الحراك ضد الحرب على غزّة

31 يوليو 2014

تظاهرة لنصرة فلسطين وسورية في ساوباولو (27يوليو/2014/Getty)

+ الخط -

بينما ظهر أن شعوب العالم الغربي تحركت جدياً من أجل إدانة الحرب الصهيونية على غزة، لم يظهر سوى دعم شعبي محدود في البلدان العربية، بعكس المرات السابقة. الأمر الذي طرح الأسئلة، خصوصاً مع ميل قطاع من "النُّخَب" والساسة إلى تركيز الهجوم على حماس، واعتبار أسباب ما يجري، على الرغم من أن الأمور كانت تسير عكس ذلك، بعد تشكيل حكومة المصالحة. وصل هذا الموقف إلى حدّ الدعوة لسحق حماس، خصوصاً هنا من إعلاميين مصريين، هم بقايا من نخبة نظام حسني مبارك. وظهر ميل "نخبوي" لـ"التعاطف" مع الدولة الصهيونية، بعكس ما يجري في العالم، حيث باتت الشعوب تميل أكثر إلى دعم القضية الفلسطينية. وهي مفارقة تدلّ على انهيار بات يحكم تلك النخب، التي، أمام مأزقها، تندفع للتقرّب من الدولة الصهيونية.

هذه النخب تنطلق من إدخال القضية في متاهات الصراع مع الإسلاميين، على ضوء الدور الذي لعبوه بعيد الثورات، والانخراط في "المرحلة الانتقالية"، حيث ظهر فشلهم في حلّ مشكلات الشعب الذي ثار من جهة، وميلهم إلى تكريس دولة "أصولية" من جهة أخرى، وهو ما أرعب تلك النخب إلى حدّ القبول بـ"إبادتهم"، ثم قبول التدمير الصهيوني لحماس على أساس أنها جزء من هؤلاء. هذه النخب باتت "مهلوسة"، وتهذر خوفاً من مصيرٍ تحسّسته على ضوء وصول الإسلاميين إلى السلطة. لكن هؤلاء ليسوا الشعب الذي كان ينهض دفاعاً عن فلسطين، والذي يبدو أنه بات مرهقاً بالوضع الذي هو فيه، نتيجة الأزمة العميقة التي يعيشها، أو نتيجة الفوضى والصراعات التي نتجت عن الثورات. لكن، لن يكون رأي الشعب إلا كما كان سابقاً، مع فلسطين من دون تردد، على الرغم من كل الضخ الإعلامي الذي يريد أن "يكفّره" بفلسطين، متخذاً من حماس "شمّاعة".

وبهذا، ستكون فلسطين جزءاً من تحولات الصراع الذي فتحته الثورات، بغضّ النظر عن الموقف الحالي. فالسعي إلى تحقيق التطور، يفترض الصراع مع "قوة المنع" التي تتمثّل في الدولة الصهيونية.

وإذا كان بعضهم يقارن بين الحشد من أجل فلسطين في الغرب، والحشد من أجل الثورة السورية أو العراق، فإن في أساس المقارنة ما هو خاطئ، لأن الشغل من أجل فلسطين نشأ منذ عقود، وهو يثمر الآن فقط، بينما لم تستطع المعارضة السورية، مثلاً، أن تعطي شكلاً إيجابياً عن واقع الثورة، بل أدخلتها في متاهة التبعية للدول "الغربية" (أي الإمبريالية)، وهو ما كان ينعكس سلباً على الثورة ذاتها، أملاً من هذه المعارضة أن تستجلب التدخل العسكري، لكي يريحها من نظام هي مقتنعة بعجزها المسبق عن هزيمته.

لكن الأهم في ما يتحقق من دعم في الغرب، أن الشعوب باتت تلمس أن المشكلة في فلسطين ليست كما شرحها الإعلام "الغربي" (الرأسمالي)، بل هي نتاج الطموح الإمبريالي لدولها. لهذا، باتت ترى فيها عبئاً يستنزف الأموال، لكي تصبّ في مسار جرائم وحشية تُرتكب ضد الفلسطينيين. لقد باتت تحسّ بأنها مسؤولة بشكل ما عمّا جرى ويجري، لهذا، لا بد لها من أن توضح موقفها، وأن تنشط لكي تنزع كل الهالة التي غُلّفت بها "المسألة اليهودية". وهذا يعني أن مسار السنوات المقبلة سوف يوصل إلى التخلي الكامل عن الدولة الصهيونية، بعدما باتت عبئاً أخلاقياً فظيعاً، ربما يشكّل كابوساً أسوأ من الهولوكست بالنسبة لها.