20 نوفمبر 2024
الحب الحقيقي
قالت لي: هدّدني زوجي، وبعد عِشرة ثلاثين سنة، أنه في حال بقاء أثر حرقٍ على ساقي، بسبب انسكاب الطعام الساخن فوقه، سوف يتزوج امرأة أخرى. تحدثت بخوف وتربص، لأن زوجها يهمه كثيراً مظهرها، وجمالها الذي تحرص على العناية به، على الرغم من فقرها، فتقتنص قروشاً قليلة، لتعيد صبغ شعرها كل فترةٍ، بحيث لا تترك الفرصة للشعيرات البيضاء التي غزته أن تظهر لعيني زوجها، ولا تتوقف، حسب طلبه، عن وضع المساحيق على وجهها، حتى في أيام حدادها على والدها. ولكن تهديده الأخير لها أزاح الستار عن حقيقةٍ مؤلمةٍ أمام عينيها، وهي أن زوجها يحب جمالها وشبابها الذي يوشك أن يولي، أما هو فقد ترك يد الزمن تعبث بمظهره كيفما تشاء، بعد أن تجاوز الستين بقليل.
إذا كانت هذه المرأة قد أصيبت بتشوّهٍ بسيط، وظهر موقف زوجها الذي عاشرته عمراً، وذهلت بأن الميثاق الذي بينهما لم يكن غليظاً، واعترفت لي بقولها، جزى الله الشدائد التي تكشف الحقائق، وذكرت بتهكّمٍ موجعٍ مثلاً شعبياً تردّده الجدّات بصدق، وهو أن "زوجي يحبني قوية، وأهلي يحبوني غنية"، ويعني أن الزوج يظلّ على وفائه للزوجة حتى تمرض، فيبدأ بالانسحاب التكتيكي، وانتقاء العروض والبدائل التي أمامه، خصوصاً حين يتوفر لديه المال، ويؤيده المجتمع الذكوري المنحاز له، ويتذكّر فجأة أن الإسلام قد حلل له أربع نساء، وأنه يخشى على نفسه من الفتنة.
وبمناسبة أن شهر أكتوبر هو الوردي لمحاربة السرطان، فقد خلص استطلاع شمل 600 امرأة مريضة بالسرطان في غزة أن 38% منهن طلقهن أزواجهن، بسبب إصابتهن بالمرض العضال، وقد تناسى أزواجهن أيام العشرة والأولاد الذين يربطون بينهما، وأن هذه الزوجة كانت، في يوم من الأيام، قويةً وجميلةً، وبصحة وعافية. هذا الاستطلاع صادم بجعلنا نتوقف طويلاً، ونسأل أنفسنا: ما الذي يجمع بين الزوج والزوجة؟ أو متى ينتهي الحب بينهما؟ الإجابة أسهل مما نتصور، وهي أن من يقدم على طلاق زوجته، بمجرد أن تقع طريحة الفراش لم يكن يحبها، ويضرب بكل المعايير والأخلاق عرض الحائط، وأنه قد تزوج بآلة يقرّر أن يلقيها جانباً، بمجرّد أن تصاب بالعطب، ولا يفكر بمحاولة إصلاحها، ويكون بذلك قد قتلها، قبل أن يفتك بها السرطان اللعين.
يؤكّد علماء النفس أن المرض هو المحكّ الأول لاختبار إخلاص الشريك، وإن كان سيبقى حتى النهاية مع شريكه، وإذا كان التاريخ قد حفل بقصص ومواقف الجحود، فهو، أي التاريخ، لم يخلُ من المواقف المضيئة لأزواجٍ وقفوا إلى جوار زوجاتهم، حتى النهاية، في صراعهم مع أكثر الأمراض فتكاً بالبشر بعد الإيدز، حيث يفتك سرطان الثدي بحوالي مليون امرأة. عالمياً، وإن كانت نسبة الشفاء منه تصل إلى 90% في حال التشخيص المبكّر، كما أن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في تقدّم الشفاء.
ومن المواقف المضيئة في هذا الشأن موقف زوج الكاتبة والإعلامية الراحلة، فوزية سلامة، والتي كتبت عنه في مذكراتها الأخيرة، وهي تصارع السرطان، أنها كانت تبحث عنه في الليل، فلا تجده في السرير المجاور في غرفتها في المستشفى، حتى اعترف لها أنه يقضي الليل قائماً يصلي ويدعو الله أن يمنّ بالشفاء عليها. وفي غزة التي تفتقر لمستشفى متخصص لعلاج السرطان، أطلق أحد المهندسين حملة لإنشاء مستشفى لمرضى السرطان، سيكون الأول من نوعه في غزة، وذلك بعد إصابة زوجته وأم أولاده بهذا المرض في عام 2009، وقد ظل هذا الزوج وفياً لزوجته سبع سنوات، وهو يرعاها ويرعى أبناءه، ويبذل كل جهده لإنجاح حملته، وإن كانت الزوجة قد توفيت قبل شهرين، إلا أن الحملة مستمرة، ونأمل أن تجد من يدعمها من أجل آلاف المرضى المحاصرين، ومن أجل هذا الزوج الوفي والمخلص، وليأخذنا الأمل إلى أبعد من ذلك بأن يطلق اسم الزوجة على المستشفى الحلم.
