07 اغسطس 2024
الجمهوريون وكابوس ترامب
تتحدث وسائل إعلام أميركية كثيرة عن كابوسٍ يعيشه قادة الحزب الجمهوري منذ الصيف الماضي، ومع بداية التنافس على منصب مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وذلك بسبب صعود حظوظ الثري الأميركي، دونالد ترامب، في أوساط الحزب ومؤيديه.
في بداية الأمر، ظن قادة الحزب أن حظوظ ترامب ضعيفة. لسببين، أولهما ضعف التزامه الحزبي، فالرجل لم يعرف بالتزامه الجمهوري، ولا بكونه محافظاً سياسياً. وثانيهما، شعور قادة الحزب بأن حظوظ ترامب ضعيفة، لقلة خبرته السياسية، ولأنه لم يكن يوماً من رموز الحزب، ولشخصية ترامب نفسها، والتي تبدو أقرب إلى شخصية نجوم الإعلام ومحترفي برامج التسلية والبرامج الحوارية.
وجاءت صدمة قادة الجمهوريين مع استمرار ترامب في السباق الرئاسي، واحتلاله حتى الآن، ووفقاً لاستطلاعات مختلفة، موقع الصدارة بين المرشحين الجمهوريين بنسبة تفوق 30%، وبفارق كبير أحياناً، يفوق عشر نقاط عن أقرب منافسيه، وهو السيناتور تيد كروز. لذا، يتطلع قادة الحزب الجمهوري إلى الأول من فبراير/ شباط، تاريخ بداية تصويت الجمهوريين في ولاية أيوا على مرشح الرئاسة، على أمل أن يفشل ترامب في ترجمة شعبيته في استطلاعات الرأي لأصوات حقيقية في صناديق اقتراع الحزب الجمهوري.
وتستغرق عملية الاقتراع داخل الحزب على مرشحه الرئاسي عدة أشهر وحتى صيف العام الحالي، وهذا يعني أن أمام ترامب فرصة لتعويض أي خسائر يتعرّض لها في انتخابات الولايات المبكرة، لكن قادة الحزب الجمهوري يأملون في أن يتعرّض ترامب لخسائر مفاجئة قوية، تقنعه بالخروج من السباق الرئاسي الذي يحتل صدارته حاليا.
أما سبب مخاوف الجمهوريين قبل غيرهم من ترامب، فنلخصها في التالي: أولا: كان الجمهوريون ينتظرون الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) باعتبارها فرصتهم للعودة إلى البيت الأبيض، بعد ثماني سنوات لحكم باراك أوباما. وفي ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس الأميركي، بمجلسيه وحكم أغلبية الولايات، سيعني فوز الجمهوريين في انتخابات الرئاسة المقبلة لهم الكثير، خصوصاً لو احتفظوا بأغلبية مقاعد مجلسي الكونغرس. أما خسارتهم الرئاسة فتعني مزيداً من سنوات التفرق والتيه، والاستمرار في المعارضة، والعجز عن وضع سياستهم موضع التنفيذ.
ثانياً: الانتخابات الرئاسية هي أيضا فرصة للبحث عن قيادةٍ يتجمع حولها الحزب، وتعيد تعريف أجندته، حيث يضع النظام الرئاسي الأميركي أهمية سياسية كبيرة في شخصية الرئيس والسلطة التنفيذية، على حساب المعارضة والكونغرس، كما تعاني الأحزاب الأميركية، بشكل عام، من ضعف مؤسسي، يجعلها أضعف من مرشحيها.
ترك الجمهوريون الرئاسة في 2008 في ظل سخط جماهيري واسع على سياساتهم، والتي
ارتبطت بأزمتين كبيرتين، هما حرب العراق والأزمة الاقتصادية الدولية. ومنذ ذلك الحين، وأوباما والديمقراطيون يرفعون شعارات إخراج أميركا من الأزمات التي قادها إليها بوش والجمهوريون، ولم يتمكن الجمهوريون من تطوير أجندة معارضة واضحة، إلا في معارضة سياسات أوباما ذات الأبعاد الاجتماعية، كالتأمين الصحي واللعب على وتر عدم الثقة فيه، وفي الجمهوريين، وكيف أنه أضعف أميركا على ساحة السياسة الخارجية.
ثالثاً: منذ خسارة المرشح الجمهوري، ميت رومني، أمام أوباما في 2012، والجمهوريون يبذلون جهوداً كبيرة في محاولة الوصول إلى الأقليات، وخصوصاً الأميركيين من أصول لاتينية والأفارقة الأميركيين، حيث تستمر نسبة الأقليات بين الناخبين الأميركيين في الارتفاع، ما يضعف من قدرة الجمهوريين على الفوز بالرئاسة، اعتمادا على أصوات الأغلبية البيضاء فقط، والتي ينقسم ولاؤها بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري.
