منذ بدء الحراك الشعبي في الجزائر، في فبراير/شباط 2019، بدا أن هناك تحولا مفصليا وتوترا شديدا ومتصاعدا في العلاقات بين الجزائر وفرنسا؛ فعلى مدار عام كامل تعددت محطات التوتر والخلافات والبيانات إزاء مواقف سياسية وتصريحات فرنسية تخص الشأن الجزائري، وانتهى هذا التوتر المتصاعد إلى الخطوة الأخيرة المتعلقة بإعلان الجزائر سحب سفيرها من باريس إلى أجل غير معلوم.
للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الجزائر وفرنسا تعلن الجزائر سحب سفيرها من باريس للتشاور وإلى أجل غير محدود، ولكنها المرة الثانية في غضون أقل من شهرين التي تتخذ فيها الجزائر خطوة احتجاج دبلوماسي حاد ضد باريس، بسبب ما تعتبرها حملة إعلامية موجهة ضد الجزائر. يؤشر ذلك في الوقت نفسه إلى اقتراب العلاقات بين البلدين شيئا فشيئا من حدود الصدام السياسي المباشر، خاصة مع نزوع جزائري واضح للتصدي للتوسع والتواجد الفرنسي في ليبيا والساحل وشمال مالي.
وبثت قناة "فرانس 5"، قبل يومين، وثائقيا عن الحراك الشعبي في الجزائر، مبنياً على معايشة يوميات خمسة من المتظاهرين من مناطق مختلفة لمرحلة الحراك، لكنه ركز على زاوية معالجة أوضاعهم الحياتية، ومطالبهم المتعلقة بقضايا التابوهات الاجتماعية، وحالة التمرد على تقييد الحريات الشخصية وتدخلات السلطة والجيش في الحياة الخاصة للجزائريين، فيما بثت القناة البرلمانية، "أل سي بي"، برنامجا تعرض للحراك من زاوية منطقة القبائل التي تقطنها غالبية من السكان الأمازيغ، بهدف إثارة النعرات العرقية.
وتعتقد الجزائر أن القنوات المذكورة عمومية تابعة للدولة الفرنسية، وتعبّر بشكل أو بآخر عن الموقف الرسمي الفرنسي.
اقــرأ أيضاً
مواقف منددة
وعلاوة على البيان الذي أصدرته الخارجية الجزائرية بالأمس، وأعلنت فيه استدعاء سفيرها، ما زالت المواقف السياسية المنددة بما اعتبرت "حملة إعلامية فرنسية" ضد الجزائر ترد تباعا، إذ نشر رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، بيانا بخصوص ما وصفها "الاستفزازات الإعلامية الفرنسية"، وأكد أنه لا يمكن أبدا "توقع أن تكون طبيعة العلاقات سهلة بين بلدنا الحر، وبين فرنسا الاستعمارية التي رفضت ميلاد الجزائر الجديدة... قد نختلف كجزائريين فيما بيننا، ولكننا نرفض دائما من أي كان المساومة على السيادة الوطنية، أو المساس بمؤسسات دولتنا"، مضيفا: "حراك شعبنا المليوني سيظل حراكا مباركا لأنه صحح المسار، وأنقذ الجزائر من أخطبوط الفساد، والعبث بالريع، وهو ما يزعج المقتاتين من الأزمات".
ونشر رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، عبد الرزاق مقري، تغريدة له علّق فيها: "لما تابعت حصة (فرانس 5) تأكدت أن عبيد فرنسا في الجزائر تعلموا الكذب من سيدتهم. عندهم شريحة قليلة جدا تصدقهم يشحنونها بالدجل والسيناريوهات الخيالية"، مضيفا أن "الحل مع هؤلاء هو الديمقراطية الحقة، حتى يظهر حجمهم أمام العالم ونتخلص من هذه (الفئة) وتبرز المكونات الحقيقية للحراك الشعبي".
أيضًا، نشرت "الأكاديمية الوطنية لترقية المجتمع المدني" بيانا دانت فيه "جملة من المواقف السلبية والعدائية من طرف الجهات الفرنسية الرسمية اتجاه الجزائر، سياسيا وأمنيا وإعلاميا، بما فيها الفيلم الانتقائي المشوه لمسار حدث سياسي واجتماعي حضاري يخص الجزائر"، واعتبرت الأكاديمية أن "الاستفزازات المستمرة من الجهات الفرنسية التي توحي بشكل واضح ببقاء الرؤية الاستعمارية القديمة اتجاه الجزائر المستقلة، ومحاولة التدخل في الشأن الداخلي الجزائري، والتأثير على مسار الأحداث بما يخدم المصالح الفرنسية على حساب مصلحة الجزائر".
