فجأة تراجعت أخبار خفر السواحل التي تطرد المهاجرين في البحر المتوسط، وخفتت أصوات العنصرية ضد المهاجرين في إيطاليا وفرنسا، وظهر أن التاريخ المشترك بين دول، مثل إيطاليا وإسبانيا وتونس والجزائر والمغرب وليبيا ومصر ومالطا، لا تمحوه العنصرية الجديدة.
و"ليس لنا إلا بعضينا"، على حد تعبير المصريين. هذا ما أثبته كورونا. فرغم قلة الحيلة، وحاجة كل دولة في العالم إلى كل ممرض وطبيب فيها، وأنها استدعت أطباءها المتقاعدين لحاجتها إليهم، إلا أن تونس أصرت، بمبادرة من الرئيس قيس سعيد، على أن ترسل بعثة طبية إلى إيطاليا لمعاضدة جهود الأطباء هناك في مقاومة تفشي فيروس كورونا. وتضم البعثة أطباء وممرضين متطوعين مختصين في التخدير والإنعاش والأمن البيولوجي. وقال سعيد، لنظيره الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، إن تونس ترسل هذا الوفد الطبي لمعاضدة جهود السلطات الإيطالية، على الرغم من تواضع الإمكانات المتوافرة في تونس، لأن الوضع اليوم يتعلق بالأمم كلها، لا بدولة واحدة.
وتأكد المشهد في فرنسا، عندما زار الرئيس إيمانويل ماكرون مدينة مرسيليا للقاء البروفيسور الذي يدور حوله جدل كبير هذه الأيام، ديدييه راوولت، المدافع عن استخدام مادة الهيدروكسي كلوروكين لمعالجة مرضى فيروس كورونا. وتفاجأ الرئيس الفرنسي بشدة حين سأل الباحثين في فريق عمل البروفسور عن جنسياتهم، إذ ظهر أن معظمهم لا يتحدرون من أصول فرنسية، وأنهم ينتمون إلى بلدان عربية وأخرى أفريقية. وكانت الإجابات صارخة: أنا من المغرب، والجزائر، وتونس، ولبنان، ومالي، وبوركينا فاسو، والسنغال.
لن نعود إلى سرقة العقول والخبرات الشابة في هذه البلدان، فقد شهدت تونس مثلاً موجة هجرة غير مسبوقة للأطباء والمهندسين إلى فرنسا. وتسير أميركا هذه الأيام على المنوال نفسه، وتستعد لفتح حدودها أمام الخبرات الطبية من كل أنحاء العالم لمواجهة محنتها. ويبدو أن الرئيس دونالد ترامب سيخفي جداره العنصري، وستختفي عن وجهه علامات العنجهية المفرطة حيال المهاجرين في هذا الوقت، ولن تجد زعيمة "التجمع الوطني" في فرنسا مارين لوبان ما تقوله أمام الحقيقة الصادمة التي كشفها الفريق الذي يقود الحرب ضد كورونا في فرنسا، لأن الإنسان هو الإنسان. فيما ستصمت أصوات اليمين الإيطالي المتطرف أمام الجيش الأبيض المتوسط.