وقال الفريق أحمد قايد صالح، خلال زيارته إلى قيادة الحرس الجمهوري اليوم: "لقد سبق لي أن حذرت في مداخلات سابقة أنه كان هناك مخطط دنيء يستهدف الجزائر، وقد تمكنا من كشفه وفك خيوطه وإفشال المؤامرة التي كانت تُحيكها العصابة وأعداء الجزائر، فبفضل إدراك في الجيش لأبعاد هذه المخططات الخبيثة وإدراك الشعب الجزائري لخطورتها تم إحباطها".
وفي الغالب يشير لفظ "العصابة" إلى المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين والمجموعات المالية التي كانت تحيط بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خاصة شقيقه السعيد بوتفليقة وقائدي جهاز المخابرات الفريق محمد مدين والجنرال بشير طرطاق، وعدداً من الجنرالات في الجيش، ورؤساء حكومات ووزراء سابقين، ورجال الكارتل المالي.
ودون أن يذكر المسؤول العسكري في خطاب هو الثاني له في ظرف يومين هذه الأطراف أو طبيعتها، أكد أن "مخططات من يُضمِرون للجزائر الحقد الدفين ويتربصون شرا بشعبها سيكون مآلها الانكسار وستلاحق أصحابها وصمة العار التي ستبقى شاهدة على خذلانهم للوطن".
وبرأي قايد صالح، فإن "هناك محاولات وتركيز لرسم مسافة فاصلة بين الشعب والجيش"، موضحا أن "القيادة العليا للجيش تعهدت بالحفاظ على الأمن"، مشيرا إلى أن "الجيش حافظ على كيان الدولة ومؤسساتها، وقدم حلولا موضوعية وعقلانية لتجاوز المرحلة، لم يُرضِ أعداء الجزائر في الخارج وأذنابهم في الداخل، وهؤلاء الأعداء الذين يعلمون جيدا أن الوحدة بين الشعب والجيش صمام أمان بلادنا، ولهذا ترتكز مخططاتهم على محاولة ضرب أسس هذه الوحدة، من خلال مغالطات وأكاذيب ثبت زيفها وبطلانها للشعب الجزائري".
وثمن رئيس أركان الجيش ما وصفها بـ"المسيرات الشعبية التي تشهدها كافة ربوع وطننا، والتي وقف خلالها أبناء الشعب المُخلِصين صفا واحدا دعما للمسار الانتخابي، ومساندة للجيش في مواقفه، تترجم درجة النضج العالية لأبناء الجزائر ووعيهم بما يحاك ضد بلدنا من مكائد ودسائس ومؤامرات، لعرقلة مسيرة الجزائر والجزائريين".
في المقابل، استغرب الناشطون تصريحات قائد الجيش بشأن المسيرات الداعمة للانتخابات، خاصة أنها مغايرة للواقع، وأن حجم هذه المسيرات ضعيف جدا مقارنة بالمظاهرات الشعبية للحراك الرافض للانتخابات، والذي يطالب أيضا بحل سياسي واستبعاد الجيش من صناعة القرار السياسي.
وتجاهل قائد الجيش الحراك الشعبي والمظاهرات الرافضة حتى الآن لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظل استمرار بقاء رموز نظام بوتفليقة في الحكم والحكومة، واعتبر أنه "تم قطع أشواط كبيرة في مسار تجسيد الإرادة الشعبية، والتي ستتحقق في الاستحقاق الرئاسي المقبل يوم 12 ديسمبر، باختيار الرئيس القادم للجزائر بكل حرية ونزاهة".
وعلق باحثون في الشأن السياسي بأن استدعاء فكرة المؤامرة الخارجية واتهام كل مجموعة معارضة بكونها أدوات عميلة هو "جزء من ثوابت العقيدة السياسية للنظام الجزائري، والأنظمة العربية عموما، والتي تتغذى من العامل الخارجي، وتجعل منه تهديدا توظفه في التعبئة الشعبية للمشاركة الانتخابية بشكل خاص، بحثا منها عن الشرعية أو المشروعية التي تفتقدها"، بحسب ما أكده الباحث والأستاذ الجامعي يحيى بوزيدي.
وقال بوزيدي لـ"العربي الجديد" إنه "لا يمكن طبعا نفي وجود مؤامرات من حيث المبدأ، فالعلاقات الدولية مبنية على التنافس والصراع، غير أن المشكل يكمن في الخلط بين الأولويات من جهة، وتعليق الإخفاقات على مشجب المؤامرة من جهة أخرى".
وأوضح الأستاذ الجامعي أن "استدعاء هذا المفهوم في الأزمة الجزائرية بات مألوفا، وخطورته تكمن في تصنيف كل من يعارض خيارات السلطة وتوجهاتها في خانة المؤامرة والتخوين، بينما الحقيقة تتجاوز ذلك إلى تباين طبيعي في الآراء والمواقف السياسية"، مشيرا إلى أن "النظام الحاكم في الجزائر كان يحذر الجزائريين سنة 2011 ( عقب الربيع العربي واندلاع أحداث يناير) من مؤامرة خارجية، ليتبين في 2019 أن جزءا كبيرا من تلك السلطة هو نفسه كان يقود مؤامرة كبيرة لنهب ثروات البلد".
واعتبر المتحدث ذاته أن "طابع الأزمة واستحقاق الظرف السياسي الخاص يفترض خطابا جامعا ومتعقلا، ويستدعي تعديل الخطاب السياسي وتجاوز هذه الثنائيات الإقصائية، والعمل الجاد على بناء مؤسسات الدولة القائمة على الشفافية والنزاهة، لأن هذا هو السبيل الحقيقي لقطع الطريق على كل مؤامرة، بدل الاتهامات المتبادلة التي يتقاذفها أبناء البلد الواحد".
وفي السياق، أشار عبد اللطيف بوسنان، الذي يدير صحيفة محلية، إلى أن هذا الخطاب المستند على منطق "المؤامرة" يراد منه "تمرير رسالة ما، أو يريد تحقيق هدف من ورائه، بينما في الواقع لا أساس له، لأن قائد الأركان بإمكانه معرفة من هي هذه الأطراف إن كانت فعلا ما زالت تتآمر واقتيادهم إلى السجن".
وأضاف بوسنان أنه يعتقد أن "قيادة الأركان لم تجد خطابا مقنعا أكثر من هذا لفئة من الشعب التي تساندها طبعا، بمعنى أنها تركز على أهم "إنجاز" قامت به واستطاعت بفضله أن تقنع جزءا من الشعب بنيّتها الخالصة في التغيير، هو اعتقال المحيطين بالرئيس السابق".
وأوضح أن هذا "الإنجاز مثل إنجاز المصالحة الذي حققه بوتفليقة، وبقي يستعمله طيلة 20 سنة للبقاء في الحكم، رغم أن أي منجز هو في الأصل وظيفة أساسية للدولة وليست منّة على الشعب، مثل توفير الأمن للمواطن أو سجن السارق. هذه ليست إنجازات، بل هي من أولويات العمل الحكومي، ولا فضل فيها لأحد، ولذلك أعتقد أن الاستمرار في التماهي مع أدبيات المؤامرة هي القشّة الوحيدة التي يمكن لقايد صالح التمسك بها لتبرير وتمرير خطته لانقاذ النظام".