الجزائر: كيف يقرأ ناشطو الحراك والأحزاب دعوة تبون للحوار؟

16 ديسمبر 2019
تباين المواقف بشأن التجاوب مع دعوة الحوار (فاروق بطيش/الأناضول)
+ الخط -
يؤدي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اليمين الدستورية قبل نهاية الأسبوع الجاري، بعد إعلان المجلس الدستوري خلال ساعات عن النتيجة النهائية للانتخابات الرئاسية التي جرت الخميس الماضي.

يواجه الرئيس تبون حال تسلمه السلطة تحديا مركزيا يتعلق بآليات الحوار مع الحراك الشعبي، وسط تضارب في المواقف بين مكونات الحراك نفسه، ومطالب بتحقيق شروط أولية تخص أساسا إجراءات تهدئة وإطلاق سراح الناشطين الموقوفين، ووقف التضييق على المتظاهرين والإعلام.

ومنذ إعلان تبون عن تقديمه عرضا للحوار مع الحراك وتبنيه لسياسة "اليد الممدودة"، تتضارب المواقف داخل الحراك حول كيفية التعامل مع دعوة الحوار من قبل رئيس جديد يعتبره الحراك، وحتى مسيرات الجمعة الماضية التي تلت الانتخابات، "مرشح العسكر وواجهتهم المدنية".

ولم يتبلور حتى الآن موقف واضح إزاء دعوة الرئيس المنتخب، حول ما إذا كانت دعوته المبدئية قد نجحت في سحب جزء من نشطاء الحراك نحو القبول بالحوار على غرار الناشط إسلام بن عطية، بخاصة في ظل رفض كتلة بارزة من النشطاء للدعوة.

وقال الناشط السياسي سمير العربي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المبكر الحديث عن الحوار. الحوار ليس موضوع اللحظة على الأقل، هناك قضايا أولى يحب حسمها قبل ذلك". 

من جهته، اعتبر الناشط البارز في الحراك الشعبي عبد الوكيل بلام أنه "لا يمكن التعليق على مجرد تصريح للمرشح الفائز"، وأكد لـ"العربي الجديد" أن "أي خطوة سياسية في هذا الاتجاه تستدعي تقديم صورة واضحة تتعلق أساسا بالاستحقاقات والمطالب المركزية للحراك والعالقة منذ فبراير/ شباط الماضي، لأن الحراك والجزائريين ليس لديهم أي استعداد لتقديم صك على بياض لأي رئيس مستقبلا".

من جهته، قال المتحدث باسم المجلس الوطني للأساتذة، كبرى نقابات قطاع التربية، عضو تكتل النقابات، مسعود بوذيبة، إنه "لا يوجد عرض واضح للحوار حتى الآن يمكن البناء عليه"، موضحا أنه "في كل الأحوال يجب الأخذ بالاعتبار الموقف الشعبي المعبر عنه في الجمعة الـ43، والتي كانت واضحة من حيث استماتة الشعب في تحقيق المطالب المرفوعة".

وقال بوذيبة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المرحلة المقبلة تتطلب منا جميعا وضع بدائل تترجم حقيقة مطالب الشعب، فضلا تخصيص قضاءات لإعادة الثقة للشعب وفق مسار واضح ووفق رؤية واضحة"، مضيفا أن "الحراك يقتضي مبادرات لبعث الثقة أولا، والطمأنينة ثانيا، ثم الانخراط في جميع المبادرات مستقبلا".

ويعتقد متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن هناك مخاوف جدية من أن تؤدي مبادرة الحوار الجديدة إلى انقسام في الحراك، مع احتمال استمرار حركة الشارع لفترة أطول، فيما ستذهب السلطة إلى حوار قد يستجيب في حده الأدنى للمطالب، وقد يرقى إلى المطالب السياسية للحراك الشعبي.

وفي السياق، أكد الباحث في الشؤون السياسية محمد هدير، لـ"العربي الجديد"، أن "هذا الوضع يدفعني للاعتقاد بأن السلطة جادة هذه المرة في عرض الحوار، وستتجه رأسا إلى الأسماء البارزة والمؤثرة في الحراك الشعبي لتجاوز المأزق، لأن أي حوار شكلي مع وجوه غير تمثيلية مثلما حدث في حوارات السلطة سابقا سيعمق الأزمة أكثر".