أزمات الإعلام الفرنسي
وهذه هي المرة الثانية في ظرف شهرين التي يثير فيها الإعلام الفرنسي أزمة دبلوماسية مع الجزائر. ففي الثاني من إبريل/نيسان الماضي، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي بالجزائر كزافيي دريانكور، لإبلاغه "احتجاج الجزائر الشديد على حملة إعلانية تشنها قنوات فرنسية، بينها قناة "فرانس 24" التابعة للخارجية الفرنسية، ضد الجزائر، وإطلاق تصريحات وصفتها الخارجية الجزائرية بـ"الكاذبة والبغيضة والقذف لتشويه صورة الجزائر".
لكن بوادر الفتور بدأت قبل ذلك بكثير، وتحديدًا منذ فبراير/شباط 2019. في تلك الفترة تصاعد الاحتجاج الجزائري على خلفية بعض المواقف والتصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير خارجيته جان إيف لودريان، بشأن الوضع في الجزائر، عبر مطالبتهما بمرحلة انتقالية في البلاد، ودعوتهما إلى إطلاق الحريات والاستجابة لمطالب الشارع، وهو ما اعتبرته الجزائر حينها "تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد".
ويشرح دبلوماسي جزائري، تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، طبيعة المعنى السياسي للخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها الجزائر بالأمس، مبينًا أن "السحب والاستدعاء للتشاور هي الخطوة الأكثر شدة، وتعبر عن تشديد اللهجة، مقارنة مع ما سبق من استدعاء السفير الفرنسي لإبلاغه احتجاجا ما، وهي درجة احتجاج أخيرة قبل درجة سحب السفير نهائيا، والتي تعني قطع العلاقات الدبلوماسية".
اقــرأ أيضاً
تحوّلات داخلية
وبحكم مستويات الضغط السياسي والاقتصادي الذي كانت تمارسه باريس على الجزائر خلال العقود الماضية، فإن الخطوة الأخيرة، وبقدر ما تبدو جريئة سياسيا، تشي بأن السلطة الجزائرية تبدو في وارد استغلال معطيات تتعلق باختلالات سياسية واقتصادية داخلية في فرنسا من جهة، وعوامل محلية في الجزائر من جهة أخرى؛ إذ تأتي في سياق التحولات السياسية العميقة في داخل السلطة والجيش الجزائري، والتي تظهر في خطابات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ انتخابه في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي. هذا الأخير أبدى، في سلسلة حوارات صحافية أخيرة، جرأة سياسية أكبر في التوجه بخطاب صدامي مع باريس، واتهم ما وصفها بـ"اللوبيات السياسية الفرنسية" باستهداف الجزائر والعمل ضد المصالح الجزائرية ومحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد، ودعم مجموعات سياسية لمحاولة التأثير في مسار الأحداث والحراك الشعبي في الجزائر، وكذا إبعاد الجزائر عن مسار المشاركة في حل أزمات المنطقة كليبيا ومالي.
لكن الكاتب والمحلل السياسي الجزائري المقيم في فرنسا إسماعيل خلف الله يعتبر أن الخطوات الجزائرية المعلنة حتى الآن تظل غير كافية لإحداث توازن سياسي بين البلدين، ويؤكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "فرنسا كانت مستفيدة اقتصاديا في عهد (الرئيس الأسبق عبد العزيز) بوتفليقة بشكل بالغ، ومن غياب واستقالة الجزائر من دورها في المنطقة؛ اليوم السلطة الجديدة والرئيس تبون يحاولان التخلص من هذه التركة، لكن الخطوات المعلنة في الجزائر ما زالت غير كافية، لم نلمس قرارات جدية خارج خطوات الشجب السياسي". وتساءل خلف الله: "هل تملك الجزائر الآن الإمكانية لتحرر أكبر في المواقف، لتقليم اليد الفرنسية في مالي وليبيا، عبر سن قانون لتجريم الاستعمار مثلا؟".
