طالب وزير الدفاع الجزائري الأسبق الجنرال خالد نزار، الفار إلى الخارج، الرئيس عبد المجيد تبون باتخاذ قرار "صائب" لوقف ملاحقته من قبل القضاء العسكري، ولإصلاح ما وصفه "بقرار سياسي ظالم" استهدفه منتصف عام 2019، بعدما أصدر القضاء العسكري قراراً بملاحقته ومذكرة توقيف دولية لاعتقاله بتهمة التآمر على السلطة والجيش، كان يقف وراءها القائد الراحل للجيش الفريق أحمد قايد صالح.
وأصدر خالد نزار بياناً جديداً ومواقف مثيرة ومؤيدة للرئيس تبون وللقيادة الجديدة للجيش، بعد نشر معلومات وتقارير صحافية تفيد بوجود اتصالات بينه وبين السلطة لإقناعه بالعودة إلى البلاد لتسوية مشكلته مع القضاء. وعبّر نزار عن انزعاجه من نشر هذه المعلومات وعدم إبقائها قيد السرية إلى غاية إنجازها، معتبراً أن تسريبها كان بهدف مغرض للتأثير على قرارات الرئيس.
وقال: "تلقيت مثلي مثل كلّ الشعب الجزائري هذه الأخبار المغرضة، والتي أرى أن الهدف من ورائها هو التشويش على إصلاحات الرئيس، ومحاولة التأثير على قراره السياسي الذي نرى وننتظر أن يكون قراراً صائباً ومنصفاً، يصحح الخطأ الذي تم ارتكابه في وقت سابق بناء على قرار سياسي ظالم جائر وغير مبرر"، بسبب "التعبير عن موقفي ورأيي بشكل واضح وصريح من الذي حدث خلال تلك الفترة من تجاوزات خطيرة رأيت أنها تهدد تماسك المؤسسة العسكرية بالخصوص، ومؤسسات الدولة الدستورية بصفة عامة، فحذرت ونبهت، وعندما وجدت أن رسالتي وصلت إلى من يهمه الأمر، اخترت الصمت طواعية".
وكانت صحف جزائرية قد كشفت قبل أيام عن وجود اتصالات ومفاوضات مع عدد من القادة والعسكريين الفارين في الخارج، بهدف إقناعهم بالعودة إلى البلاد، لتسوية أوضاعهم مع القضاء بشكل يضمن لهم العدالة، تجنباً لنشر أسرار الجيش والدفاع والأمن الجزائري أو تسليمها لأي طرف أجنبي، إذ كان الرئيس عبد المجيد تبون قد أعلن في 12 أغسطس/آب الجاري فتح باب التوبة والعودة للمسؤولين العسكريين والأمنيين ممن يرغبون في ذلك، وإنهاء مشكلاتهم مع القضاء.
ويأتي على رأس هؤلاء وزير الدفاع الأسبق خالد نزار والقائد السابق للناحية العسكرية الأولى اللواء الحبيب شنتوف، والذي كان قد أقيل من منصبه في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، وفرّ إلى الخارج قبل أن تبدأ ملاحقته من قبل القضاء العسكري بتهمة الثراء غير المشروع، إضافة إلى القائد السابق لجهاز الدرك غالي بلقصير الفار إلى فرنسا، والذي كان القضاء العسكري قد أصدر في حقه قبل أسبوعين أمراً بالقبض بتهمة التورط في قضية تسريبات، ووُجهت إليه تهمة الخيانة العظمى. ويعتقد مراقبون أن مستشار الرئيس للشؤون الأمنية والعسكرية عبد العزيز مجاهد، وهو جنرال متقاعد من الجيش خدم في فترة قيادة الجنرال نزار، يلعب دوراً في تنفيذ هذه التسويات.
وكان الجنرال خالد نزار قد فرّ من البلاد منتصف العام الماضي إلى إسبانيا بعد تلقيه معلومات عن إمكانية اعتقاله من قبل المخابرات، وصدر في حقه أمر دولي بالتوقيف لم يعمّمه الإنتربول لصدوره عن محكمة عسكرية، وفي شهر فبراير/شباط، أدانه القضاء العسكري في الجزائر غيابياً بـ20 سنة سجناً نافذة عن التآمر من أجل المساس بسلطة الجيش، والتآمر ضد سلطة الدولة، نظير المشاركة في اجتماعات سرية للقائدين السابقين لجهاز المخابرات الفريق المتقاعد محمد مدين والجنرال بشير طرطاق، وشقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة السعيد بوتفليقة، وزعيمة "حزب العمال" اليساري لويزة حنون، قبل استقالة بوتفليقة، بهدف إنشاء هيئة رئاسية تتولى تسيير المرحلة الانتقالية.