من جهتها، تبدي كتلة من أحزاب البديل الديمقراطي، التي قاطعت انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول، مواقف متحفظة من فكرة الحوار، وتطالب بتدابير أساسية قبل أي عرض.

وفي السياق، طرحت القوى الاشتراكية، في أول بيان يصدر عقب إعلان فوز عبد المجيد تبون بالرئاسة، اشتراطات للحوار تتعلق بـ"تبني المشترك لجدول الأعمال، واختيار المشاركين في الحوار، والطبيعة السيادية لأي مخرجات يتم التوصل إليها، وشفافية الحوار، واعتماد، بالإجماع، برنامج الخروج من الأزمة، بالإضافة إلى التزام الأطراف فيه بتنفيذه في المواعيد المحددة".

 وأيضا، طالبت جبهة العدالة والتنمية (إسلامية)، والتي كانت قد قاطعت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الرئيس المنتخب بتنظيم "حوار سيد وشامل حول الإصلاحات اللازمة والشروط المختلفة التي تحمي إرادة الشعب وتصونها وتحفظ له حقه في السلطة والثروة وفي العدل والحرية، والاستعانة بالكفاءات ذات الأهلية والمصداقية في تسيير شؤون البلد، واعتماد خريطة مستعجلة ومتدرجة في الاستجابة لمطالب الشعب، وتحافظ على الوحدة الوطنية، وتطمئن الجزائريين على مستقبل شعبهم وبلدهم".

من جهتهم، أبدى "إخوان الجزائر" قبولا مبدئيا للحوار مع الرئيس المنتخب. 

ودعا بيان، صدر الاثنين عن الحزب، تبون إلى "فتح حوار شفاف وجاد ومسؤول وصادق وذي مصداقية لتصحيح الأخطاء وتحقيق التوافق الشامل حول رؤية وآليات وممارسات تجمع شمل الجزائريين، وتجسد الإرادة الشعبية، وتنجز التنمية الاقتصادية وتصون السيادة".


في مقابل هذه المواقف التي تقترب إلى الإيجابية، تعلن قوى سياسية أخرى عن دعوة للعودة إلى أرضية وفاق وطني جامعة كانت قد طرحتها قوى المعارضة السياسية والمدنية في يونيو/ حزيران 2014.

وجدد بيان للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي قاطع الانتخابات الرئاسية أيضا، دعوته لـ"التمسك بأرضية مزفران (منطقة في ضواحي العاصمة الجزائرية عقد فيها مؤتمر المعارضة)، والتي تؤدي إلى وحدة الأمة، وإعادة تأسيس الدولة، وترقية القيم الديمقراطية والمواطنة والتناوب الديمقراطي على السلطة".

ويبدو الحزب اليساري أكثر تشددا في مسألة الحوار، ويربط ذلك بإطلاق سراح أمينته العامة لويزة حنون، التي أدينت من قبل محكمة عسكرية بالسجن 15 سنة بتهمة التآمر على سلطة الجيش والدولة في ما يعرف بقضية الاجتماع مع السعيد بوتفليقة، والمدير السابق للمخابرات محمد الأمين مدين، الشهير بالجنرال توفيق.

وأكد المتحدث باسم الحزب جلول جودي، لـ"العربي الجديد"، أن هناك اشتراطات سياسية يتوجب توفيرها قبل أي حوار، وقال إنه "لا حديث قبل إطلاق سراح السجناء دون شرط أو قيد، أبرزهم لويزة حنون"، مشيرا إلى أن "أهداف الثورة هي ذهاب النظام ورموزه، ولم يتم تحقيقها إلى حد الآن، والشعب الجزائري خرج الجمعة في في كل ربوع الوطن رافضا الانتخابات ونتائجها، وحزب العمال جزء من هذا الشعب، أما ما يتعلق بقبول أو رفض الحوار فهذا سابق لأوانه".