الجزيري لـ"العربي الجديد: أنا مهمّش..وهذا سر مواجهة اللاعب الإسرائيلي

01 مارس 2015
نجم التنس العربي مالك الجزيري (getty)
+ الخط -
خرج النجم التونسي، المصنّف الأول عربياً للتنس رجال، مالك الجزيري، عن صمته، وكشف العديد من الحقائق، من بينها غياب الدعم المادي الضروري لمواصلة تألقه في المحافل الدولية والدورات العالمية. كما أكد الجزيري أنه لا يحظى بالدعم الإعلامي الذي يعكس تصدّره للتنس العربي، ولم يخفِ حزنه العميق بسبب التهميش الإعلامي الذي يتعرض له.

الجزيري أسال كثيراً من الحبر في الأيام الأخيرة، وذلك بسبب رفضه مجدداً مواجهة لاعب إسرائيلي في دورة مونبيلي بفرنسا، ما استوجب فتح تحقيق في الأمر من الاتحاد الدولي للتنس.

أعتقد بأن موسم 2014 سيظل محفوراً في ذاكرتك، فقد حققت خلاله تقدماً كبيراً في التصنيف؟
الحمد لله وصلت إلى ترتيب متميّز، وتقدمت خطوات كبيرة، وخاصة أنني استعدت عافيتي، وأتممت الموسم في المركز 74 عالمياً، وأتصدر ترتيب لاعبي التنس العرب، ولكن طموحي أكبر من ذلك، وأحلم دائماً بالتقدم مراتب أخرى، وهذا ما نجحت في تحقيقه في بداية عام 2015، فقد وصلت إلى المركز 65 عالمياً.

وصولك إلى الدور الثالث في أستراليا كان إنجازاً تاريخياً؟
نعم، هو بالفعل إنجاز تاريخي، فأن يصل لاعب عربي إلى هذا الدور المتقدم في واحدة من أكبر بطولات العالم، أمر مشرّف للرياضة العربية عموماً، ولرياضة التنس بصفة خاصة، وشخصياً أنا سعيد بهذا الإنجاز الذي، ومع الأسف الشديد، لم يحظَ بتغطية إعلامية تتماشى معه، وأنا اعتدت على ذلك.

فزت على اللاعب الكازاخستانى ميخاييل كوكوشكين، المصنّف 66 عالمياً، بنتيجة ثلاثة أشواط لواحد بواقع 6-2 و6-3 و2-6 و7-6.

وكنت قد هزمت من قبل، أمام هذا اللاعب في أربع مناسبات، لكنني الحمد لله تمكنت من "الثأر" من منافسي، بعد مباراة بطولية بشهادة كل المراقبين.

ثم تمكنت من الفوز في الدور الثاني على حساب الفرنسي روجيه فاسلان، المصنف 119 عالمياً، الذي كان ترشح على حساب الإسباني تومي روبريدو بالانسحاب، وانسحبت من الدور الثالث أمام الأسترالي نيك كيرجيوس الذي وجد مساندة جماهيرية كبرى من الجماهير الأسترالية.

تقصد بأن هناك تقصيراً إعلامياً معك؟
للأسف، نعم، ويحزنني كثيراً أن أشاهد لاعبي تنس أتقدم عليهم في الترتيب، ومع ذلك يحضرون إلى البطولات مصحوبين بفريق إعلامي مختص في تغطية رياضة التنس، كما أن اللاعب المصنف الرابع أو الخامس في بعض البلدان يحظى بدوره بتغطية إعلامية رهيبة، أما أنا فكأنني أسكب الماء في الصحراء، وتخيّل أن الإعلام الفرنسي يكتب عني أكثر ممّا يكتب عني الإعلام التونسي والعربي بشكل عام، لهذا أنا حزين.

ولكنك في الأيام الأخيرة كنت محور اهتمام وسائل الإعلام؟
نعم، ليس بفضل إنجازاتي في أستراليا وتقدمي على مستوى التصنيف العالمي، ولكن بسبب عدم مواجهة لاعب إسرائيلي، ومثل هذه الموضوعات هي التي تحظى فقط باهتمام إعلامي، والجميع يريد أن يعرف حقيقة ما جرى.

أخبرنا إذاً بحقيقة ما جرى؟
(يبتسم ثم يجيب): كنت مصاباً، والاتحاد الدولي أكد ذلك.

