التغييرات المتتالية في المشهد السياسي السوداني بعد إطاحة الرئيس السابق عمر البشير تحت ضغوط المحتجين المتواصلة، بعثت الآمال مجدّداً في إمكانية استنهاض اقتصاد البلد الذي صنف ذات يوم بأنه "سلة غذاء العالم".
وكبلت سياسات حكومية في السودان طوال العقود الثلاثة الماضية القطاعات الاقتصادية، ما أدى إلى خروج بعضها من دائرة الإنتاج، وتضاؤل مساهمة قطاعات أخرى في الدخل القومي، في ظل محاولات شكلية لإصلاح الوضع دون جدوى بسبب افتقارها للجدية والإرادة السياسية.
وحسب خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" تبدو الفرصة سانحة أمام الاقتصاد السوداني للتعافي والنمو، ويدعم تلك الفرضية وجود مقومات هائلة في عدد من القطاعات، تحتاج لسياسات رشيدة وإدارة سليمة، إذ إن المطلوب من الحكومة الجديدة نفض الغبار عن ثلاثة قطاعات (الزراعة، والثروة الحيوانية، واستخراج الذهب)، بهدف تحسين اقتصاد البلاد الذي يواجه مشاكل خانقة انعكست سلباً على الأوضاع الحياتية للمواطنين.
وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي في تقرير "آفاق النموّ العالمي" أن نموّ الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد السودان انكمش -2.1% عام 2018، وهو مرشح ليتفاقم إلى -2.3% سنة 2019.
اقــرأ أيضاً
وكانت الأزمات المعيشية وغلاء السلع الضرورية أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات الشعبية الساخطة التي أدت إلى إطاحة البشير والعديد من رموز نظامه.
قدرات زراعية هائلة
ووفقاً لتقارير رسمية، يتوفر القطاع الزراعي في السودان على مئتي مليون فدان صالحة للزراعة، 80 بالمائة منها أرض بكر لم تستغل، فيما لا يتجاوز حجم المستغل منها فعلياً نحو 20 بالمائة.
ويقول مختصون إن المقومات الزراعية المتوفرة بالسودان "كافية لسد حاجة أسواق عربية وعالمية من المحاصيل والخضراوات" شريطة استغلالها بشكل جيد.
وأشار المختصون إلى أن أول موازنة وطنية عقب الاستقلال في 1957 اعتمدت كليا على "محصول القطن" كمورد أساسي وأوفت إيرادات صادراته بكل بنود الموازنة بل حققت فائضاً مالياً تم تحويله للموازنة التالية.
وفي هذا السياق، يقول وزير الزراعة الأسبق بولاية نهر النيل (شمال)، بشير بساطي، إن الظروف الحالية والتغييرات السياسية ستساهم في إنعاش القطاع الزراعي في حالة نجاحها في إحداث حالة من الاستقرار، مطالباً بإزالة القيود عن صغار المزارعين ما سيجعلهم قادرين على سد حاجة السوق المحلي من محاصيل الحبوب والخضراوات، وزيادة التصدير إلى خارج البلاد.
وأضاف بساطي لـ"العربي الجديد" أن القطاع الزراعي يجب أن يتصدر اهتمامات الحكومة الجديدة التي يجب أن تعيد النظر في السياسات المنظمة للقطاع وتزيل القيود عن صغار المنتجين وتوفر التقاوي والتقنية الحديثة في عمليات الري والإرشاد الزراعي والحصاد، فضلا عن تطبيق برنامج سلاسل القيمة الذي يهتم بجميع مراحل الزراعة من الحقل وحتى التسويق.
وبسبب ثراء الموارد الزراعية ينشط عدد من الدول العربية في الاستثمار الزراعي بالسودان، وأبرزها مشروع الراجحي بولايتي شمال كردفان والولاية الشمالية، حيث ينتج فدان القمح "61" جوالا، يقابله 3 جوالات إنتاج المزارع المحلي الذي يعتمد على الزراعة التقليدية ويفتقر للتقنية الحديثة.
الثروة الحيوانية
وفي مجال الثروة الحيوانية يتوفر للسودان نحو 107 ملايين رأس من الماشية في إحصاءات تقديرية، منها ما لا يقل عن 30 مليون رأس من الضأن، و20 مليون رأس من الأبقار، مع مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية وموارد المياه، حسب بيانات رسمية.
