الحاج فيروز... أسطورة النوروز التي تخبو في إيران

18 مارس 2017
يرتدي الأحمر ويلوّن وجهه بالأسود (بهروز مهري/ فرانس برس)
+ الخط -

الحاج فيروز أو "حاجي فيروز" لطالما حمل أسطورة عيد النوروز في إيران وحماها على مدار آلاف السنين. هذه الشخصية الفولكلورية تخبو شيئاً فشيئاً.

لا يمثل عيد النوروز، الذي يبدأ فصل الربيع معه، رأس السنة الفارسية الشمسية الجديدة فقط بالنسبة إلى الإيرانيين، بل يحتل مكانة العيد الأهم لديهم بلا أيّ منازع منذ آلاف السنين. هو عيد يحمل في كلّ تفاصيله ورموزه معاني مرتبطة بالطبيعة، التي تبدأ بالتجدد مع لحظة الانقلاب الربيعي فلكياً، والتي توافق هذا العام بعد غد الاثنين 20 مارس/ آذار في تمام الساعة الواحدة و58 دقيقة و40 ثانية ظهراً، ليدخل الإيرانيون فيها عام 1396.

مهمة التبليغ والإعلان عن اقتراب هذه اللحظة التي تعني أنّ كلّ شيء في هذا الكون سيتحرك نحو التجدد، تقع على عاتق شخصية أسطورية أصبحت بمرور الوقت مرتبطة بالفولكلور الإيراني، هي شخصية الحاج فيروز أو كما تلفظ بالفارسية "حاجي فيروز" وأحياناً "خواجة فيروز".

الشخصية التي تظهر في شوارع البلاد بأصحابها النحيلين الذين يرتدون الأحمر، ويلونون وجوههم بالأسود، تبدو في الظاهر محتفظة بكلّ عناصرها كأنّ السنوات الطويلة لم تغيّرها، لكنّ الحاج فيروز لم يعد يحمل المعاني الأسطورية نفسها بالنسبة للإيرانيين اليوم.

اعتاد الجميع خروج الحاج فيروز قبل أن تدق رأس السنة الشمسية ساعتها. يبلغ فيروز الناس أنّ الربيع على درب عودته، من خلال أهازيج وأغانٍ شعبية يرددها ويعزف ألحانها على دف صغير في يده أو طبلة.

ترتبط هذه الشخصية بأسطورة "سياوش" أحد ملوك إيران القديمة. وهو الذي تجد رسماً له في كتاب الشاهنامه، كتاب الملاحم الفارسية للحكيم أبو القاسم الفردوسي. وتعني "سياوش" صاحب الحصان الأسود، الذي كان ذا وجه حسن وكان معروفاً بشجاعته وبطولاته. تروي بعض الحكايات أنّه ذهب يوماً إلى باطن الأرض، عالم الأموات والظلام، ومات في ذلك المكان، لكنّه روى بدمائه الأرض القاحلة لتنبت الزرع من جديد، مع بداية الربيع، ليصبح الحاج فيروز بعدها تجسيداً لهذه الشخصية.




يقال كذلك إنّ "سياوش" عاد إلى الحياة في شكل نبات، أو بهيئة شخصية ثانية، لكنّ الطلاء الأسود الذي تضعه شخصية الحاج فيروز على وجهها، في كلّ الأحوال، يعني العودة من أرض الموتى، أما لون الرداء الأحمر فيمثل لون الدم. وبذلك، يعني مجيئه عودة الربيع.
أسطورة أخرى أقدم تروي أنّ هذه الشخصية مرتبطة بالإله تموز، أو دوموزي، أحد حراس بوابة السماء والمسؤول أصلاً عن دورة الفصول. هو إله المزارع والحظائر، العاشق للإلهة عشتار، إلهة الحبّ والجمال عند البابليين المسماة بأسماء أخرى في كلّ حضارة.

ينزل تموز إلى أعماق الأرض في أحد الأيام، وفق الباحث في الأساطير الإيرانية مهرداد بهار، الذي كتب في مؤلفاته أنّ دخول تموز إلى باطن الأرض ينهي الحياة على سطحها فيصيبها القحط والجفاف ولا تخضرّ شجرة ولا نبتة بعدها. وهو ما يتسبب في حزن بقية الآلهة التي تقرر إعادته وإرسال بديل عنه إلى العالم السفلي، فيقع الخيار على من يسمى اليوم فيروز. وعندما يعود تموز من العالم السفلي المظلم والأسود تدبّ الحياة على الأرض مجدداً، وتقام مراسم النوروز احتفالاً بعودته وبعودة الإشراق والتوهج إلى الطبيعة.

كذلك، تنقل الباحثة كتايون مزدابور، في أحد مؤلفاتها، أنّ تموز يتزوج بأناهيتا إلهة الحرب والحبّ والخصب في أساطير إيران القديمة، وهي التي تدخل إلى أعماق الأرض لتعبر سبع بوابات لتصل إلى إلهة أخرى يقال إنّها أختها، لكنّها على عكسها تقطن في الظلام. الأخت الإلهة توصي حراسها بأن ينتزعوا كلّ ما تملكه أناهيتا كلّما عبرت بوابة من البوابات نحوها، وهو ما يؤدي إلى الجفاف، فيذهب اللون الأخضر عن الأرض، ويقرر أتباع أناهيتا إعادتها إلى الأرض وإرسال تموز نصف فترة العام بدلاً منها.

يدلّ الحاج فيروز، بكلّ ما تحمله الشخصية من تفاصيل، على معانٍ ورموز مرتبطة بهذه الأساطير، لكنّه في كلّ الأحوال هو من يحمل مهمة التبشير بحلول الربيع، بوجهه الأسود ولونه الذي يشبه لون الشمس كما يقول البعض، الشمس التي ستعيد الحياة والدفء إلى الأرض.

في كتاب "مدينة كالجنة" لسيمين دانشور، فإنّ الحاج فيروز جزء لا يتجزأ من طقوس النوروز الربيعية. لكنّ معاني الرموز الخاصة به تتحرك نحو الزوال والاختفاء في الوقت الراهن، فلا يعرف عدد كبير من الإيرانيين ما الذي تعنيه هذه الشخصية بالرغم من أنّهم يحرصون على الاحتفاظ بموروثهم الثقافي، ويحيون أعيادهم بناء عليها.

وبإمكان المارة في الشوارع الإيرانية اليوم أن يشاهدوا شخصية الحاج فيروز، لكنّ من يمثلها ويرتدي ملابسها الحمراء هم من الباعة الجوالين أو المتسولين، وهو ما يدفع كثيرين إلى مطالبة السلطات بالحفاظ على هذا الإرث الجميل المحفوظ في ذاكرة التاريخ ومنع التلاعب بصورته.


دلالات