وبدأت العديد من الشركات الأجنبية في الكشف عن مخاوفها، حيال مستقبل استثماراتها في الجزائر، فمنها من اختار التحرك تحت غطاء سفارات بلادها، وأخرى فضّلت التحرك مباشرة للحصول على تطمينات من المسؤولين الحاليين بشأن استمرار الأعمال، وفق مصادر جزائرية.
وكشف مسؤول في وزارة الصناعة، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أن "العديد من الشركات الأجنبية تواصلت مع الوزارة للاستفسار حول مستقبل وجودها، لا سيما العاملة في مجال تجميع السيارات والأشغال العمومية".
ويعمل في الجزائر خمسة مصانع، هي: رينو الفرنسية وهيونداي وكيا الكوريتان الجنوبيتان وفولكسفاغن الألمانية وسوزوكي اليابانية.
ويشترط القانون الجزائري، ضرورة امتلاك الشريك الجزائري، سواء كان عاماً أو خاصاً، نسبة 51 بالمائة من أصول الاستثمار في الدولة، على أن يمتلك الأجنبي 49 في المائة.
وأضاف المسؤول: "فولكسفاغن تحركت عن طريق السفارة الألمانية، لمعرفة مصير مصنع تجميع السيارات، بعد صدور مذكرة توقيف في حق مراد العولمي، الشريك الجزائري في المصنع، الموجود منذ قرابة شهر ونصف خارج الجزائر، والملاحق في قضايا غسل أموال وتهرب ضريبي"
وتابع: "نفس الشيء بالنسبة لشركة هيونداي، حيث تعرّض شريكها الجزائري محيي الدين تاحكوت لملاحقات في قضايا فساد، منها أيضا التهرب الضريبي وغسل الأموال.
كما راسلت شركة كونستركشن بيتوم العالمية شريكة مجموعة كو جي سي العاملة في مجال الإنشاءات، والمملوكة لعائلة كونيناف، الوزارة، لمعرفة مستقبل الصفقات المبرمة مع الحكومة".
وكان القضاء الجزائري قد أحال رجال أعمال بارزين، منهم أسعد ربراب صاحب أكبر ثروة في الجزائر، والإخوة كونيناف (رضا، عبد القادر، كريم وطارق)، وعلي حداد مالك مجمع "ايتي ار اتش بي" ورئيس الكارتل المالي، إلى السجن احتياطياً.
كما أصدر القضاء مذكرات توقيف في حق مراد عولمي، مالك شركة "سوفاك" لتجميع السيارات بالشراكة مع فولكسفاغن وأودي الألمانيتين، بالإضافة إلى رجل الأعمال محيي الدين تاحكوت، مالك شركة "تي ام سي" لتجميع السيارات بالشراكة مع علامتي "هيونداي" و"سوزوكي".
وقال مسؤول حكومي بارز لـ"العربي الجديد" إن عدد الشركات الأجنبية، التي يلاحق شركاؤها الجزائريون، يبلغ 17 شركة إلى الآن، مؤكدا أن رجل الأعمال أسعد ربراب يشترك مع 8 منها في عدة نشاطات، و5 شركات يرتبط علي حداد بأعمال معها.
ورأي فرحات علي، الخبير الاقتصادي، أن "الشركات الفرنسية كانت أول من عبّرت عن مخاوفها من الملاحقات الجارية، حيث ضغطت عبر السفارة الفرنسية التي تحركت بطرق غير مباشرة لجس نبض السلطة الجزائرية، ثم تبعتها الشركات الناشطة في مجال تجميع السيارات، كونها أكثر المشاريع استفادة من الامتيازات الضريبية والمصرفية".
وقال علي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة الجزائرية المؤقتة أصبحت مطالبة بتقديم ضمان أكثر للشركات الأجنبية أولا، وللشركات الجزائرية ثانيا. نعرف أن رأس المال أيا كان حجمه جبان، وبالتالي الجزائر اليوم تحتاج إلى توفير مناخ ملائم لجلب الاستثمارات المباشرة المتراجعة بالأساس".
وأثار استدعاء العديد من رجال المال للمثول أمام القضاء جدلاً واسعاً، فهناك من يشكك في جدية المؤسسة العسكرية في التحقيق في ملفات الفساد، كون أن العديد من رجال الأعمال كانوا يعملون كواجهة لجنرالات في الجيش خلال سنوات حكم بوتفليقة.
وقال الحقوقي والمحامي عبد الله بخاتي: "هناك مخاوف مشروعة وجدية، تتمثل في الالتفاف على الحراك الشعبي، حيث لا توجد ثقة كبيرة في إشراف نفس المنظومة السابقة من الرموز العسكرية والقضائية على محاربة الفساد، وهي التي كانت شريكة أو متواطئة أو ساكتة عليه في السابق، ما يضعنا أمام عدالة انتقامية أو انتقائية. هناك من يحاول استخدام الحراك الشعبي كوقودٍ أو أداة لتصفية الحسابات بين الأجنحة المتصارعة للنظام السابق".
وأضاف بخاتي، لـ"العربي الجديد"، أن "من الضروري أن تكون المؤسسات الشرعية المنتخبة، الاستقلالية الحقيقية لمحارب الفساد، بعيداً عن تصفية الحسابات، التي ستخلف أضراراً على الاقتصاد الجزائري بالدرجة الأولى، وتبعث صورة سيئة عن الجزائر".
وتواجه الدولة النفطية صعوبات مالية ناجمة عن تراجع عائدات بيع النفط منذ عام 2014. وتشير البيانات الرسمية إلى تآكل مستمر لاحتياطي النقد الأجنبي، ليصل، وفق توقعات وزارة المالية، إلى 79.7 مليار دولار بنهاية العام الجاري، ثم 76 ملياراً في 2020، و33.8 ملياراً نهاية 2021، بينما كان قد تجاوز 194 ملياراً نهاية 2013.