ورغم هذه المقومات ظلت الثروة الحيوانية في السودان قطاعا هامشيا في خطط الحكومات المتعاقبة، حيث تسيطر التقليدية على نمط تربية المواشي ولم تتجه الحكومات السابقة لإنشاء مزارع حديثة لتربية الماشية، وباستثناء مسلخ وحيد، تنعدم المسالخ الحديثة التي تساعد في تصدير اللحوم وفق المواصفات والاشتراطات الصحية العالمية، كما تفتقر البلاد للصناعات التحويلية التي يمكن الاستفادة من مشتقات الألبان والجلود التي تصدر مادة خاماً، ما يفقدها القيمة المضافة.
وتعزو مديرة الإرشاد بوزارة الثروة الحيوانية، نجوى آدم يوسف، في حديث لـ "العربي الجديد" تدهور القطاع إلى الإهمال الحكومي وعدم توفير الموارد اللازمة للتطوير، موضحة أن الطرق التقليدية التي ما يزال عليها القطاع تفقد الدولة سنوياً موارد لا تقل عن 6 مليارات دولار تتمثل في عائدات مرتقبة لصادرات الجلود واللحوم والمواشي الحية.
وقالت مديرة الإرشاد بوزارة الثروة الحيوانية إن تغيير هذا الواقع رهين بتغيير السياسات التي تكبل المنتجين وتوفير التقنيات الحديثة خاصة في الأرياف ورصد اعتمادات لاستجلاب تكنولوجيا حديثة تساعد في زيادة الإنتاج.
موارد معدنية
ولا يتمتع السودان بثروات زراعية وحيوانية هائلة فقط بل يمتلك ثروات تعدينية واعدة، إذ ينتج 130 طناً من الذهب سنوياً بحسب أرقام حكومية سابقة، لكن مختصين يقولون إن الإنتاج الحقيقي يتجاوز 250 طناً، يهرب 70 بالمائة منها، ما يفقد الخزينة العامة نحو 7 مليارات دولار سنويا، وهو مبلغ كافٍ لسد العجز في الميزان التجاري، حسب مراقبين.
ويتنامى تهريب الذهب في السودان سنوياً بسبب السياسات الحكومية التي يتبناها البنك المركزي، إذ يفضل المنتجون والمعدنيون التقليديون بيع إنتاجهم لجهات غير رسمية تنشط بدورها في تهريبه، مع الاعتبار أن قطاع التعدين في السودان لا ينحصر في الذهب فقط، إذ توجد معادن أخرى بكميات هائلة لم يطاولها الاستكشاف بعد، وأخرى توقف استكشافها بسبب الحرب في ولاية النيل الأزرق (جنوب) مثل الحديد والكروم والنحاس والرمال البيضاء والأحجار الكريمة.
وكبلت سياسات حكومية في السودان طوال العقود الثلاثة الماضية القطاعات الاقتصادية، ما أدى إلى خروج بعضها من دائرة الإنتاج، وتضاؤل مساهمة قطاعات أخرى في الدخل القومي، في ظل محاولات شكلية لإصلاح الوضع دون جدوى بسبب افتقارها للجدية والإرادة السياسية.
وحسب خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" تبدو الفرصة سانحة أمام الاقتصاد السوداني للتعافي والنمو، ويدعم تلك الفرضية وجود مقومات هائلة في عدد من القطاعات، تحتاج لسياسات رشيدة وإدارة سليمة، إذ إن المطلوب من الحكومة الجديدة نفض الغبار عن ثلاثة قطاعات (الزراعة، والثروة الحيوانية، واستخراج الذهب)، بهدف تحسين اقتصاد البلاد الذي يواجه مشاكل خانقة انعكست سلباً على الأوضاع الحياتية للمواطنين.
وتظهر بيانات صندوق النقد الدولي في تقرير "آفاق النموّ العالمي" أن نموّ الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد السودان انكمش -2.1% عام 2018، وهو مرشح ليتفاقم إلى -2.3% سنة 2019.
وكانت الأزمات المعيشية وغلاء السلع الضرورية أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع الاحتجاجات الشعبية الساخطة التي أدت إلى إطاحة البشير والعديد من رموز نظامه.
ووفقاً لتقارير رسمية، يتوفر القطاع الزراعي في السودان على مئتي مليون فدان صالحة للزراعة، 80 بالمائة منها أرض بكر لم تستغل، فيما لا يتجاوز حجم المستغل منها فعلياً نحو 20 بالمائة.
ويقول مختصون إن المقومات الزراعية المتوفرة بالسودان "كافية لسد حاجة أسواق عربية وعالمية من المحاصيل والخضراوات" شريطة استغلالها بشكل جيد.
وأشار المختصون إلى أن أول موازنة وطنية عقب الاستقلال في 1957 اعتمدت كليا على "محصول القطن" كمورد أساسي وأوفت إيرادات صادراته بكل بنود الموازنة بل حققت فائضاً مالياً تم تحويله للموازنة التالية.
