الحراكات الشبابية الفلسطينية والمصالحة

29 ابريل 2014
+ الخط -
 

صحيحٌ أن المصالحة بين حركتي فتح وحماس، أو بين سلطتيهما في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الانقسام كان شأناً فلسطينياً عاماً طاول الجميع. وممن طاولهم؛ الشباب الذين شكّلوا حالةً أوليةً من الحراك والفاعلية السياسية والميدانية، في الضفة وغزة، في السنوات الماضية، غير خاضعةٍ لسلطة التيارات والفصائل أو نفوذها، ومتأثرة بموجة الربيع العربي منذ بدأت في تونس ومصر. ولعل أهم دلالةٍ على العلاقة الوثيقة بين ما بات يعرف بالحراكات الشبابية والانقسام، أن أول حضور فعلي واسع للحراكات في الشارع الفلسطيني، كان في 15 مارس/ آذار 2011، اليوم الذي شهد أهم حراك شعبي يطالب، بوضوح، بـ"إنهاء الانقسام".
كانت مطالب الحراكات الشبابية أوسع بكثير من هذا المطلب، غير أن دفع الفلسطينيين إلى العودة إلى الشارع كان يفرض طرح شعار جامع، فكان إنهاء الانقسام، مع القناعة بأولويته، إلا أن العلاقة مع المنقسمين، "فتح" و"حماس" وسلطتيهما، والفصائل بصورة عامة، ظلت محكومة بتوترٍ، وصل، في حالاتٍ معينةٍ، إلى صدامٍ وتنافر، ما راكم مع الوقت سلوكاً لدى الحراكات الشبابية، يدفعها إلى أن تحدد نفسها، بافتراقها وتمايزها عن الصيغ الحزبية والفصائلية، أكثر من امتلاكها عناصر تمايز ذاتية، كمشروع سياسي واضح، أو صيغة حركية مميزة، أو أي شكل من التنظيم لجموع الشباب الذين تم التعارف على أنهم جزء من حالة عامة، تسمى "حراكات شبابية".
حالة التوتر، المبررة مع سلطتي فتح وحماس، وغير المبررة من المنتمين للقوتين الشعبيتين الكبريين فلسطينيا؛ لم تحد من فعالية الحراكات الشبابية، والتي يحسب لها أنها ظلّت، طوال فترة الجمود السياسي والميداني، في الفترة الماضية، تكافح، بسبلٍ شتى، لإبقاء الفلسطينيين على اتصال مع الشارع، مع تفعيلٍ مستمر لقضايا مركزية، كقضية الأسرى ومواجهة الاستيطان والتطبيع ورفض المفاوضات. وعلى تباين تقييم فعالية الحراكات، وأثرها، لا يمكن إنكار دورها في مرحلةٍ انكفأت فيها الفصائل لشؤونها الخاصة الضيقة، وشكّلت الحراكات حجّةً على الفصائل، ودفعتها، في مناسباتٍ عدة، للتحرك شعبياً وسياسياً، ولو بالحد الأدنى، بعد أن جنحت طويلاً إلى السكوت.
ولا يمكن، اليوم، إنكار انعدام الثقة الذي يُجابه به الشباب الفلسطيني، الناشط سياسياً، اتفاق المصالحة، وموقعيه. وتكفي جولة عابرة على وسائل التواصل الاجتماعي لإدراك ذلك. وانعدام الثقة هذا تتحمل الفصائل واجب تبديده، ولعل من الخطوات الضرورية اليوم؛ التفكير بآليةٍ لإشراك الحراكات الشبابية في تصور المرحلة الانتقالية، بين توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وصولاً إلى هيكلة منظمة التحرير، وما بعدها -انتخابات المجلس الوطني من مطالب الحراكات الأولى-، ويتم ذلك وفق منطق رد الجميل، أو إعادة الاعتبار للطاقات والجهود الشبابية التي كانت الحالة الحركية الوحيدة، في فترات السكون والتسليم بمخططات الاحتلال وسلطتي غزة والضفة.
ويحمل استمرار العلاقة المتوترة بين الفصائل الفلسطينية والحراكات الشبابية غير المحزبة ضرراً في اتجاهين، فهو يحرم الحالة النضالية الفلسطينية والفصائل من جهد شبابيٍّ نشط وفعال، ويعمل بالحد الأدنى من مقومات العمل الجماهيري، ويحرم الحراكات الشبابية من توسيع قاعدتها الجماهيرية، العابرة للفصائل والتيارات، ويحرمها، أيضاً، من بلورة برنامج سياسي واضح وعمليّ. وعلى المدى الطويل، ستكرّس العلاقة المتوترة بين الجهتين، جموداً في الحراك السياسي الداخلي، عبر تعزيز افتراض أن العمل السياسي خارج الصيغ الحزبية الفصائلية الحالية غير ممكن فلسطينياً.
من اللافت أن الحراكات الشبابية ظلت تعاني مشكلةً في التنظيم، منعتها من توحيد طاقاتها وتركيز جهودها وتصوراتها، وظلّت صيغة الحزب، أو الفصيل، كحدٍّ أدنى من البناء التنظيمي، بعيدةً عن حالة الحراكات الشبابية، والتي لم تفلح في الاستفادة من الخبرات التنظيمية، الواسعة والفطرية، لدى الفلسطينيين. وكانت، والحال هذه، أقرب ما يكون إلى أي حزبٍ، أو فصيلٍ، فلسطيني، حين يتعلق الأمر بعلاقتها مع الفصائل والأحزاب، وظل سعيها إلى نفي ارتباطها، أو تقاطعها، أو التقائها مع الفصائل والأحزاب الفلسطينية، يكرّسها كحالة حزبية، أو متحزبة، في هذا الجانب على الأقل. ولا يخفى على الناشطين في هذه الحراكات، والمهتمين بها والحريصين عليها، أن البقاء على تلك الحال، وفي هذه المرحلة تحديداً، لا يخدم الغايات التي انطلقت الحراكات لتحقيقها، أو التعبير عن التوق إليها. لا سيما في مرحلة يقرّ فيها أشد المتنازعين، داخلياً، أن المصالحة الداخلية باتت شرطاً أولياً لفعالية الحراك السياسي والوطني في هذه المرحلة.

 

2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين