للعلاقة التونسية ـ الليبية أبعاد خاصة، تتعلّق بالجنوب التونسي، الذي يُعدّ تاريخياً، حديقة خلفية ومجالاً حيوياً للتفاعلات الليبية. كما يشهد التاريخ لجزيرة جربة، بأنها كانت حاضنة لقاء الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والعقيد الليبي معمّر القذافي، في يناير/كانون الثاني 1974، الذي أسس لوحدة مؤقتة بين البلدين، استمرت 48 ساعة فقط، وكان إلغاؤها سبباً لاندلاع ما سُمي "أحداث قفصة" في الجنوب التونسي في ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن يصل معها التوتر إلى حدّه الأقصى آنذاك بين البلدين.
ثنائية العلاقات التونسية الليبية من جهة والجنوب التونسي من جهة أخرى تواصلت، لتتحول في السنوات الأخيرة، إلى ملاذ لحوارات ليبية ليبية برعاية تونسية ودولية. وباتت جزيرة جربة ومدينة جرجيس السياحيتان بالجنوب الشرقي، موصوفتين بـ"طرابلس الثانية" بالنظر إلى اللقاءات المتكررة التي تجمع أطرافاً ليبية لمناقشة مسائل وقضايا تهم الشأن الليبي.
وأشار الناشط الحقوقي ورئيس فرع "المعهد العربي لحقوق الإنسان" في الجنوب، مصطفى الكبير، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المعهد يؤطر اجتماعات ولقاءات ليبية ليبية، تستهدف بالأساس المجتمع المدني في الجانب الآخر من الحدود، في مسائل تهم العدالة الانتقالية ودور الجمعيات والمنظمات ومنظومة العمل الاجتماعي في ليبيا".
من جهته، قال مدير "المعهد العربي لحقوق الإنسان"، عبد الباسط بالحسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الدراسة أثبتت وجود عمل متنوع في ليبيا، تنقصه الخبرة في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية، التي تمكن المجتمع المدني الليبي من ضمان حضور قوي وفاعل في المشهد العام في بلاده".
وأضاف بالحسن أن "دور المعهد العربي لحقوق الانسان، يتمثل في بناء قدرات الجسم المدني، ليكون طرفاً بنّاءً في حلّ الأزمة، التي تمرّ بها ليبيا في هذه الفترة، على غرار ما حدث في تونس، حين تمكن الرباعي الراعي للحوار، من حلّ الأزمة السياسية التي اندلعت في تونس صيف 2013".
اقرأ أيضاً: الحكومة التونسية ترتّب أولوياتها: المخاطر الليبية والمطالب الاقتصادية
ويقول المحامي وعضو منظمة العفو الدولية في الجنوب التونسي، مصباح السالمي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الدراسة التي قدمها المعهد العربي لحقوق الانسان حول المجتمع المدني الليبي، هي نتاج لقاءات عدة نسّقها المعهد في الجنوب التونسي بين الأطراف الليبية، ولعمله أيضاً داخل الساحة الليبية، على اعتبار أن المعهد كان من المنظمات العربية القليلة التي باشرت مهمات ميدانية داخل الأراضي الليبية".
وأشار السالمي إلى أنه "أشرف على لقاءات ليبية ليبية في مدينة جرجيس، تطرقت إلى ملف العدالة الانتقالية وإنشاء منظومة قضائية متطورة ومواكبة للتحولات السياسية في هذا البلد". ونفى السالمي أي "صلة للقاءات بالنزاع السياسي والعسكري في ليبيا"، مؤكداً أن "تدخل المنظمات الحقوقية ينحصر في الجوانب المدنية والأهلية والقضائية، للمساعدة على إرساء منظومات قانونية وحقوقية ومدنية جديدة في ليبيا".
وعن احتمال مشاركة أطراف ليبية ضالعة في الأحداث الأمنية والسياسية في اللقاءات، بغطاء مدني أو حقوقي، أكد السالمي أن "كل الاحتمالات واردة، وهو عادة ما يثير مخاوف من الأطراف الإقليمية والدولية المشرفة على هذه اللقاءات، والتي قد تتخذ الإجراءات اللازمة في حال شاركت مثل هذه الأطراف في اللقاءات".
لكن هذه اللقاءات ليست "حاسمة" على ما يبدو، في ظلّ قيادة الأمم المتحدة عبر مبعوثها برناردينو ليون، الحوار الليبي، غير أنه يُمكن إدراجها في سياق الاعتبار من التنوّع السياسي الموجود في تونس، بغية إيجاد حلول للوضع في ليبيا، تستند إلى التجربة التونسية.
ويكشف أحد الناشطين في المجتمع المدني، وهو عسكري سابق، أن "لقاءً جمع أخيراً في تونس رجال أعمال من مدينة مصراتة الليبية، وأطرافاً تنتمي إلى قوات فجر ليبيا، مع شخصيات تونسية تمثل اتحاد الشغل وعمادة المحامين وسفير تونسي سابق في ليبيا، كان الهدف منه الحديث عن الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس".
وأضاف الناشط، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الاجتماع ليس الأول من نوعه"، مؤكداً "وجود مساعٍ جدية من أطراف عدة في ليبيا، لنقل أو استنساخ النموذج السياسي التونسي، وتوفير الأرضية الملائمة لنجاحه".
في السياق، كشف عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في برلمان طبرق، طارق صقر الجروشي، في صفحته على موقع "فيسبوك"، أن "لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، اجتمعت في تونس مع عدد من الشخصيات الأوروبية، أبرزها مستشار الدفاع في الاتحاد الأوروبي والسفير البريطاني في ليبيا، ومسؤولين بالسفارة الأميركية والايطالية والفرنسية والأمم المتحدة". ويؤكد هذا اللقاء وجود مساعٍ لجمع الأطراف الليبية، في حوار آخر موازٍ لحوار مدينة جنيف السويسرية.
وتستطيع تونس أن تكون طرفاً في صياغة الحلول للمسألة الليبية، لاعتبارات عدة، تبدأ من الموقع الجغرافي وتواجد أعداد كبيرة من الليبيين في تونس، بالإضافة إلى تنوّع المشارب السياسية فيها، التي تسمح في تقديم المساعدة على إيجاد وسطاء ورعاة تونسيين لمختلف الأطراف الليبية. ويرى مراقبون، من بينهم الناشط الحقوقي مصباح السالمي، أن "حياد تونس الرسمي، يُمكن أن يساعد البلاد على تأدية دور الوسيط لإنقاذ ليبيا مما هي فيه".
وبالنظر إلى حساسية الوضع الليبي، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، عادة ما تكون أية أنشطة ليبية ليبية في تونس، محاطة بعمل أمني واستخباراتي كبير، يضمن حمايتها وحماية المشاركين فيها، وخشية من أية انعكاسات أمنية على وجود هذه الأطراف السياسية الليبية في تونس.
وأكد مصدر أمني مطلع، لـ"العربي الجديد"، علم الأجهزة الأمنية بمثل هذه اللقاءات، "حتى لا تكون الأنشطة الحقوقية والمدنية بمثابة غطاءٍ لمسائل تمس بالأمن القومي التونسي، أو تجعل من تونس طرفاً في صراعٍ تسعى لأن تكون محايدة فيه وعلى مسافة واحدة من جميع الأطراف".
اقرأ أيضاً: المئات من المصريين عالقون على الحدود التونسية الليبية