وفي هذا السياق، يقول وزير الزراعة الأسبق بولاية نهر النيل (شمال)، بشير بساطي، إن الظروف الحالية والتغييرات السياسية ستساهم في إنعاش القطاع الزراعي في حالة نجاحها في إحداث حالة من الاستقرار، مطالباً بإزالة القيود عن صغار المزارعين ما سيجعلهم قادرين على سد حاجة السوق المحلي من محاصيل الحبوب والخضراوات، وزيادة التصدير إلى خارج البلاد.
وأضاف بساطي لـ"العربي الجديد" أن القطاع الزراعي يجب أن يتصدر اهتمامات الحكومة الجديدة التي يجب أن تعيد النظر في السياسات المنظمة للقطاع وتزيل القيود عن صغار المنتجين وتوفر التقاوي والتقنية الحديثة في عمليات الري والإرشاد الزراعي والحصاد، فضلا عن تطبيق برنامج سلاسل القيمة الذي يهتم بجميع مراحل الزراعة من الحقل وحتى التسويق.
وبسبب ثراء الموارد الزراعية ينشط عدد من الدول العربية في الاستثمار الزراعي بالسودان، وأبرزها مشروع الراجحي بولايتي شمال كردفان والولاية الشمالية، حيث ينتج فدان القمح "61" جوالا، يقابله 3 جوالات إنتاج المزارع المحلي الذي يعتمد على الزراعة التقليدية ويفتقر للتقنية الحديثة.
الثروة الحيوانية
وفي مجال الثروة الحيوانية يتوفر للسودان نحو 107 ملايين رأس من الماشية في إحصاءات تقديرية، منها ما لا يقل عن 30 مليون رأس من الضأن، و20 مليون رأس من الأبقار، مع مساحات شاسعة من المراعي الطبيعية وموارد المياه، حسب بيانات رسمية.
ورغم هذه المقومات ظلت الثروة الحيوانية في السودان قطاعا هامشيا في خطط الحكومات المتعاقبة، حيث تسيطر التقليدية على نمط تربية المواشي ولم تتجه الحكومات السابقة لإنشاء مزارع حديثة لتربية الماشية، وباستثناء مسلخ وحيد، تنعدم المسالخ الحديثة التي تساعد في تصدير اللحوم وفق المواصفات والاشتراطات الصحية العالمية، كما تفتقر البلاد للصناعات التحويلية التي يمكن الاستفادة من مشتقات الألبان والجلود التي تصدر مادة خاماً، ما يفقدها القيمة المضافة.
وتعزو مديرة الإرشاد بوزارة الثروة الحيوانية، نجوى آدم يوسف، في حديث لـ "العربي الجديد" تدهور القطاع إلى الإهمال الحكومي وعدم توفير الموارد اللازمة للتطوير، موضحة أن الطرق التقليدية التي ما يزال عليها القطاع تفقد الدولة سنوياً موارد لا تقل عن 6 مليارات دولار تتمثل في عائدات مرتقبة لصادرات الجلود واللحوم والمواشي الحية.
وقالت مديرة الإرشاد بوزارة الثروة الحيوانية إن تغيير هذا الواقع رهين بتغيير السياسات التي تكبل المنتجين وتوفير التقنيات الحديثة خاصة في الأرياف ورصد اعتمادات لاستجلاب تكنولوجيا حديثة تساعد في زيادة الإنتاج.
ولا يتمتع السودان بثروات زراعية وحيوانية هائلة فقط بل يمتلك ثروات تعدينية واعدة، إذ ينتج 130 طناً من الذهب سنوياً بحسب أرقام حكومية سابقة، لكن مختصين يقولون إن الإنتاج الحقيقي يتجاوز 250 طناً، يهرب 70 بالمائة منها، ما يفقد الخزينة العامة نحو 7 مليارات دولار سنويا، وهو مبلغ كافٍ لسد العجز في الميزان التجاري، حسب مراقبين.
ويتنامى تهريب الذهب في السودان سنوياً بسبب السياسات الحكومية التي يتبناها البنك المركزي، إذ يفضل المنتجون والمعدنيون التقليديون بيع إنتاجهم لجهات غير رسمية تنشط بدورها في تهريبه، مع الاعتبار أن قطاع التعدين في السودان لا ينحصر في الذهب فقط، إذ توجد معادن أخرى بكميات هائلة لم يطاولها الاستكشاف بعد، وأخرى توقف استكشافها بسبب الحرب في ولاية النيل الأزرق (جنوب) مثل الحديد والكروم والنحاس والرمال البيضاء والأحجار الكريمة.