وتجمع صباح اليوم عدد من المواطنين جاؤوا من العاصمة والمدن القريبة، قرب قصر الشعب، الذي يحتضن عادة الاستقبالات الشعبية والاحتفالات الرسمية، للمشاركة في إلقاء النظرة الأخيرة، لكن السلطات أبلغتهم إرجاء ذلك إلى يوم الغد.
ويرقد جثمان قايد صالح في مشفى عين النعجة العسكري، في الضاحية الشمالية للعاصمة الجزائرية، حيث يتاح لكبار قيادات الجيش وقادة النواحي والمناطق العسكرية ومختلف المسؤولين العسكريين وكبار رجال الدولة وقادة الأحزاب السياسية إلقاء النظرة الأخيرة عليه.
وحددت السلطات ليوم الغد مسار الجنازة من قصر الشعب إلى وسط العاصمة، ثم إلى مقبرة العالية، المدفن الرسمي الذي يرقد فيه كبار الشخصيات التاريخية والسياسية والعسكرية ورؤساء الجزائر السابقون والرموز البارزة.
ويتوقع أن تكون جنازة يوم غد الكبرى، مقارنة مع أكبر جنازة في الجزائر حتى الآن، جرت للرئيس الراحل هواري بومدين في ديسمبر/ كانون الأول 1978، بالنظر إلى التعاطف الكبير والحسرة التي ألمت بالجزائريين، من مختلف توجهاتهم منذ الإعلان عن وفاته، خاصة بسبب حرصه على حقن الدماء خلال الأزمة السياسية الأخيرة والحراك الشعبي منذ فبراير/ شباط الماضي.
وأقر عدد كبير من نشطاء الحراك الشعبي وقادة أحزاب سياسية معارضة بهذا الموقف الذي يحسب لقايد صالح، مقارنة مع سلوك مغاير للجيش والأجهزة الأمنية في أزمات سابقة شهدتها الجزائر، كانت آخرها أزمة منطقة القبائل عام 2001، حيث قتل خلالها 165 شخصا على يد جهاز الدرك التابع للجيش.
تضارب بشأن المسيرات الطلابية
وقطعت كل القنوات التلفزيونية الرسمية والمستقلة برامجها، وخصصت على مدار يوم كامل نقاشات وبرامج مفتوحة حول السيرة والمسار العسكري لقايد صالح، ونشر التلفزيون الرسمي للمرة الأولى صورا له تعود إلى الخمسينيات، وهو برفقة مجاهدي ثورة التحرير في الجبال، وفي الجبهة المصرية في حربي 1967 و1973، وصورا أخرى لمختلف مراحل تطور رتبته ومناصبه العسكرية.
وفي السياق قرر نشطاء في الحراك الشعبي والطلابي إلغاء المظاهرات الطلابية المقررة كل يوم ثلاثاء، احتراما لطبيعة الظرف الراهن والحدث الأليم، في حين أصرت مجموعات قليلة من الطلبة وناشطين على التظاهر، دعما لمطالب الحراك الشعبي ورفض الإقرار بشرعية الرئيس الجديد عبد المجيد تبون.
وقال الناشط في الحراك الشعبي، رضوان منصوري، لـ"العربي الجديد" إن "الطلبة لديهم من الوعي السياسي الكافي لتمييز الظروف ومعرفة الدواعي الأخلاقية والإنسانية التي تفرض عليهم إلغاء مسيرات الثلاثاء"، مضيفا أن هذا الموقف يحسب للطلبة، لكنه ليس غريبا عن مجموع الجزائريين مهما اختلفوا مع الراحل قايد صالح في الخيارات السياسية.
ولم يتعرض الطلبة المتظاهرون لقائد الأركان الراحل، وهتفوا "قايد صالح الله يرحمه"، وقرأ بعضهم الفاتحة على روحه، كما ختم الطلبة مسيرتهم بأداء جماعي للنشيد الوطني، تحت مراقبة قوات الشرطة.
وطالب المتظاهرون بالإفراج الفوري عن الناشطين الموقوفين وعلى رأسهم المناضل الثوري لخضر بورقعة وكريم طابو وسمير بلعربي وفوضيل بومالة وغيرهم، ورفع كل الملاحقات القضائية الموجهة ضد عدد من الناشطين.
وفسر الطالب بلعابد محمدي إصراره على التظاهر اليوم، برغم الظرف العام، بأن "هذه رسالة بأن القضية قضية وطن وليست قضية أشخاص، يذهب الأشخاص تباعا لكن المطلب الديمقراطي سيبقى مستمرا، ولا علاقة له بحضور الأشخاص أو غيابهم".