والتحق الآلاف من المتظاهرين مبكراً بساحات وشوارع العاصمة، حتى قبل انقضاء صلاة الجمعة، للتعبير عن احتفاء شعبي بالغ بسجن ما يصفه المتظاهرون رموز "العصابة"، التي عاثت في البلاد فساداً خلال فترة حكم بوتفليقة، أبرزهم رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، اللذان أودعا السجن، ووزير التجارة السابق عمارة بن يونس.
وجدد المتظاهرون المطالب المركزية للحراك، المتعلقة بالرحيل الفوري لرموز نظام بوتفليقة من السلطة وحلّ حزب "جبهة التحرير الوطني"، والمطالبة باستكمال ملاحقة رموز الفساد وتوسيع الحملة إلى الولايات والمدن الداخلية.
ورفع متظاهرون صوراً لقائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وأعلنوا شكرهم لمواقفه الداعمة للقضاء، وللجيش الذي يحمي جهوداً قضائية لمكافحة الفساد وملاحقة وجوه سياسية ورجال أعمال يمثلون الذراع المالية لنظام بوتفليقة، وخاصة بعد القرارات التاريخية التي اتخذت خلال اليومين الماضيين.
لكن دعم الجيش والموقف منه ما زال يقسم الشارع والحراك الشعبي، إذ ما زال قطاع من المتظاهرين والناشطين يطالبون الجيش برفع يده عن الحلّ السياسي والتخلي عن التمسك برئيس الدولة بالفترة الانتقالية، عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، ورفع متظاهرون الشعار المركزي للحراك الشعبي "يتنحاو قاع" (فليرحلوا جميعاً) في إشارة إلى بن صالح وبدوي.
وانتقد متظاهرون عدم تحرك العدالة بالكيفية نفسها لمحاربة الفساد في الولايات، حيث يعم الفساد المالي ونهب الأراضي والعقارات، وانحصار حملة مكافحة الفساد في العاصمة فقط. وقال كريم بن غالية الذي قدم من ولاية الجلفة، 300 كيلو متر جنوبي العاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد"، إن "حجم الفساد في مدن وولايات الداخل، أكبر بكثير من ذلك الذي تشهده العاصمة، والشعب ينتظر أن يتحرك منجل محاربة الفساد في هذه الولايات".
وواصلت السلطات الجزائرية إغلاق ساحة البريد المركزي في وجه المتظاهرين لمنع استخدامها، بسبب ما تقول إنه تشققات أسفل سلالم مبنى البريد العتيق، وتخوفها على سلامة المتظاهرين، إضافة إلى إغلاق النفق الجامعي وسط العاصمة، الذي يربط بين ساحتي البريد المركزي وموريس أودان عبر شارعي مراد، لمنع المتظاهرين من القيام بمسيرة بين الساحتين.
ونشرت السلطات الجزائرية قوات أمنية كبيرة في وسط العاصمة، تحسباً لأيّ انزلاقات، وخاصة أن تظاهرات الجمعة الـ17 تتزامن مع الذكرى الـ18 لمسيرة 14 يونيو/ حزيران عام 2001، التي قادها الأمازيغ من مدن منطقة القبائل باتجاه العاصمة الجزائرية، في أعقاب الربيع الأسود والمواجهات الدامية في المنطقة بين السكان المحليين وقوات الدرك أدت إلى مقتل 167 شخصاً من السكان الأمازيغ.
واستباقاً لذلك عززت السلطات مراقبة المداخل الشرقية للعاصمة الجزائرية خاصة، لمنع وصول وتدفق متظاهرين قادمين من ولايات ومدن منطقة القبائل، وتسبب ذلك في تعطل كبير في حركة السير على هذا المحور المؤدي إلى داخل العاصمة الجزائرية.
ودعا ناشطون في الجمعيات الثقافية والسياسية الأمازيغية إلى التظاهر اليوم، ورفع متظاهرون الرايات الأمازيغية وصوراً لشهداء الربيع الأمازيغي الذين قتلوا في تلك الأحداث، وطالبوا بملاحقة المسؤولين السياسيين والأمنيين المتورطين فيها.
وفي مدن منطقة القبائل كتيزي وزو وبجاية، نظمت مسيرات شعبية حاشدة، تأكيداً لمطالب الحراك الشعبي، واحتفاءً بذكرى 2001، التي أجهضتها السلطات.