قصة الخيبة في كرة القدم في الجزائر، على الرغم مما يمتلك المنتخب الجزائري من نجوم يلعبون في كبرى الأندية والبطولات الأوروبية، لا تشبهها في الشكل والمضمون سوى الخيبة الأكبر في الوضع المعيشي في البلد على الرغم مما يملكه البلد من نفط وغاز وثروات لا تعد ولا تحصى، ذلك أن وجود هذه الكتلة من النجوم في المنتخب لم يعطِ للجزائر منتخباً يشرف الألوان ويرفع العلم ويمنح جرعات من الفرحة العابرة والمسكنة. والسبب أن العقل المدير للعبة في البلد محكوم بحالة من الاحتباس والفردانية، ومنغمس في استيراد الكوادر الأجنبية المديرة للمنتخب، ومجتهد في البناء على الرمل دونما أية أساسات تصنع المستقبل وغارق في ريع النفط.
هذا كان نصف الصورة المخيبة في الجزائر، وفي نصفها الآخر، ذاك البلد المجيد الذي يفيض بالغاز والنفط والماء والثروات، لكن ذلك لم يمنح الجزائريين الحياة الكريمة والرفاهية التي يفترض أن تصنعها هذه الثروات. تلك الصور المؤلمة للجزائريين في أكثر من منطقة في الأعماق المنسية من البلد، وهم محتشدون وسط الثلوج بانتظار قارورة غاز، لم ينتجها سوى عقل سياسي لا يؤمن بالتخطيط والاستشراف، وقد بات استشراف المستقبل جزء من صناعة التاريخ والإمساك بمفاصل الآتي، ولا يقف على أساس علمي. وقد أصبحت الدول تدار باقتصاديات المعرفة، عقل سياسي يقف على كومة من الشعبوية القاتلة والغموض القاتم قتامة النفط الأسود.
حسن إدارة وتنمية الكادر البشري حولت بلداناً فقيرة ومعدمة إلى دول تزاحم كبرى الاقتصاديات مثل سنغافورة وماليزيا، وثروة النفط والغاز صنعت أربع نماذج من الدول في العالم. نموذج الدول التي استفادت من هكذا ثروات لتحقيق مستوى من الرفاهية المعيشية للسكان، على غرار النرويج، ونموذج ثان لدول استفادت منه لتنقل مجتمعاتها من مجتمعات صحراوية وبدوية إلى مجتمعات تلامس حدود التمدن والتقدم والعيش الكريم مثل دول الخليج، ونموذج ثالث لدول تحول النفط فيها والثروات إلى عامل اقتتال داخلي في صورة أنغولا والكونغو، وهناك نموذج رابع لدول حولها النفط إلى مجتمعات ريعية وهياكل من الفساد الذي ينخر كل مفصل. تُمثل الجزائر الحالة الرابعة بكل تفاصيلها.