إذا كانت هذه المرأة قد أصيبت بتشوّهٍ بسيط، وظهر موقف زوجها الذي عاشرته عمراً، وذهلت بأن الميثاق الذي بينهما لم يكن غليظاً، واعترفت لي بقولها، جزى الله الشدائد التي تكشف الحقائق، وذكرت بتهكّمٍ موجعٍ مثلاً شعبياً تردّده الجدّات بصدق، وهو أن "زوجي يحبني قوية، وأهلي يحبوني غنية"، ويعني أن الزوج يظلّ على وفائه للزوجة حتى تمرض، فيبدأ بالانسحاب التكتيكي، وانتقاء العروض والبدائل التي أمامه، خصوصاً حين يتوفر لديه المال، ويؤيده المجتمع الذكوري المنحاز له، ويتذكّر فجأة أن الإسلام قد حلل له أربع نساء، وأنه يخشى على نفسه من الفتنة.
وبمناسبة أن شهر أكتوبر هو الوردي لمحاربة السرطان، فقد خلص استطلاع شمل 600 امرأة مريضة بالسرطان في غزة أن 38% منهن طلقهن أزواجهن، بسبب إصابتهن بالمرض العضال، وقد تناسى أزواجهن أيام العشرة والأولاد الذين يربطون بينهما، وأن هذه الزوجة كانت، في يوم من الأيام، قويةً وجميلةً، وبصحة وعافية. هذا الاستطلاع صادم بجعلنا نتوقف طويلاً، ونسأل أنفسنا: ما الذي يجمع بين الزوج والزوجة؟ أو متى ينتهي الحب بينهما؟ الإجابة أسهل مما نتصور، وهي أن من يقدم على طلاق زوجته، بمجرد أن تقع طريحة الفراش لم يكن يحبها، ويضرب بكل المعايير والأخلاق عرض الحائط، وأنه قد تزوج بآلة يقرّر أن يلقيها جانباً، بمجرّد أن تصاب بالعطب، ولا يفكر بمحاولة إصلاحها، ويكون بذلك قد قتلها، قبل أن يفتك بها السرطان اللعين.
يؤكّد علماء النفس أن المرض هو المحكّ الأول لاختبار إخلاص الشريك، وإن كان سيبقى حتى النهاية مع شريكه، وإذا كان التاريخ قد حفل بقصص ومواقف الجحود، فهو، أي التاريخ، لم يخلُ من المواقف المضيئة لأزواجٍ وقفوا إلى جوار زوجاتهم، حتى النهاية، في صراعهم مع أكثر الأمراض فتكاً بالبشر بعد الإيدز، حيث يفتك سرطان الثدي بحوالي مليون امرأة. عالمياً، وإن كانت نسبة الشفاء منه تصل إلى 90% في حال التشخيص المبكّر، كما أن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في تقدّم الشفاء.
ومن المواقف المضيئة في هذا الشأن موقف زوج الكاتبة والإعلامية الراحلة، فوزية سلامة، والتي كتبت عنه في مذكراتها الأخيرة، وهي تصارع السرطان، أنها كانت تبحث عنه في الليل، فلا تجده في السرير المجاور في غرفتها في المستشفى، حتى اعترف لها أنه يقضي الليل قائماً يصلي ويدعو الله أن يمنّ بالشفاء عليها. وفي غزة التي تفتقر لمستشفى متخصص لعلاج السرطان، أطلق أحد المهندسين حملة لإنشاء مستشفى لمرضى السرطان، سيكون الأول من نوعه في غزة، وذلك بعد إصابة زوجته وأم أولاده بهذا المرض في عام 2009، وقد ظل هذا الزوج وفياً لزوجته سبع سنوات، وهو يرعاها ويرعى أبناءه، ويبذل كل جهده لإنجاح حملته، وإن كانت الزوجة قد توفيت قبل شهرين، إلا أن الحملة مستمرة، ونأمل أن تجد من يدعمها من أجل آلاف المرضى المحاصرين، ومن أجل هذا الزوج الوفي والمخلص، وليأخذنا الأمل إلى أبعد من ذلك بأن يطلق اسم الزوجة على المستشفى الحلم.