وبخلاف المشكلات السياسية السابقة بين الجزائر وفرنسا، والتي كانت تتأسس تحديدا على قضايا التاريخ والذاكرة الاستعمارية في الجزائر، فإن الأزمة الراهنة بين البلدين تأخذ في الحسبان معطيين رئيسيين، يتعلق الأول بوجود حزم سياسي يسنده دافع شعبي داخلي لتفيكك مجموعات المصالح السياسية والاقتصادية التي كانت تحفظ مصالح فرنسا في الجزائر، خاصة في قطاعات الصناعة والتجارة والطاقة، وكذا المصالح الثقافية في ما يتّصل بهيمنة اللغة الفرنسية أيضا؛ والثاني يتعلق بشعور جزائري عميق بوجود تهديدات جدية للأمن القومي الجزائري خاصة في الملفين الليبي والمالي، وكلاهما تلعب فيهما فرنسا دورا مركزيا. وترتبط القراءة السياسية للدور الفرنسي في الشأن الجزائري مع صعود نخبة عسكرية شابة في الجيش الجزائري، لها تكوين سياسي مختلف عن الجيل العسكري السابق، وتبدو أكثر حرصا على المصالح الجزائرية والإقليمية، واستيعابا للمخططات والدور الفرنسي في الساحل.
مع جملة هذه المعطيات، يطرح سؤال عن المدى الذي قد تأخذه الأزمة بين البلدين، وما إذا كانت ستصل إلى حد القطيعة السياسية؟ يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد إيوانوغان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "توتر العلاقات مع فرنسا مكسب من مكاسب الحراك الشعبي الذي حرر السلطة السياسية، ووفر لها جبهة داخلية متفاعلة مع مواقفها إزاء فرنسا... هناك إجماع في الجزائر على ضرورة إعادة النظر في هذه العلاقات، لأنه كان من المعروف أن العلاقة القائمة بين النظام الجزائري وفرنسا الرسمية هي علاقة تبعية تقريبا رغم الخطاب الشعبوي الذي تتبناه السلطة عندنا لتوهم الشعب أنها تحارب فرنسا أو تعارضها، بينما كانت المصالح الفرنسية دائما محفوظة في الجزائر بشكل يفوق العادة". ويعزو المتحدث ذاته هذا التوتّر إلى "وجود أزمة في النظامين، فمتاعب ماكرون في فرنسا لا تقل عن متاعب تبون"، ولا يستبعد حدوث قطيعة سياسية بين البلدين، مستطردًا: "أعتقد أن الأزمة مع فرنسا الرسمية جزء من الحل الذي يجب أن يأتي في الجزائر، لإنهاء فترة من هيمنة المصالح الفرنسية".
للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين الجزائر وفرنسا تعلن الجزائر سحب سفيرها من باريس للتشاور وإلى أجل غير محدود، ولكنها المرة الثانية في غضون أقل من شهرين التي تتخذ فيها الجزائر خطوة احتجاج دبلوماسي حاد ضد باريس، بسبب ما تعتبرها حملة إعلامية موجهة ضد الجزائر. يؤشر ذلك في الوقت نفسه إلى اقتراب العلاقات بين البلدين شيئا فشيئا من حدود الصدام السياسي المباشر، خاصة مع نزوع جزائري واضح للتصدي للتوسع والتواجد الفرنسي في ليبيا والساحل وشمال مالي.
وبثت قناة "فرانس 5"، قبل يومين، وثائقيا عن الحراك الشعبي في الجزائر، مبنياً على معايشة يوميات خمسة من المتظاهرين من مناطق مختلفة لمرحلة الحراك، لكنه ركز على زاوية معالجة أوضاعهم الحياتية، ومطالبهم المتعلقة بقضايا التابوهات الاجتماعية، وحالة التمرد على تقييد الحريات الشخصية وتدخلات السلطة والجيش في الحياة الخاصة للجزائريين، فيما بثت القناة البرلمانية، "أل سي بي"، برنامجا تعرض للحراك من زاوية منطقة القبائل التي تقطنها غالبية من السكان الأمازيغ، بهدف إثارة النعرات العرقية.
وتعتقد الجزائر أن القنوات المذكورة عمومية تابعة للدولة الفرنسية، وتعبّر بشكل أو بآخر عن الموقف الرسمي الفرنسي.
