلى تنظيمات عسكرية دون إذن من وزير الدفاع، قاصدة بذلك انتماء بعضهم إلى كتائب "عزالدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس"، أو للأخيرة نفسها، وحركات أخرى مؤيدة لها، مبررة ذلك بـ"عمل هذه الحركات على تقويض نظام الحكم بالدولة".
واللافت أن الحكومة لم تسقط الجنسية عن أية مجموعات أخرى، باستثناء 8 مصريين ومصريات هاجروا إلى إسرائيل، وحصلوا على جنسيتها أو تزوجوا من إسرائيليات.
وكانت محكمة القضاء الإداري قد أصدرت على مدار السنوات الأربع الماضية عشرات الأحكام باستحقاق أبناء المصرية الجنسية، أياً كانت الظروف، بما في ذلك الأبناء الناتجون عن عقد زواج عرفي مشهر، ورفضت جميع دعاوى إسقاط الجنسية عن شخصيات من أصول فلسطينية لانعدام المبرر القانوني.