هذه إجابتك للجنة التحقيق التي كلّفها الاتحاد الدولي بمعرفة الحقيقة؟
لديّ إجابة واحدة في كل الأحوال، وأنا أرفض لعب أدوار البطولة في مثل هذه المسائل، أذكر بأنني تعرضت للعقوبة في العام الماضي بسبب رفضي مواجهة لاعب إسرائيلي، وهذا العام في دورة مونبيلي لم أواجه كذلك لاعباً إسرائيلياً، وهذا الأمر أسال كثيراً من الحبر، ما دفع بالاتحاد الدولي إلى التدخل بشكل مباشر، وكلف لجنة للتحقيق في موضوع الإصابة، وازدادت شكوكهم بأنني ادّعيت الإصابة، وخاصة أنني انسحبت من مواجهة منافسي، وأنا متفوق عليه في الشوط الأول، وكان ذلك بعد أن علمت بأن اللاعب الإسرائيلي تفوق من جهة أخرى على منافسه وسيلاقيني في الدور القادم. المهم الآن أن الاتحاد الدولي أغلق الملف بشكل نهائي.

لماذا لا تحظى رياضة التنس في العالم العربي باهتمام إعلامي كبير، بحسب رأيك؟
التنس ثقافة، والبلدان التي تولي اهتماماً كبيراً بهذه اللعبة، هي دول لها تقاليد في هذه الرياضة، وتشجع الناس على تعاطيها، لأن التنس رياضة راقية جداً ولديها متابعون أوفياء، على غرار فرنسا وأميركا، والآن في البلدان الآسيوية أصبحت تحظى بشعبية كبرى، والبلد العربي الوحيد الذي يعتبر أفضل نسبياً على هذا المستوى، هو المغرب.

ربما لأن بعضهم يعتبر التنس رياضة الأثرياء؟
لا، ليس إلى هذا الحد. عندما تكون لاعباً هاوياً وتمارس هذه الرياضة، فليس في ذلك إشكال ولا يتطلب الأمر أموالاً كثيرة، لكن عندما تدخل الاحتراف، ويكون لديك طموح لبلوغ العالمية، فعندها فقط يتطلّب الأمر أموالاً، وهذا طبيعي، ففي كل رياضة تطمح خلالها إلى بلوغ العالمية يتطلب منك الأمر دفع أموال هامة، لأن التتويج والنجاح لا يأتي صدفة، وإنما بعد عمل كبير مع طاقم فني وطبي محترف، والمشاركة في دورات في كل أنحاء العالم، والقيام بتدريبات ومعسكرات خاصة، كل ذلك يتطلب أموالاً ومصاريف.

وهل تجد الدعم الكافي من المسؤولين عن الرياضة في بلدك؟
الدعم الذي أتلقاه من تونس يعتبر قليلاً جداً، ولا يتماشى مع متطلبات عالم التنس، ومع طموحات لاعب يتوق إلى الوجود بين عمالقة اللعبة في العالم، أتلقى بعض المساعدة من الاتحاد التونسي للتنس، ولكنها بسيطة جداً، مقارنة مع ما يتقاضاه كل المنافسين، وبعض اللاعبين الذين يوجدون خلفي في التصنيف العالمي، تفوق الميزانية المخصصة لهم أضعاف ما أتلقاه من مساعدة، ولا أذيعك سراً إن أخبرتك بأنني أدفع 90% من المصاريف من مالي الخاص. دائماً ما كنت وحدي، فسلطة الإشراف في تونس لم تكن سنداً لي في مشاركاتي الخارجية بالشكل الكافي، على الرغم من أنني لم أطلب الكثير، قلت لهم فقط وفّروا لي معدّاً بدنياً، وكنت لا أملك مدرّباً وقتها، والمدرب الصربي الذي يعمل معي يجد نفسه مضطراً أحياناً إلى عدم مرافقتي في تنقلاتي حتى نضغط على حجم المصاريف!!
اللاعب مثل السيارة التي تستحق البنزين والصيانة والعناية والاهتمام حتى تسير بطريقة مثلى، وإلا فإنها لن تقدر على السير.

