هي رحلة يومية شاقة، يقطعها الحاج عمر(47 سنة) من ولاية بشار جنوب الجزائر نحو عدد من الولايات الصحراوية والمناطق النائية، حيث يعمل سائقاً لنقل مواد البناء، إلا أن معاناته تتضاعف في فصل الصيف، خصوصاً خلال شهر الصيام.
قضى الحاج عمر عشرين سنة في هذه المهنة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إنه برغم متاعب السفر والصوم وارتفاع درجة الحرارة، إلا أنه لا يجد بدّاً عن ترك هذا العمل، الذي يعيل أسرته وأبناءه الأربعة من دخله.
ويروي المتحدث يومياته بقناعة ممزوجة بمرارة تفضحها كلماته: "أقضي معظم وقتي خارج بيتي، ولا أعود إليه إلا مرة كل خمسة أيام أو حتى أسبوع وأحيانا بعد أسبوعين، وكثيراً ما أشعر بأنني نزيل يدخل غرفة فندق ليستريح ويواصل الرحلة".
ويضيف "هذه الرحلة التي فرضها علي القوت اليومي في غياب أي بدائل، فهنا لا شيء في الأفق، صحراء من الجانبين، وحرارة مرتفعة قد تتجاوز الخمسين درجة مئوية، وفي شهر الصيام تصبح أشد وأقوى".
الكثيرون يفضلون أخذ إجازات خلال الشهر الفضيل، برأي المتحدث، مضيفاً أن زملاءه في نفس العمل "يفضلون البقاء في البيوت في جو المكيفات الهوائية إن أتيحت لهم، لكن المهم البقاء في الظل وبعيداً عن الشمس الحارقة".
في المقابل، لا يجد عمال آخرون ارتبطوا بعقود مؤقتة مناصا من العمل لأكثر من عشر ساعات في اليوم أو أكثر، فنقل البضائع يتوقف على إنهاء المهمة في الصحراء الجزائرية، والوصول إلى نقاط التفريغ، التي قد تبعد عن عاصمة ولاية بشار مئات الكيلومترات، وهو ما يعني أن العامل مطالب بالصبر والعمل، وانتظار انخفاض درجات الحرارة.
تفرض لقمة العيش على الحاج عمر وغيره من العمال الذين يكدون من أجل الأسرة أن يواصلوا عملهم بدون كلل أو ملل، فيما يجد البعض ذلك مستحيلاً في عزّ رمضان. وتؤكد بعض الشهادات لـ"العربي الجديد"، أن الكثيرين اضطروا إلى عدم إكمال الصوم والإفطار في حرارة مرتفعة جداً، وهناك من دخل المستشفى بسبب ضربات الشمس الحارقة، فيما يضطر البعض إلى أخذ إجازات مرضية، تفادياً لأي مضاعفات صحية.
ارتفاع درجة الحرارة بالتزامن مع شهر الصيام، يفاقمه عدم توفر الكثير من الأسر على مكيفات كهربائية، إذ يعتمدون وسائل تقليدية وبسيطة لتبريد الماء كوضعه في "قربة"، وهي كلمة شعبية محلية في الجنوب تعني قنينة كبيرة مصنوعة من الفخار ومغلفة بخيوط قوية تمنع الحرارة وتبقي الماء بارداً لمدة طويلة، خصوصا إن كان من مياه الآبار الجوفية، وهي طريقة يستعملها الكثيرون في بيوتهم في الجنوب الجزائري.
ظروف مزرية يعيشها السكان المحليون في عدد من الولايات الجزائرية في الصحراء الكبرى، فالوضع هناك لا يتيح لهم الرفاهية حيث الصحاري والزوابع الرملية والغبار، التي تمنع عنهم الخروج من مساكنهم نهاراً، لتعود الحياة إليها تدريجياً بعد موعد الإفطار، بحيث تصبح المقاهي ملجأ الكثيرين.
علي سعدي، شاب من منطقة تيمياوين الحدودية يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك مشاكل كثيرة، فالماء أحياناً لا يصل إلى الصنابير لمدة تزيد عن شهر أو شهرين، لكن السكان تكيفوا مع الوضع ويستعملون مياه الآبار التي يحفرونها، كما تكيفوا مع الحرارة التي صارت من يومياتهم".
ويضيف "بل أكثر من ذلك، فالصوم في مثل هذه الحرارة بات عادياً، لكن الصورة التي يمكن إطلاقها على سكان الجنوب الجزائري خلال هذا الشهر أنهم يعيشون حظر التجول في عز الصوم".