ويمثل صعود ترامب تهديداً مباشراً لهذه الجهود، فترامب لم يكتف بعداء المسلمين فقط، لكنه أيضا هاجم المهاجرين، بصفة عامة، بمن فيهم المهاجرين من أصول لاتينية، حيث ربط بينهم وبين انتشار الجرائم في المجتمع الأميركي، كما هاجم ترامب النساء، ما يضع الجمهوريين في حرج كبير، فمجرد صعوده في أوساطهم يمثل تهديداً لعلاقتهم بتلك الأقليات المهمة.
رابعاً: تصريحات ترامب المسيئة بخصوص المسلمين والمهاجرين والنساء فضحت أزمة كبيرة داخل أروقة الحزب الجمهوري، فقد وصفت وسائل إعلام أميركية رئيسية هذه التصريحات بالمتشددة، بل وبالفاشية أحياناً، وقارنت مقالات في صحف كبرى بين ترامب وموسوليني. ومع ذلك، لم يتراجع دعم ترامب وسط الجمهوريين، وهذه علامة على وجود نسبةٍ لا يستهان بها من الجمهوريين والأميركيين الراضين عن مواقف ترامب، والتي يراها بعضهم أكثر تطرفاً من مواقف قادة أحزاب اليمين المتشدد في أوروبا.
وهكذا، بات ترامب يجسّد عمل الجمهوريين السيئ، والذي كانوا يحاولون إخفاءه بعيداً عن الأنظار، فبعضهم يرى أن ترامب نتاج مواقف الجمهوريين السلبية تجاه أوباما والأقليات، وفشلهم في تطوير بدائل سياسية جادة وأجندة واضحة للحزب، وتركيزهم المبالغ فيه على إثارة مخاوف البيض، منخفضي الحظوظ التعليمية وأصحاب التوجهات العنصرية والدينية المتشددة من المهاجرين والعولمة وقضايا الأمن. وترامب هو نتاج حالة فراغ سياسي مؤسفة في أوساط الجمهوريين، واستثمار مبالغ فيه للخوف والاستقطاب السياسي.
صعود ترامب هو تبلور لتيار يميني متشدد في أوساط الحزب الجمهوري، يضع قضايا المهاجرين والأقليات والعرق والثقافة والدين أولويةً، بعيداً عن البحث عن حلول حقيقية وجادة لمشكلات المجتمع الأميركي، فترامب لا يملك أجندة واضحة في معظم القضايا السياسية، فيما عدا تركيزه على شعارات فضفاضة، من باب إعادة أميركا "عظيمة" مرة أخرى، وإثراء الأميركيين بشكلٍ يغنيهم عن رفع الضرائب، وإصلاح نظام الضرائب وتسهيل إجراءاتهم وتدمير داعش، ناهيك عن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ومنع المسلمين من دخول أميركا، وتسجيل المسلمين الأميركيين في قوائم خاصة.
تلك المواقف لا تعبّر عن سياسات حقيقية، بل عن شعاراتٍ شعبويةٍ غاضبة، ويعبّر انسياق الجمهوريين خلفها عن فشل قادة الجمهوريين الحاليين في تطوير أجندة سياسات واضحة. لذا، لا نستغرب من أن السيناتور الجمهوري، تيد كروز، وأقرب منافسي ترامب على الترشيح للرئاسة الأميركية، أعلن عن مواقف سلبية من المسلمين كذلك، حيث أعلن عن رفضة تولي مسلم رئاسة الولايات المتحدة. بل تعاني مناظرات المرشحين الجمهوريين من تركيز مبالغ فيه من مختلف المرشحين على تخويف الأميركيين أمنياً واقتصادياً، وعلى تبني مواقف مسيئة ضد المسلمين من خلال الإصرار على استخدام مصطلحات مسيئة، كمصطلح "الإسلام الراديكالي"، ناهيك عن مواقف متشددة أيضاً ضد المهاجرين، والسعي إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتوجهات صراعية وانعزالية تجاه العالم.
أخيراً، يشعر قادة الحزب الجمهوري، كما تشير تقارير صحافية مختلفة، بأن ترامب لن يفوز بالرئاسة الأميركية، حتى لو فاز بترشيح الحزب الجمهوري بسبب مواقفه المتشددة التي سيرفضها الأميركيون في النهاية، وأن صعوده في أوساط حزبهم بهذا الشكل لن يقود إلا لتبعاتٍ سلبيةٍ عليهم وعلى سمعتهم وعلاقتهم بالأقليات، وقدرتهم على العودة إلى البيت الأبيض، والتوحد خلف قيادة جديدة وأجندة موحدة، بل إنه قد يهدد بانقسام الحزب الجمهوري نفسه بدعم صعود تيار يميني متشدد داخله، قد ينفصل عن الحزب في المستقبل، إذا لم يتمكن من جذب الحزب نحو مزيد من التشدد.
