الجزائر: حرب الكوكايين تفرّق بين قادة الجيش والأمن

28 يونيو 2018
انحاز بوتفليقة لقايد صالح(على يمينه) ضد هامل (العربي الجديد)
+ الخط -
بدأ الصيف السياسي في الجزائر على رائحة الكوكايين وفضيحة فساد طاولت القضاء والإدارات الحكومية والأمن، لكن إعلان قيادات أمنية عن حرب ملفات وتلاعب في التحقيقات في قضية محاولة تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين، التي أُحبطت في عرض البحر في 26 مايو/ أيار الماضي، كشف عن انزلاق خطير وصدام لكسر العظم بين كبار القيادات الأمنية والعسكرية في البلاد.

وللمرة الأولى في تاريخ البلاد، يوجّه مدير عام جهاز أمني، اتهامات بالتلاعب في التحقيقات لجهاز أمني ثان، ليخرج الصراع بين قيادات الجيش والأجهزة الأمنية بشكل معلن وغير مسبوق إلى سطح الأحداث، بعد تصريحات وُصفت بالخطيرة أدلى بها المدير العام للأمن الوطني في الجزائر، عبد الغني هامل، اتهم فيها جهازاً أمنياً تابعاً للجيش بارتكاب تجاوزات والتلاعب في تحقيقات بقضية الكوكايين. وإذا كانت تداعيات هذه القضية بدأت بالإطاحة بهامل، فإن حالة الصدمة السياسية والشعبية التي تعيشها البلاد من التطورات الدراماتيكية، لا تنفصل عن مخاوف من أن يأخذ الصراع بين الجيش والجهاز الأمني أشكالاً أخرى، وتساؤلات عن علاقة مجمل هذه التطورات بالترتيبات القائمة داخل السلطة تمهيداً لإخراج الاستحقاق الرئاسي المقرر في ربيع العام المقبل بالشكل الذي تريده.

وقال هامل، في تصريحات مفاجئة، إنه "في التحقيق الابتدائي في قضية الكوكايين كانت هناك تجاوزات واختراقات، ولكن الحمد لله القضاة كانوا بالمرصاد وحسموا الأمور ولم يتركوها تتميع، ونحن نقول إن من يحارب الفساد لا بد أن يكون نظيفاً". وبدا هامل كما لو أنه متخوّف من ضغوط تُمارس على القضاة في القضية، إذ قال إن "القضية في التحقيق لدى العدالة ولدينا ثقة كبيرة في العدالة ونزاهة القضاة والاحترافية في القضاء". ولوّح بحرب ملفات تخص القضية في وجه خصومه في الجهاز الأمني، المخابرات التابعة للرئاسة والتي تولت التحقيق الأولي وجهاز الدرك التابع للجيش الذي يتعهد بالتحقيق في القضية، قائلاً "حتى لو أن مؤسسة الشرطة لم تكن معنية مباشرة بالتحقيق، فكل الملفات التي بحوزتنا وتخص هذه القضية سوف نقدّمها للعدالة". ولمّح إلى محاولات جرت لتطويع المؤسسة الأمنية لصالح جهات معينة، مضيفاً أن "مؤسسة الشرطة لا توقفها أمور كهذه، لأن المؤسسة عازمة على أن تبقى تحت تصرف العدالة وتبقى تعمل لصالح المواطن والمجتمع، ولا أحد يستطيع أن يوقف المؤسسة الشرطية لا بادعاءات ولا بالتخويف ولا بالتلاعب ببعض الأمور، ونحن صامدون وباقون على عهدنا".

تصريحات هامل التي دفعت الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، مساء الثلاثاء، إلى إقالته، يعيدها متابعون إلى تسريبات قامت بها الجهة الأمنية التي تشرف على التحقيقات لصحف وقنوات مقربة من الجيش وجهات في السلطة، أقحمت اسم هامل في القضية، بزعم تورط سائقه الشخصي في أحد فصول القضية لصلته ببارون الكوكايين كمال شيخي.
ويرى الصحافي الجزائري البارز حميد غمراسة، المتخصص في الشأن السياسي والقضائي، أن تصريحات مدير عام جهاز الشرطة عبد الغني هامل كشفت عن صراع حاد بين الأجهزة الأمنية، قائلاً إن "تصريحات هامل، الذي هو في الأصل ضابط عسكري برتبة لواء، عن وجود تجاوزات واختراقات في التحقيق الابتدائي بشأن قضية الكوكايين، وأن القضاة كانوا بالمرصاد ورفضوا تمييع الأمور، هو اتهام واضح موجّه إلى الشرطة القضائية التابعة للدرك، أحد أذرع الجيش وقائده الفريق أحمد قايد صالح". ويعتبر غمراسة أن "حديث هامل عن أن من يريد محاربة الفساد ينبغي أن يكون نظيفاً، موجّه إلى رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، وما حدث كان صداماً عنيفاً بين جهازين أمنيين من ركائز النظام، الشرطة، والدرك ومن ورائه الجيش، وهذا يعني أن اللعبة أصبحت أكثر تعقيداً ووصلت إلى نقطة الصدام، وهامل لم يتصرف بهذه الطريقة إلا لأن اسمه أقحم في القضية بشكل أو بآخر".


