تلقى رياضة الجمباز إقبالاً من قبل الإيرانيات، على الرغم من أنّ أفق احترافها محدود، نظرا للقوانين والعادات الاجتماعية التي تقيدهن في مواصلة احتراف اللعبة.
في سنّ صغيرة، كما هي حال لاعبات الجمباز في كلّ أنحاء العالم، بدأت مطهرة نور محمدي تدريبها في أحد نوادي العاصمة الإيرانية طهران. حينها، كانت في الرابعة من عمرها. تخبر أنّ والدتها أحبّت الجمباز كثيراً، وأرادت ووالدها أن تستفيد طفلتهما من وقتها في فصل الصيف، فكانت دروس الجمباز خياراً مثالياً لهما وكذلك لها.
اليوم، تبلغ مطهرة الخامسة عشرة من عمرها وما زالت تمارس الجمباز الذي تحبّ. لكنّ تعرّضها لإصابة خلال التمرينات أخيراً، جعلها هذا العام تعمل كمساعدة لمدرّبتها في الصفوف الصيفية. وهو أمر يعني أنّها لاعبة متميّزة استطاعت في هذه السنّ تولّي هذه المهمة وهذه المسؤولية.
حبّ مطهرة للجمباز جعلها تجتهد كثيراً في التدرّب عليه، حتى أنّها شاركت في مسابقات محلية وحصلت على المرتبة الثالثة في مسابقات العام الماضي للفتيات على مستوى البلاد. لكنّها تعلم جيداً أنّ المستقبل لن يحمل لها الكثير في هذا المجال، فالفتيات في إيران يمارسن الجمباز حتى الثامنة عشرة فقط. هذه سنّ الاحتراف، عادة. لكنّ المحترفات منهنّ لا يستطعن المشاركة إلا في مسابقات محلية، ولا يستطعن تمثيل البلاد في مسابقات إقليمية أو عالمية. المشكلة الرئيسية ترتبط بلباس لاعبات الجمباز الذي لا يتناسب وقوانين الجمهورية الإسلامية. كذلك لا يستطعن خلال ممارستهنّ هذه الرياضة، ارتداء لباس إسلامي مناسب، وهو ما يجعل تحقيق أحلامهنّ بالوصول إلى ألقاب عالمية في هذا المجال أمراً صعباً.
وتشير مطهرة إلى أنّ لاعبات الجمباز ممن هنّ أكبر سناً، يجدن أنفسهنّ أمام ثلاثة خيارات. هنّ إمّا يتخلين عمّا يحببن، أو يحترفن رياضات أخرى، إذ إنّ الجمباز يساعد على امتلاك قدرة بدنية ومرونة جسدية عالية، أو يكملن تدرّبهنّ على الجمباز حتى يصبحن مدرّبات لفتيات أصغر سناً في صالونات مغلقة. ويبدو أنّ مطهرة سوف تختار الثالث، إذ "لا أستطيع تخيّل حياتي من دون ممارسة الجمباز". يُذكر أنّ أسماء رياضية بارزة من بين اللاعبات الإيرانيات المحترفات، اللواتي حصلن على ألقاب إقليمية وعالمية في رياضات مختلفة، بدأن مسيرتهنّ الرياضية بالجمباز.
وتعود رياضة الجمباز في إيران إلى نحو 80 عاماً، عندما أطلق مدرّب روسي دورات للجمباز في مدينة تبريز قبل أن ينتقل إلى العاصمة طهران. بعد ذلك، راح رياضيون إيرانيون ينظّمون دورات في هذه الرياضة. أمّا بالنسبة إلى الإناث، فمن المرجّح أنّ تكون الدورات الاحترافية الخاصة بهنّ قد انطلقت منذ أكثر من ربع قرن تقريباً. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ مستوى إيران اليوم في الجمباز متراجع نسبياً بالمقارنة مع دول العالم الباقية.
على الرغم من العراقيل التي تقف في وجه الإيرانيات وتطورهنّ في هذه الرياضة، إلا أنّ جمباز الفتيات مسجّل رسمياً في الاتحاد الرياضي، الذي ينظم مسابقات للرجال وللنساء على حدّ سواء، كلّ على حدة، فيما ينظّم صالونات للتدريب في الداخل. لكنّه لا يستطيع إرسال محترفاته للمشاركة في مسابقات الخارج.
ساناز درويش زادة هي ابنة جعفر درويش زادة، بطل من أبطال إيران في الجمباز. حالياً، هي تدير نادياً أسّسته عائلتها وتشرف على تدريب الفتيات فيه. تقول: "أسّس والدي هذا النادي في طهران، ونحن نعمل (كلّ أفراد العائلة) على منع هذه الرياضة من الاندثار. وذلك من خلال التشجيع على ممارستها وتنظيم دورات، لقاء بدلات زهيدة أو متوسطة". وقد تمكّنت درويش زادة من إحراز عدد من الألقاب المحلية مع تلميذاتها. بالنسبة إليها، "الجمباز رياضة مميّزة تبدأ مع الفتيات من سنّ الثالثة، وتحتاج إلى وقت وجهد كبيرَين وإلى قدرة على التحمّل والتركيز. وهذا ما يجعل فوائدها تنعكس إيجاباً على كلّ من يمارسها".
وتلفت درويش زادة إلى أنّ "محترفات إيران في الجمباز كنّ يشاركن في مباريات إسلامية خاصة ببعض الدول الإسلامية الإقليمية. لكنّ تلك المباريات توقفت قبل سنوات، لأسباب ترتبط ربما بالميزانية". يُذكر أنّ الاتحاد الرياضي والنوادي التي تشبه نادي عائلتها، تحرص على تطوير قدرات الأجيال في الجمباز وتنظيم مسابقات محلية لتمكين المحترفات في وقت لاحق من احتراف أنواع أخرى من الرياضات، تمكنهنّ من المشاركة في مباريات عالمية. والنساء الإيرانيات غالباً ما يحقّقن ألقاباً رياضية عالمية هامة.
وتوضح درويش زادة أنّ "عديدات هنّ اللواتي يشعرن بأن طموحهنّ لا ينتهي في الثامنة عشرة، لا سيما إذا كنّ قد أحرزن ألقاباً في الصغر، فيخترن احتراف رياضة أخرى. في الأمر فرصة لتطوير مستوى الرياضات الإيرانيات في ألعاب مختلفة". لذا تحاول التركيز ومدرّبات أخريات على هذه النقطة في محاولة للتشجيع على استمرار ممارسة الجمباز. وتسأل: "ما المانع من أن تهيئ هذه الرياضة الأرضية اللازمة للاحتراف في فروع أخرى؟".
إلى ذلك، تعمل درويش زادة على تقديم عروض مختلطة للصغيرات. وقد حصلت بالفعل على ترخيص من وزارة الثقافة لتقديم عرض خاص أخيراً، دمجت خلاله الجمباز والباليه. تقول: "إنّ في الأمر إبداعاً وتجدداً". من جهة أخرى، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ دور العائلة مهم في تطوير الفتيات الإيرانيات في رياضة الجمباز. فتشجيع الأمهات لبناتهنّ ومرافقتهنّ أمر يدفعهنّ إلى الاستمرار.