وعلاوة على البيان الذي أصدرته الخارجية الجزائرية بالأمس، وأعلنت فيه استدعاء سفيرها، ما زالت المواقف السياسية المنددة بما اعتبرت "حملة إعلامية فرنسية" ضد الجزائر ترد تباعا، إذ نشر رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، بيانا بخصوص ما وصفها "الاستفزازات الإعلامية الفرنسية"، وأكد أنه لا يمكن أبدا "توقع أن تكون طبيعة العلاقات سهلة بين بلدنا الحر، وبين فرنسا الاستعمارية التي رفضت ميلاد الجزائر الجديدة... قد نختلف كجزائريين فيما بيننا، ولكننا نرفض دائما من أي كان المساومة على السيادة الوطنية، أو المساس بمؤسسات دولتنا"، مضيفا: "حراك شعبنا المليوني سيظل حراكا مباركا لأنه صحح المسار، وأنقذ الجزائر من أخطبوط الفساد، والعبث بالريع، وهو ما يزعج المقتاتين من الأزمات".
ونشر رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، عبد الرزاق مقري، تغريدة له علّق فيها: "لما تابعت حصة (فرانس 5) تأكدت أن عبيد فرنسا في الجزائر تعلموا الكذب من سيدتهم. عندهم شريحة قليلة جدا تصدقهم يشحنونها بالدجل والسيناريوهات الخيالية"، مضيفا أن "الحل مع هؤلاء هو الديمقراطية الحقة، حتى يظهر حجمهم أمام العالم ونتخلص من هذه (الفئة) وتبرز المكونات الحقيقية للحراك الشعبي".
Twitter Post
|
أيضًا، نشرت "الأكاديمية الوطنية لترقية المجتمع المدني" بيانا دانت فيه "جملة من المواقف السلبية والعدائية من طرف الجهات الفرنسية الرسمية اتجاه الجزائر، سياسيا وأمنيا وإعلاميا، بما فيها الفيلم الانتقائي المشوه لمسار حدث سياسي واجتماعي حضاري يخص الجزائر"، واعتبرت الأكاديمية أن "الاستفزازات المستمرة من الجهات الفرنسية التي توحي بشكل واضح ببقاء الرؤية الاستعمارية القديمة اتجاه الجزائر المستقلة، ومحاولة التدخل في الشأن الداخلي الجزائري، والتأثير على مسار الأحداث بما يخدم المصالح الفرنسية على حساب مصلحة الجزائر".
أزمات الإعلام الفرنسي
وهذه هي المرة الثانية في ظرف شهرين التي يثير فيها الإعلام الفرنسي أزمة دبلوماسية مع الجزائر. ففي الثاني من إبريل/نيسان الماضي، استدعت وزارة الخارجية الجزائرية السفير الفرنسي بالجزائر كزافيي دريانكور، لإبلاغه "احتجاج الجزائر الشديد على حملة إعلانية تشنها قنوات فرنسية، بينها قناة "فرانس 24" التابعة للخارجية الفرنسية، ضد الجزائر، وإطلاق تصريحات وصفتها الخارجية الجزائرية بـ"الكاذبة والبغيضة والقذف لتشويه صورة الجزائر".
لكن بوادر الفتور بدأت قبل ذلك بكثير، وتحديدًا منذ فبراير/شباط 2019. في تلك الفترة تصاعد الاحتجاج الجزائري على خلفية بعض المواقف والتصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووزير خارجيته جان إيف لودريان، بشأن الوضع في الجزائر، عبر مطالبتهما بمرحلة انتقالية في البلاد، ودعوتهما إلى إطلاق الحريات والاستجابة لمطالب الشارع، وهو ما اعتبرته الجزائر حينها "تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية للبلاد".
ويشرح دبلوماسي جزائري، تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، طبيعة المعنى السياسي للخطوة غير المسبوقة التي أقدمت عليها الجزائر بالأمس، مبينًا أن "السحب والاستدعاء للتشاور هي الخطوة الأكثر شدة، وتعبر عن تشديد اللهجة، مقارنة مع ما سبق من استدعاء السفير الفرنسي لإبلاغه احتجاجا ما، وهي درجة احتجاج أخيرة قبل درجة سحب السفير نهائيا، والتي تعني قطع العلاقات الدبلوماسية".