وبقدر خطورة التصريحات غير المسبوقة لمسؤول أمني جزائري في مواجهة أجهزة أمنية أخرى، فإن عدداً من المحللين يعتقدون أن هامل كسر خط التسلسل وواجب التحفظ وكشف ما يدور داخل المعبد السياسي، وهو ما لا يستطيع بوتفليقة والمؤسسة الحاكمة بتقاطعاتها المختلفة التسامح بشأنه. ويعتبر المحلل السياسي حسن خلاص، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما فعله هامل يستوجب أكثر من الإقالة وقد تكون هناك تبعات في الأيام المقبلة"، مضيفاً أن "هامل ارتكب خطأين على الأقل استوجبا إقالته بسرعة، الخطأ الأول هو أنه أفشى صراعات داخلية كان عليه إبقاؤها في السر حسب مقتضيات النظام، وثانيهما أنه اعترف بحيازته على ملفات من قبل لكنه أخفاها وكشف أنه سيقدّمها للقضاء بدل الجهة المقابلة في الصراع، كما كشف أنه منحاز لمؤسسة القضاء على حساب مؤسسات أخرى، وهي المخابرات والدرك، بل الأخطر انه أعلن عن عدم ثقته فيهما".

وإذا كان بوتفليقة قد حسم الموقف، في ما يبدو انحيازاً لصالح الجيش والمخابرات، بفعل ثقل تأثيرهما الكبير في المشهد العام وفي تحديد المستقبل السياسي ورسم السياسات، في مقابل جهاز الأمن العام الذي يضطلع بالإدارة الأمنية اليومية، فإن خلاص يضع الصراع المعلن بين قادة الأجهزة الأمنية والجيش على مساحات نفوذ أكثر منه صراعاً بين الأجهزة نفسها. ويشير إلى أن "قضية الكوكايين هذه فرصة لإعادة النظر في التوازنات تحضيراً للفترة الرئاسية الجديدة"، بما تستلتزمه من تغييرات، وككل محطة تغييرات سياسية وأمنية تمس شخصيات مركزية، تدخل حسابات الربح والخسارة وطبيعة التحالفات الجديدة التي يمكن أن تتأسس على هذه التغييرات.

من جهته، يؤكد المحلل السياسي محمد باشوش، لـ"العربي الجديد"، أن "قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح هو المستفيد الأول من إقالة هامل، التي تمت نتيجة توافقات بين بوتفليقة وقائد الجيش الذي دفع في هذا الاتجاه"، خصوصاً أنه كان معنياً بالتصريحات الخطيرة لمدير الأمن. ويضع باشوش هذا التوافق في سياق حاجة المؤسسة العسكرية إلى ضمان ترتيبات للولاية الرئاسية الخامسة، يكون فيها الجيش الفاعل الأبرز من دون أي منافس، خصوصاً أن الفترة السابقة شهدت تسابقاً محموماً على الظهور والنشاط العلني واستقطاب الصحافة بين قايد صالح وهامل.

لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة، جنوبي الجزائر، مبروك كاحي، يقلل من حدة الصراع، ويقول في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مؤسسة الشرطة ليست نداً للمؤسسة العسكرية، ومن جهة ثانية هامل هو ابن المؤسسة العسكرية، لكن من الواضح أن قائد جهاز الأمن أساء تقدير الموقف عندما أراد أن يحمي نفسه، فوضع إصبعه في عين النظام عندما قال من أراد أن يحارب الفساد عليه أن يكون نظيفاً". ويشير كاحي إلى أنه "من المعروف عن الرئيس بوتفليقة أن لديه عقدة من الفساد ولا يحب أن يتحدث أي شخص من السلطة عن الفساد خارج الإطار الذي حددته السلطة".

وتعيد إقالة هامل إلى الأذهان إقالتين سابقتين قام بهما بوتفليقة لسبب مشابه، توبيخ وإقالة وزير الدولة أبوجرة سلطاني عام 2008، عندما أطلق الأخير بصفته رئيس حزب إخوان الجزائر حملة تحت عنوان "فساد قف"، وإقالة رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون في أغسطس/ آب 2017 بسبب حديثه عن الفساد السياسي والكارتل المالي المرتبط بالحكم.
وفي ظل تعدد الأسباب والقراءات في مجمل التطورات المتعلقة بإقالة هامل وقضية الكوكايين، يقف الجزائريون أمام فصل جديد من معارك كسر العظم بين الرموز السياسية والأمنية والعسكرية للدولة، قبل أشهر قليلة من أبرز استحقاق انتخابي، وهو الانتخابات الرئاسية المقررة ربيع العام المقبل، والتي لم تُعرف ملامح مرشحيها حتى الآن، بما فيها توجّه بوتفليقة لولاية خامسة من عدمه.