الجزائر: حراك متواصل ووباء متفشٍ

18 مارس 2020
+ الخط -
قام أحد رجال المال والأعمال ببناء منزل لعائلته يحتوي على كل متطلبات الحياة من حديقة ومسبح وما إلى ذلك، لكنْ تفشى مرضٌ بعائلته أهلك الجميع وهو معهم، ليبقى المنزل خاليا على عروشه قبل أن يحوله جاره لإسطبل خيول!

اليوم يعيش العالم تحت صدمة تفشي وباء كورونا، ويقبع العديد من الدول في حجر صحي إكراها لا طوعا كإيطاليا والصين وإيران وفرنسا..

وفي خضم كل هذا، يواصل الشعب الجزائري خروجه كل جمعة وثلاثاء للمطالبة بتغيير النظام، غير آبه البتة بتوصيات خبراء الصحة بضرورة البقاء بالبيوت مؤقتا إلى حين السيطرة على هذا المرض، لكن التركيبة النفسية الجزائرية التي ترى الروح من الوطن وأن فقدان الروح في سبيل أخذ المطالب سواء لتحرير وطن أو للتحرر من كنف سلطة جائرة من المسلمات، تجعل رأي الخبراء مجرد كلام على ورق وصوت صامت على تلفاز ومذياع، لكن ما لا يعيه الشعب اليوم أن الوطن هو عبارة عن رقعة تراب مثل المنزل الذي ذكرناه في مقدمة المقال وأن زوال المواطنين بمرض يعني زوال الوطن بأكمله.


لماذا نموت من أجل الوطن؟.. نحن الوطن من بعدنا يبقى التراب والعفن. فالثورات دائما ما قام بها العظماء ليرث ما بعدها الجبناء، شيء يجب أن نعلمه اليوم أننا بمواصلتنا الخروج للحراك كل جمعة فنحن ندفن أنفسنا قبل الأوان ونرمي بأرواحنا للتهلكة وأرواح أبنائنا، فما كنا ولا نزال بصدد القيام به يرمي لبناء دولة وليس لإنهائها..

إيطاليا بدأت بثلاث حالات في مطلع فبراير قبل أن تصل إلى الآلاف اليوم، وليست الجزائر في منأى عن هكذا سيناريو لا قدر الله، فدولتنا سوق استهلاكية تصلها البضائع من كل حدب وصوب، كما تمتلك جالية صينية وأوروبية كبيرة تعمل بأرضنا، زيادة على ذلك عدد المغتربين القادمين من شتى بقاع المعمورة، دون نسيان أولئك الذين يبتغون السياحة في كل الظروف وزاروا بلدانا كان الوباء فيها متفشيا.. كل تلك العوامل تجعلنا وجوبا ملزمين بإيقاف الحراك مؤقتا..

ففي ظل وجود الرغبة في التغيير، للمحارب الحق في أخذ استراحة ظرفية، فقبل أيام رأيت الكويت ترفع أذان الصلاة ببيوتكم، ولكننا قبل أيام أقمنا صلاة الجمعة وفي مسجد حين كان المئات مصطفين متراصين لتأدية الصلاة وكنت بينهم فلم يدعني خاطري أن أرى الناس مقبلة للمساجد وأنا قابع أشاهد من شرفة منزلي فإن ذهبوا جميعا سأذهب أنا كذلك، وليكن ما يكون.

إن عقليتنا التي تتصف باللامبالاة وترك كل أمر للعلي القدير قد تؤدي بنا لما لا تحمد عقباه، فالحيطة والحذر واجبان والإيمان بالقضاء والقدر أوجب، والنظام لن يخسر شيئا بوفاة الآلاف بل سيعطي نفسه الحق ويلصق بنا الباطل كما جرت عليه العادة.