في بداية الأمر، ظن قادة الحزب أن حظوظ ترامب ضعيفة. لسببين، أولهما ضعف التزامه الحزبي، فالرجل لم يعرف بالتزامه الجمهوري، ولا بكونه محافظاً سياسياً. وثانيهما، شعور قادة الحزب بأن حظوظ ترامب ضعيفة، لقلة خبرته السياسية، ولأنه لم يكن يوماً من رموز الحزب، ولشخصية ترامب نفسها، والتي تبدو أقرب إلى شخصية نجوم الإعلام ومحترفي برامج التسلية والبرامج الحوارية.
وجاءت صدمة قادة الجمهوريين مع استمرار ترامب في السباق الرئاسي، واحتلاله حتى الآن، ووفقاً لاستطلاعات مختلفة، موقع الصدارة بين المرشحين الجمهوريين بنسبة تفوق 30%، وبفارق كبير أحياناً، يفوق عشر نقاط عن أقرب منافسيه، وهو السيناتور تيد كروز. لذا، يتطلع قادة الحزب الجمهوري إلى الأول من فبراير/ شباط، تاريخ بداية تصويت الجمهوريين في ولاية أيوا على مرشح الرئاسة، على أمل أن يفشل ترامب في ترجمة شعبيته في استطلاعات الرأي لأصوات حقيقية في صناديق اقتراع الحزب الجمهوري.
وتستغرق عملية الاقتراع داخل الحزب على مرشحه الرئاسي عدة أشهر وحتى صيف العام الحالي، وهذا يعني أن أمام ترامب فرصة لتعويض أي خسائر يتعرّض لها في انتخابات الولايات المبكرة، لكن قادة الحزب الجمهوري يأملون في أن يتعرّض ترامب لخسائر مفاجئة قوية، تقنعه بالخروج من السباق الرئاسي الذي يحتل صدارته حاليا.
أما سبب مخاوف الجمهوريين قبل غيرهم من ترامب، فنلخصها في التالي: أولا: كان الجمهوريون ينتظرون الانتخابات الرئاسية المقبلة (نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) باعتبارها فرصتهم للعودة إلى البيت الأبيض، بعد ثماني سنوات لحكم باراك أوباما. وفي ظل سيطرة الجمهوريين على الكونغرس الأميركي، بمجلسيه وحكم أغلبية الولايات، سيعني فوز الجمهوريين في انتخابات الرئاسة المقبلة لهم الكثير، خصوصاً لو احتفظوا بأغلبية مقاعد مجلسي الكونغرس. أما خسارتهم الرئاسة فتعني مزيداً من سنوات التفرق والتيه، والاستمرار في المعارضة، والعجز عن وضع سياستهم موضع التنفيذ.
ثانياً: الانتخابات الرئاسية هي أيضا فرصة للبحث عن قيادةٍ يتجمع حولها الحزب، وتعيد تعريف أجندته، حيث يضع النظام الرئاسي الأميركي أهمية سياسية كبيرة في شخصية الرئيس والسلطة التنفيذية، على حساب المعارضة والكونغرس، كما تعاني الأحزاب الأميركية، بشكل عام، من ضعف مؤسسي، يجعلها أضعف من مرشحيها.
ترك الجمهوريون الرئاسة في 2008 في ظل سخط جماهيري واسع على سياساتهم، والتي
ثالثاً: منذ خسارة المرشح الجمهوري، ميت رومني، أمام أوباما في 2012، والجمهوريون يبذلون جهوداً كبيرة في محاولة الوصول إلى الأقليات، وخصوصاً الأميركيين من أصول لاتينية والأفارقة الأميركيين، حيث تستمر نسبة الأقليات بين الناخبين الأميركيين في الارتفاع، ما يضعف من قدرة الجمهوريين على الفوز بالرئاسة، اعتمادا على أصوات الأغلبية البيضاء فقط، والتي ينقسم ولاؤها بين الحزبين، الديمقراطي والجمهوري.
