الجيش العراقي.. بناء على رمل

29 سبتمبر 2014
عجز الجيش العراقي عن مواجهة "داعش" (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
أثبتت الأزمة الأخيرة التي تعصف بالعراق، هشاشة مؤسسته العسكرية، التي كانت تُعدّ قوة يُحسب لها الحساب، وبعدما كان الجيش العراقي في المرتبة الخامسة عالمياً قبل حلّه بعد الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، بات اليوم مهدداً بالتفكك في أول اختبار يمرّ به، وذلك بعد مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

وبصرف النظر عن كيفية بناء الجيش العراقي واعتماد الأسس الطائفية في تركيبته، فإن الموازنة "الخيالية" التي صُرفت على المؤسسة العسكرية العراقية بعد العام 2003، تكشف عن مدى حجم الفساد، في مؤسسة تُعتبر ركيزة أساسية لبناء الدول.

وعادة تبقى المبالغ التي صُرفت على الجيش العراقي مجرّد تخمينات فقط، فالأرقام متضاربة ولا أحد يعلم حجم الصرف الحقيقي على هذه المؤسسة.

وكشف تقرير "سري للغاية" صادر عن وزارة الدفاع، أن "مجموع ما خصصته وزارة المالية لها ضمن موازنة العام 2014 يبلغ حوالي 165 مليون دولار، في حين أنّها طلبت موازنة بقيمة 280 مليوناً". وكشف التقرير المُعنون إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عن أن العجز المتوقع في موازنتها قد يصل إلى 70 في المئة.

ولا يزال الغموض يكتنف غمار الأرقام التي هدرت لـ"بناء" الجيش بعد 2003، لأن الغموض ما زال يكتنفها، وبقيت غالبية ملفاتها سرّية، على الرغم من فساد بعضها، كصفقة الأسلحة الروسية التي تكتّمت عليها الجهات المسؤولة ولم يحاسب أحد بسببها.

وجاء هجوم "داعش" على بلاد الرافدين، في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، ليُكشف عن ضعف الجيش مقارنة بما كان عليه في السابق.

وبحسب تقرير نشره موقع التصنيف الأميركي "غلوبل فاير باور"، فإن الجيش العراقي حلّ في المرتبة الثامنة عربياً، والـ68 عالمياً من ضمن 106 دول أُدخلت في التصنيف.

وبالنظر إلى أسباب هذا التراجع، فإن المؤسسة العسكرية العراقية، منذ الاحتلال الأميركي للبلاد وحتى الآن، شهدت هروب كبار قادتها وحتى وزرائها لأسباب عديدة، غالبيتها مرتبط بفضائح فساد وسرقات، فضلاً عن هروب قسم منهم في إثر هجوم "داعش".

وكان الوزير الأسبق للدفاع والمتهم بقضايا فساد، حازم الشعلان، هو أول الهاربين، تلاه الوزير عبد القادر العبيدي، المتهم بقضايا فساد أيضاً. كما هرب أيضاً أربعة من كبار قادة الدفاع لأسباب مماثلة، وتبعهم فيما بعد قائد "الفرقة 17" اللواء الركن ناصر الغنام، والذي تربطه برئيس الوزراء السابق نوري المالكي علاقات حميمة.

كما سجل المشهد الأخير هروب كبار ضباط الجيش، منها محاولة هروب قائد عمليات "صلاح الدين" الفريق علي الفريجي، لاتهامه بمجزرة "سبايكر" التي راح ضحيتها 1095 جندياً، قبل ثلاثة أشهر، لكن سلطات الطيران أوقفته في المطار.

ويتوارى عن الأنظار داخل البلاد ضباط كبار في الجيش، منهم قائد القوات البرّية الفريق الأول الركن علي غيدان، والفريق الأول الركن عبود كنبر، وقائد عمليات نينوى الفريق مهدي الغراوي، الذين هربوا من ساحة القتال قبل جنودهم، إبان دخول تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى الموصل. وبذلك سجلّت المؤسسة انحداراً خطيراً في تاريخها. 

وبعد تضعضع الجيش، تحدث المالكي، عن البدء بتشكيل جيش رديف، وغضّ الطرف عن المبالغ الطائلة التي صُرفت على الجيش وملفات الفساد التي قد تطيح بقيادات عليا في حال تم التحقيق معها.

كما أن الجيش العراقي عجز عن الصمود بوجه "داعش"، ما فتح الباب أمام تدخل الولايات المتحدة من جديد في العراق، عبر توجيه ضربات جوية للتصدّي لزحف التنظيم.

غير أنّ الولايات المتحدة، التي شكّلت تحالفاً لمواجهة "داعش"، رفضت هي الأخرى زجّ قواتها البرّية في الحرب، واكتفت بتوجيه الضربات الجوية، معتمدةً على قوات "البشمركة" الكردية على الأرض، تاركة الجيش العراقي خلفها.

وعلى الرغم من إعلان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال زيارته الأخيرة لبغداد، أنّه سيتم إعادة هيكلة الجيش العراقي وتدريبه من خلال استراتيجيات عدة وبمساعدة دول أخرى وليس الولايات المتحدة وحدها، غير أنّه لم يوضح خطته الجديدة، في الوقت الذي يؤكد فيه كيري وغيره من المسؤولين الأميركيين مراراً أن قوات بلادهم لن تعود إلى العراق.

المساهمون