الجزائر: في ترميم الفراغ

16 أكتوبر 2019
من تظاهرات رافضة لهيئة الحوار (العربي الجديد)
+ الخط -
للنظام في الجزائر مشروع واحد هو إعادة ترميم نفسه من الداخل عبر مسارات مصممة للمرحلة، تتضمن تحنيط الإعلام، وإشاعة الخوف، وانتخابات مشوشة بالتواطؤ مع موظفين سابقين، ومنع المبادرة السياسية.

سيلاحظ الجزائريون أن السلطة الفعلية متمسكة بحكومة نصّبها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والأخيرة تتخذ من دون أي مشروعية سياسية قرارات اقتصادية واجتماعية مصيرية، لها علاقة وتأثير مباشر على التوازنات المالية للبلاد، تشبه سياسات شراء السلم الاجتماعي لحكومات عبد العزيز بوتفليقة. وسيلاحظ الجزائريون أن السلطة الفعلية التي رفضت التفاعل إيجاباً مع خلاصات توصلت إليها قوى وطنية في مؤتمر جامع (يوليو/تموز الماضي)، فضّلت في المقابل فرض "هيئة الحوار" وعبر إطار مدني غامض ثم اتخاذها إطاراً لإطلاق مسار حوار متعثر ومرتبك انتهى إلى مخرجات مرتبكة.

سيلاحظ الجزائريون أيضاً أن سلطة عليا للانتخابات تم تشكيلها واستدعاء أعضائها بالتعيين ضمن جملة خروقات مركزية في قانونها الأساسي (القانون يكلّف رئيسها بإجراء مشاورات لتعيين الأعضاء لكن رئيسها محمد شرفي لم يشاور نفسه حتى) وبعضوية شخصيات لا تنطبق عليها مواصفات القانون نفسه، ومع إبقاء موظفي البلديات نفسهم لخدمة الانتخابات وإعلان النتائج بيد المجلس الدستوري.

الشعب الجزائري الذي منع الولاية الخامسة وأحبط محاولة بوتفليقة فرض مسار حوار هش ومؤتمر وفاق وطني صوري، قادر أيضاً على منع التحايل عليه مجدداً ومنح المجتمع السياسي والمدني الوقت الكافي والظروف المناسبة للتفاهم على أرضية سياسية لانتقال ديمقراطي حقيقي، قبل الذهاب إلى انتخابات أزمة لا تمثّل حلاً بقدر ما تمثّل قفزة أخرى نحو المجهول.

قد يكون توصيف الوضع في الجزائر على هذا النحو مبالغة بالنسبة للبعض، لكن استدعاء مشهد ما قبل فبراير/شباط الماضي، يؤكد أنها الحقيقة ليس إلا، فعندما كان كل الطيف السياسي والشخصيات العاقلة تصرخ أن هذا الطريق يؤدي إلى الكارثة، كانت خطابات بوتفليقة وخياراته تسوّق على أنها خيارات مثالية، قبل أن يستفيق الجزائريون على كارثة سياسية واقتصادية، وعلى حقيقة أن تسويق المغالطات نفسها كان صورة من صور الفساد. يتم الأمر نفسه هذه المرة مع خيار مسار حل انتخابي هش بني على الإجبار ومحاولة المرور بالقوة من قبل السلطة.
المساهمون