ويمثل صعود ترامب تهديداً مباشراً لهذه الجهود، فترامب لم يكتف بعداء المسلمين فقط، لكنه أيضا هاجم المهاجرين، بصفة عامة، بمن فيهم المهاجرين من أصول لاتينية، حيث ربط بينهم وبين انتشار الجرائم في المجتمع الأميركي، كما هاجم ترامب النساء، ما يضع الجمهوريين في حرج كبير، فمجرد صعوده في أوساطهم يمثل تهديداً لعلاقتهم بتلك الأقليات المهمة.
رابعاً: تصريحات ترامب المسيئة بخصوص المسلمين والمهاجرين والنساء فضحت أزمة كبيرة داخل أروقة الحزب الجمهوري، فقد وصفت وسائل إعلام أميركية رئيسية هذه التصريحات بالمتشددة، بل وبالفاشية أحياناً، وقارنت مقالات في صحف كبرى بين ترامب وموسوليني. ومع ذلك، لم يتراجع دعم ترامب وسط الجمهوريين، وهذه علامة على وجود نسبةٍ لا يستهان بها من الجمهوريين والأميركيين الراضين عن مواقف ترامب، والتي يراها بعضهم أكثر تطرفاً من مواقف قادة أحزاب اليمين المتشدد في أوروبا.
وهكذا، بات ترامب يجسّد عمل الجمهوريين السيئ، والذي كانوا يحاولون إخفاءه بعيداً عن الأنظار، فبعضهم يرى أن ترامب نتاج مواقف الجمهوريين السلبية تجاه أوباما والأقليات، وفشلهم في تطوير بدائل سياسية جادة وأجندة واضحة للحزب، وتركيزهم المبالغ فيه على إثارة مخاوف البيض، منخفضي الحظوظ التعليمية وأصحاب التوجهات العنصرية والدينية المتشددة من المهاجرين والعولمة وقضايا الأمن. وترامب هو نتاج حالة فراغ سياسي مؤسفة في أوساط الجمهوريين، واستثمار مبالغ فيه للخوف والاستقطاب السياسي.
صعود ترامب هو تبلور لتيار يميني متشدد في أوساط الحزب الجمهوري، يضع قضايا المهاجرين والأقليات والعرق والثقافة والدين أولويةً، بعيداً عن البحث عن حلول حقيقية وجادة لمشكلات المجتمع الأميركي، فترامب لا يملك أجندة واضحة في معظم القضايا السياسية، فيما عدا تركيزه على شعارات فضفاضة، من باب إعادة أميركا "عظيمة" مرة أخرى، وإثراء الأميركيين بشكلٍ يغنيهم عن رفع الضرائب، وإصلاح نظام الضرائب وتسهيل إجراءاتهم وتدمير داعش، ناهيك عن ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، ومنع المسلمين من دخول أميركا، وتسجيل المسلمين الأميركيين في قوائم خاصة.
تلك المواقف لا تعبّر عن سياسات حقيقية، بل عن شعاراتٍ شعبويةٍ غاضبة، ويعبّر انسياق الجمهوريين خلفها عن فشل قادة الجمهوريين الحاليين في تطوير أجندة سياسات واضحة. لذا، لا نستغرب من أن السيناتور الجمهوري، تيد كروز، وأقرب منافسي ترامب على الترشيح للرئاسة الأميركية، أعلن عن مواقف سلبية من المسلمين كذلك، حيث أعلن عن رفضة تولي مسلم رئاسة الولايات المتحدة. بل تعاني مناظرات المرشحين الجمهوريين من تركيز مبالغ فيه من مختلف المرشحين على تخويف الأميركيين أمنياً واقتصادياً، وعلى تبني مواقف مسيئة ضد المسلمين من خلال الإصرار على استخدام مصطلحات مسيئة، كمصطلح "الإسلام الراديكالي"، ناهيك عن مواقف متشددة أيضاً ضد المهاجرين، والسعي إلى ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، وتوجهات صراعية وانعزالية تجاه العالم.
أخيراً، يشعر قادة الحزب الجمهوري، كما تشير تقارير صحافية مختلفة، بأن ترامب لن يفوز بالرئاسة الأميركية، حتى لو فاز بترشيح الحزب الجمهوري بسبب مواقفه المتشددة التي سيرفضها الأميركيون في النهاية، وأن صعوده في أوساط حزبهم بهذا الشكل لن يقود إلا لتبعاتٍ سلبيةٍ عليهم وعلى سمعتهم وعلاقتهم بالأقليات، وقدرتهم على العودة إلى البيت الأبيض، والتوحد خلف قيادة جديدة وأجندة موحدة، بل إنه قد يهدد بانقسام الحزب الجمهوري نفسه بدعم صعود تيار يميني متشدد داخله، قد ينفصل عن الحزب في المستقبل، إذا لم يتمكن من جذب الحزب نحو مزيد من التشدد.