الحركة الطلابية في مصر ثورية

08 يناير 2016
+ الخط -
نقارن، في هذا المقال، بين الحركة الطلابية رافعة للتغيير في مصر والحركة الأمنجية قامعة لكل احتجاج، أو حرية تعبير، حينما نتحدث عن الحركة الطلابية، فإن الذاكرة تستدعي تلك الحركة أنشطةً وفاعليات في السبعينيات، والتي حضرت كثير من وقائعها، والتي عبرت عن نضج مبكر للحركة الطلابية التي أعقبت نكسة يونيو 1967، واستبقت حرب أكتوبر 1973، وشكلت بحق حالة من المطالبة بتحرير الوطن، ومواجهة عار الهزيمة، فضلاً عن تعبيرها عن مطالب معاش الناس بكل قوة، ضمن حالة وعي طلابية، استصحبت كل نجاحات الحركة الطلابية، وفاعلية احتجاجاتها، إذ مثلت ضمير الجامعة والمجتمع والوطن، في ذلك الوقت.
هذا حال الحركة الطلابية، والتي مارست أقصى فاعلياتها وقوتها، ولكن ظلت هذه الحركة شوكة في حلق نظم الاستبداد المتوالية في رسالة الحرية والتحرر التي حملتها بكل قوة، حملت على عاتقها كتاب الحرية بكل قوة وعنفوان، لتؤكد أنه لا تفريط في تحرير الوطن وحرية المواطن، بينما ظل النظام المستبد في كل مرحلة يحمل رسائل القمع والبطش الشديد، مستخدماً العنف في المواجهة، وتحت دعاوى تسد الطريق على رسالة الحركة الطلابية في الاحتجاج من أجل الحرية والتحرّر والعدالة والكرامة. ظلت هذه النظم الاستبدادية تدشن هذا المسار الأمنجي في مواجهة الحركة الطلابية، هذه الاستراتيجية الأمنية ظلت تتصاعد مع تصاعد دور الحركة الطلابية، ووعيها بما تحمل من رسالة وأهداف.
حينما نتحدث عن "الأمنجية في الجامعة" لم نعد نتحدث عن توظيف طلبة وأساتذة للتجسس على زملائهم، ولا نتحدث عن استقدام بلطجية إلى داخل الجامعة، ولا نتحدث عن أجهزة أمنية تتمثل في حرس جامعي، بل ثكنة عسكرية محاطة بأكثر من جهة أمنية، تبدأ بالأمن الإداري للجامعة، وتنتهي إلى قوات ومدرعات جيش تحيط الجامعات، تتحرك وتنشط عند اللزوم، ومروراً بقوات شرطية من أمن مركزي ومباحث وأجهزة الأمن الوطني. وذلك كله لمحاصرة الحركة الاحتجاجية الطلابية وقدراتها والقيام على شل حركتها وترويعها، ووضعت إدارات الجامعة كاميرات المراقبة (التجسس) لمتابعة الطلبة والأساتذة على حد سواء، وهى أمور دفعتني إلى الاعتذار عن التدريس أكثر من عام. لم تعد البيئة الجامعية صالحة لممارسة جامعية وتعليمية سوية، ولا تُمَكن ممارسة تتسم باعتبار الحرية الأكاديمية واستقلال الجامعات.
هذه المبالغة في اقتصار الحركة والفاعلية الحركية والميدانية على "الإخوان المسلمين" محل شك في مجمل الواقع المصري، فإنها تصبح خطأ فادحاً، حينما يتعلق الأمر بالجامعات، ذلك لأن أي باحث على صلة بالملف يعرف أن طلبة "الإخوان" بين شباب الجامعات جزء من نسيج طلابها من مختلف الاتجاهات، وكذا فإن الادعاء بأن "الإخوان" وراء ما جرى ويجري في المحيط الجامعي هو بداية الخطأ في تشخيص المشكلة التي هي، أصلاً، مع عموم الشباب في مصر، وغاية ما يمكن أن يقال إن "الإخوان" في الجامعات جزء من أولئك الشباب، وليسوا الكل بأية حال. وهو ما يسوغ وصف الادعاء بأنهم الذين أثاروا الاضطرابات والفوضى في الجامعات هذا الأسبوع، بأنه من قبيل التضليل الإعلامي والتغطية الذي يستهدف التهرب من الحقيقة، وصرف الانتباه عن جوهر مشكلة النظام القائم مع الشباب والطلاب.