ألا تتمتع بإعلانات من تونس أو العالم العربي، وخاصة أنك تمثل بلدك وتمثل التنس العربي؟
عن أي إعلانات تتحدث؟ الإعلانات تقدم بواسطة علاقات خاصة، وليس مقارنة بتصنيفك، وبما تقدمه للرياضة التونسية والعربية. أصحاب الإعلانات يوظفون كل أموالهم تقريباً في كرة القدم، وأنا أجد الأعذار لهم، لأن هذه الرياضة تلقى اهتماماً إعلامياً كبيراً، أما التنس فيكون محور أحاديث وسائل الإعلام في مناسبات نادرة وخاصة جداً.

ربما لا يدرك بعضهم أن وصول لاعب تنس إلى مثل هذا التصنيف العالمي يتطلب أموالاً ضخمة وموارد مالية تجعله يعمل في راحة، وذلك حتى تسهّل عليه دفع أجرة الجهاز الفني الذي يعمل معه، وكذلك تغطية مصاريف التنقلات من دورة إلى أخرى. ومع الأسف هناك أموال تصرف على رياضيين لا يقومون بتشريف البلاد، بينما أنا أجاهد وحدي في هذه الرياضة التي قد أتجاهل فيها دورة ما، حتى أجمع المال لأستطيع السفر والمشاركة في الدورة التي تليها.

بعض اللاعبين، وأنا أعرف ذلك جيداً، لا يدفعون دولاراً واحداً، لأن بلدانهم تتكفل بتغطية كل المصاريف، بل ويتقاضون أجوراً مرتفعة، أما بالنسبة إليّ فالأمر مختلف تماماً، والمضحك حقاً أنهم في تونس لا يعتبرونني من لاعبي النخبة!! وهذا الفرق هو في حد ذاته تفسير لما حدث، ولكن تلقيت بعض الوعود للمساعدة من قطر والإمارات.

تواجه أبطال العالم في العديد من المناسبات، فهل تربطك ببعضهم صداقات؟
في التنس الأمر مختلف تماماً، وعقلية اللاعبين من أرقى ما يمكن أن تصادفه، فأنا مثلاً تربطني صداقات مع العديد من المصنفين في المراتب الأولى عالمياً، وتوجد اتصالات بيني وبين الصربي نوفاك ديوكوفيتش، المصنف الأول عالمياً، والسويسري روجيه فيدرير، المصنف الثاني، ولا تشعر لديهم بتاتاً بالتكبّر، وإنما يتمتعون بتواضع لا مثيل له.

مواطنتك أنس جابر تتصدّر ترتيب المصنفات العربيات في هذه اللعبة، فما هو رأيك؟
تونسي يتصدّر تصنيف اللاعبين العرب، وتونسية تتصدّر تصنيف اللاعبات العربيات في رياضة التنس، إنه أمر مشرّف جداً، ولكن مع الأسف نحن لا نعرف كيف نسوّق مثل هذا الامتياز، ولو كان في دول أخرى لوجدت اهتماماً إعلامياً منقطع النظير، وإعلانات بالجملة، ومساعدات لبلوغ أعلى المراتب. ولكن قد أتفهّم شيئاً ما، وهو أن بلدي يمر بظروف صعبة هذه الأيام.

أنس لاعبة متميّزة، وهي قادرة على التقدم كثيراً في هذه الرياضة، وتستحق الدعم والتشجيع المادي والإعلامي.

بعد سنوات سيدرك الجميع أننا كنا نستحق اهتماماً وتشجيعاً أفضل.

كيف ترى مستقبل التنس العربي؟
يجب أن تتغيّر نظرة المسؤولين ووسائل الإعلام إلى هذه الرياضة، ويجب أن نشجع الأطفال على ممارسة لعبة التنس، لأنها، بحسب رأيي، من أفضل الرياضات، ويجب أن تكون بمثابة "الحلم" بالنسبة لهؤلاء الأطفال. في أميركا مثلاً، يشجع الآباء أبناءهم على ممارسة هذه اللعبة، أو أي حلم آخر ويقدمون تضحيات كبيرة حتى ينجح أبناؤهم في تحقيق أحلامهم، وعلى هذا النحو يجب أن يسير العالم العربي.

يجب أن ننزع من أذهاننا فكرة أن الأجانب أفضل منّا أو لديهم أفضلية. المشكلة في اعتقادي تكمن في أننا لا نثق في قدرتنا على المنافسة وتحقيق الفوز، والأمثلة عديدة في كل المستويات، والعرب قادرون على التألق.

في بعض الدول العربية، التجهيزات متوفرة، والإمكانات المادية موجودة، وينقص فقط زرع الأحلام لدى الأطفال.
دلالات
المساهمون