ويرجح نزار أن يكون الهدف من تسريب معلومات عن وجود اتصالات لعودته وقيادات أخرى، وإخراجها إلى العلن، هو إحراج الرئيس تبون أمام القوى السياسية والشعبية التي كانت تؤيد قائد الجيش الراحل قايد صالح، ولها موقف مناوئ لنزار نفسه، وتدعم ملاحقته قضائياً، وتحمّله مسؤولية الأزمة الأمنية التي عاشتها البلاد في التسعينيات.
وأعلن نزار دعمه للقيادة الجديدة للجيش بعد رحيل القائد السابق أحمد قايد صالح، وأفاد في بيانه الجديد بأن "المؤسسة العسكرية والأمنية اليوم باتت في أيدٍ آمنة وطنية، وهمها الأول والأخير مواكبة الإصلاحات السياسية الواسعة التي باشرها الرئيس عبد المجيد تبون، ووعد بتنفيذها على مراحل في اتجاه خدمة الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي ينشده كل الشعب الجزائري". وقال إن "هذه الإصلاحات التي باشرها الرئيس تبون بكل تأكيد تزعج أطرافاً خارجية وأخرى داخلية، دأبت على العيشوتقتات من فضلات الوضع السياسي المتعفن الذي ساد سنوات طويلة"، داعياً الشعب الجزائري، وأفراد المؤسسة العسكرية بالخصوص، إلى دعم الإصلاحات السياسية التي يعتزم الرئيس عبد المجيد تبون تنفيذها".
وحذر الجنرال خالد نزار الجزائريين من تيار سياسي تمثله حركة "رشاد"، التي تقيم غالبية قياداتها في الخارج، وهي من القيادات السابقة في "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة ومؤيديها، وأبرزهم مراد دهينة والدبلوماسي الأسبق العربي زيطوط، ووصفهم بـ"الظلاميين والإرهابيين الذين سعوا بكل الطرق والوسائل إلى إسقاط الدولة بداية التسعينيات وفشلوا"، قائلاً: "ها هم يعودون بأوجه جديدة وأساليب جديدة". وحذر نزار شباب الحراك من الانسياق إلى الطروحات الراديكالية لهذا التيار.
ولفت الجنرال نزار إلى أن الشعار المركزي للحراك الشعبي "دولة مدنية وليس عسكرية" هو شعار موجه ضد المؤسسة العسكرية وينطوي على مؤامرة هدامة، وذكر أنه و"أمام المؤامرات الخارجية الهدامة، ومن باب المسؤولية كمجاهد وقائد عسكري سابق، أجد أنه من واجبي بل من حقي التحذير والتنبيه ودق ناقوس الخطر، والقول إن الشعار الذي ينادي به بعض الشباب عن حسن نية ومن دون قصد بكل تأكيد، لكنه مقصود ومدبّر ومخطط له بشكل رهيب وخبيث من قبل الخونة عرابي الإرهاب سابقاً والتحرر كما يدّعون، في الوقت الراهن هو شعار خطير وهدام يسعى إلى تحطيم المؤسسة العسكرية".
وينظر إلى الجيش في الجزائر في الغالب على أساس أنه الصانع المركزي للقرار السياسي منذ الاستقلال، والمحدد الرئيس للخيارات، ولعب دوراً في اختيار الرؤساء والحكومات، لكن الجنرال نزار، الذي لعب الدور الأبرز في توقيف المسار الانتخابي في يناير/كانون الثاني 1992، ودفع الرئيس الشاذلي بن جديد إلى الاستقالة من الحكم واختيار الرئيس الراحل محمد بوضياف لقيادة البلاد، يعتبر - رغم ذلك كله - أن "الجيش لا يمارس أي دور سياسي، لكن المغرضين المشوشين الساعين إلى تحطيم كيان الدولة، كما يصرحون علانية في منابرهم الإعلامية، يعرفون ذلك جيداً، لكنهم يحاولون تغليط الشعب والشباب الذي يمثل الغالبية في الجزائر".