وفي دور بلطجة من الأمنجية في الجامعة، وفي مقدمتهم الأمنجي البلطجي الأكبر وزير التعليم
العالي، وبجرة قلم، ألغى الوزير الانقلابي القائم بخدمة المستبد نتيجة انتخابات طلابيةٍ، لم تأت على هواه ضمن أكبر عملية بلطجة جامعية. ومن هنا، حينما نقول إن جهاز البلطجية لم يعد يقتصر على البلطجية التقليديين، بل ضم إلى صفوفه أعلى رتب جامعية، تتمثل في وزير التعليم العالي وتابعيه من رؤساء أمنجية للجامعات وعمداء كليات بالتبعية. فما كان من ممثلي حركات طلابية ثورية إلا تأكيد عزمهم على الاستمرار في مساندة اتحاد طلاب مصر المنتخب، الذي صدر قرار بحله من وزارة التعليم العالي، بسبب ما ادعاه خطأً إجرائياً، فقد استخدمت الوزارة حجة الخطأ الإجرائي لتلغي الانتخابات التي أتت بطلاب على غير هواها. وتأتي تحركات الطلاب الأخيرة بعد قرار وزير التعليم العالي إحالة قرار الوزارة (ببطلان انتخابات اتحاد طلاب مصر) للجنة الفتوى والتشريع في مجلس الدولة لبيان مدى قانونيته من عدمه، وهو ما اعتبره الطلاب محاولة للمماطلة وكسباً الوقت.
واعتبر الطلاب تصريحات الوزير الأمنجي البلطجي التي سبقت إعلان قرار الوزارة دلالة واضحة على نهج الوزارة، وتحيزها ضد الاتحاد المنتخب، وانقلابها عليه، لا لشيء إلا لأنها لم تعد تقيم للانتخابات وزناً أو قيمة، وفي ظل بلطجة انقلابية بعد الانقلاب الأكبر للعسكر، يتم تدبير انقلابات صغيرة في كل المؤسسات أو الهيئات المنتخبة، مثلما حدث في النقابات أو إلغاء انتخاب العمداء. إنها حالة بلطجة في إدارة الأمور، لم تعد تقيم للإرادات الشعبية أو الشبابية أو الطلابية أو النقابية أي وزن، المسموح به فقط هو من كان عبداً في ركابه، ولا مكان للمختلف أو المحتج أو لأي كائن من كان يقول "لا".
أكثر فئة يستهدفها أي نظام هي الطلاب، بوصفها التي تبادر بالوقوف أمام أي طاغية أو مستبد، ونجاح الحركة الطلابية في التوحد والبحث عن المشترك، مضيفاً "بات واضحاً أن الطلاب غير قابلين للترهيب أو الترغيب"، وكذا، فإن استمرار الحراك الطلابي إلى حين تحقيق أهدافه أمر يظل باقياً، حتى ولو كان كامناً، قابل للتفعيل في أي وقت، حينما تحين ساعته ووقته، ويشكل "غباء النظام"، فضلاً عن غطرسته وبطشه وغشمه، بيئة لاستنفار الحالة الاحتجاجية الطلابية، على الرغم مما تفرضه أجهزة الأمن من تحويل الجامعة إلى سجن كبير، تحت عيون التجسس والبصّاصين.
وعلى الرغم من أن الناشطين في العمل الطلابي يمثلون الأقلية بشكل عام، لكنها أقلية نوعية فاعلة ومستقطبة ومؤثرة قادرة على أن تقود الرأي العام وتوجهه، فالحركة الطلابية كانت تحمل هم الوطن العام، وهي ليست معطى "كمياً" فحسب، بل هي في الأساس معطى "نوعي"، وعندما تكون موحدة يمكن أن تعطي الزخم المطلوب.. نعم، سيظل الطلاب في الجامعات بل وفي المدارس، رافعة للتغيير في مصر، على الرغم من كل البلطجة الأمنية والسياسية التي تمارس في مواجهتهم، وسيظل هؤلاء تصديقاً لقول المؤرخ الفرنسي "لم يلعب الطلاب دوراً في الحركة الوطنية، مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر"، نعم سيكون الطلاب شرارة ثورة قادمة مستأنفة، رغم أنف الأمنجية والبلطجية والانقلابيين.
 

ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".