وبحكم مستويات الضغط السياسي والاقتصادي الذي كانت تمارسه باريس على الجزائر خلال العقود الماضية، فإن الخطوة الأخيرة، وبقدر ما تبدو جريئة سياسيا، تشي بأن السلطة الجزائرية تبدو في وارد استغلال معطيات تتعلق باختلالات سياسية واقتصادية داخلية في فرنسا من جهة، وعوامل محلية في الجزائر من جهة أخرى؛ إذ تأتي في سياق التحولات السياسية العميقة في داخل السلطة والجيش الجزائري، والتي تظهر في خطابات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ انتخابه في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي. هذا الأخير أبدى، في سلسلة حوارات صحافية أخيرة، جرأة سياسية أكبر في التوجه بخطاب صدامي مع باريس، واتهم ما وصفها بـ"اللوبيات السياسية الفرنسية" باستهداف الجزائر والعمل ضد المصالح الجزائرية ومحاولة زعزعة الاستقرار في البلاد، ودعم مجموعات سياسية لمحاولة التأثير في مسار الأحداث والحراك الشعبي في الجزائر، وكذا إبعاد الجزائر عن مسار المشاركة في حل أزمات المنطقة كليبيا ومالي.
لكن الكاتب والمحلل السياسي الجزائري المقيم في فرنسا إسماعيل خلف الله يعتبر أن الخطوات الجزائرية المعلنة حتى الآن تظل غير كافية لإحداث توازن سياسي بين البلدين، ويؤكد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "فرنسا كانت مستفيدة اقتصاديا في عهد (الرئيس الأسبق عبد العزيز) بوتفليقة بشكل بالغ، ومن غياب واستقالة الجزائر من دورها في المنطقة؛ اليوم السلطة الجديدة والرئيس تبون يحاولان التخلص من هذه التركة، لكن الخطوات المعلنة في الجزائر ما زالت غير كافية، لم نلمس قرارات جدية خارج خطوات الشجب السياسي". وتساءل خلف الله: "هل تملك الجزائر الآن الإمكانية لتحرر أكبر في المواقف، لتقليم اليد الفرنسية في مالي وليبيا، عبر سن قانون لتجريم الاستعمار مثلا؟".
وبخلاف المشكلات السياسية السابقة بين الجزائر وفرنسا، والتي كانت تتأسس تحديدا على قضايا التاريخ والذاكرة الاستعمارية في الجزائر، فإن الأزمة الراهنة بين البلدين تأخذ في الحسبان معطيين رئيسيين، يتعلق الأول بوجود حزم سياسي يسنده دافع شعبي داخلي لتفيكك مجموعات المصالح السياسية والاقتصادية التي كانت تحفظ مصالح فرنسا في الجزائر، خاصة في قطاعات الصناعة والتجارة والطاقة، وكذا المصالح الثقافية في ما يتّصل بهيمنة اللغة الفرنسية أيضا؛ والثاني يتعلق بشعور جزائري عميق بوجود تهديدات جدية للأمن القومي الجزائري خاصة في الملفين الليبي والمالي، وكلاهما تلعب فيهما فرنسا دورا مركزيا. وترتبط القراءة السياسية للدور الفرنسي في الشأن الجزائري مع صعود نخبة عسكرية شابة في الجيش الجزائري، لها تكوين سياسي مختلف عن الجيل العسكري السابق، وتبدو أكثر حرصا على المصالح الجزائرية والإقليمية، واستيعابا للمخططات والدور الفرنسي في الساحل.
مع جملة هذه المعطيات، يطرح سؤال عن المدى الذي قد تأخذه الأزمة بين البلدين، وما إذا كانت ستصل إلى حد القطيعة السياسية؟ يعتقد الكاتب والمحلل السياسي محمد إيوانوغان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "توتر العلاقات مع فرنسا مكسب من مكاسب الحراك الشعبي الذي حرر السلطة السياسية، ووفر لها جبهة داخلية متفاعلة مع مواقفها إزاء فرنسا... هناك إجماع في الجزائر على ضرورة إعادة النظر في هذه العلاقات، لأنه كان من المعروف أن العلاقة القائمة بين النظام الجزائري وفرنسا الرسمية هي علاقة تبعية تقريبا رغم الخطاب الشعبوي الذي تتبناه السلطة عندنا لتوهم الشعب أنها تحارب فرنسا أو تعارضها، بينما كانت المصالح الفرنسية دائما محفوظة في الجزائر بشكل يفوق العادة". ويعزو المتحدث ذاته هذا التوتّر إلى "وجود أزمة في النظامين، فمتاعب ماكرون في فرنسا لا تقل عن متاعب تبون"، ولا يستبعد حدوث قطيعة سياسية بين البلدين، مستطردًا: "أعتقد أن الأزمة مع فرنسا الرسمية جزء من الحل الذي يجب أن يأتي في الجزائر، لإنهاء فترة من هيمنة المصالح الفرنسية".