الجزائر تلوذ بورقة الفوسفات لإنعاش الخزانة العامة

21 يونيو 2016
يُستخدم أغلب الفوسفات الجزائري في صناعة الأسمدة(فرانس برس)
+ الخط -

قررت الجزائر تحويل بوصلة استغلال الثروات الباطنية نحو الفوسفات، كبديل مكمل للذهب الأسود "النفط" الذي تراجعت مداخيل البلاد من بيعه بنحو الثلثين منذ تهاوي أسعاره بالسوق الدولي قبل عامين.
وبحسب التصنيف العالمي للدول المنتجة للفوسفات، فإن الجزائر تحتل المركز السادس عالمياً، وراء كل من الصين، الولايات المتحدة الأميركية، روسيا، المغرب وتونس، وتملك احتياطيا يقدر بنحو ملياري طن، لكنه لم يستغل بشكل كبير تجاريا.
ولعل أولى الخطوات نحو الخروج من الاعتماد على الإنتاج النفطي والغازي عبر الفوسفات، تلك التي كشف عنها وزير الصناعة الجزائري عبد السلام بوشوارب، الذي أعلن الأسبوع الماضي عن ترسيم اتفاقية لإنجاز مشروع مجمع صناعي ضخم لتحويل الفوسفات في منطقة "وادي الكباريت" الواقعة بمحافظة "سوق اهراس" (شرق الجزائر).

وأشار إلى أن المشروع سيقوم بالشراكة مع مستثمر أجنبي بكلفة تزيد عن 3 مليارات دولار، وبطاقة تشغيل تبلغ 5 آلاف فرصة عمل أثناء الإنجاز، و2500 وظيفة دائمة لاحقا.
كما تُجري وزارة الصناعة والمناجم الجزائرية دراسات لاستغلال منجم "بلاد الهدبة" الواقع بمحافظة "تسبة" (شرق الجزائر) والمتربع على مساحة 2200 هكتار بطاقة إنتاج بنحو 6 ملايين طن سنويا.
وتراهن الحكومة الجزائرية على رفع صادرات البلد من هذه الثروة الباطنية النائمة بحلول 2020 إلى 30 مليون طن سنويا، ما سيسمح بتوفير ما بين 7 إلى 8 مليارات دولار سنويا بمساهمة تقدر بنحو 16% من صادرات الجزائر، ويصبح بذلك الفوسفات ثاني مصدر للإيرادات المالية بعد الغاز والنفط.

ويعتقد الأستاذ الجامعي والباحث في الطاقات الباطنية، جمال بلعيد، أن توجه الحكومة الجزائرية نحو استغلال "الفوسفات" جاء بعد تيقنها من استحالة استغلال الغاز الصخري في المدى القريب لسببين، الأول عدم امتلاك تكنولوجيا تساعدها على استخراج الغاز الصخري، وثانيا التكلفة العالية لإنتاج مثل هكذا طاقات.

إلا أن طموح الجزائر نحو الارتقاء في سلم الدول الأكثر إنتاجا للفوسفات في العالم، تواجهه الكثير من العقبات، حيث يؤكد أستاذ العلوم الجيولوجية في جامعة "ورقلة" سقني لعجال، أن "تجاهل الحكومة لهذه الطاقة جعل البلاد عاجزة حتى على تلبية الطلبات المتوفرة لديها، لأنها لم تستثمر في مجال إنتاج الفوسفات كما فعلت مع النفط والغاز".
وعليه يجب الآن التركيز على الجانب البشري أولا، حسب لعجال، ثم التوجه إلى النقطة الأخرى وهي الأكثر أهمية، والمتمثلة في النقل.
ويرى لعجال، أن الجزائر لا تتوفر على شبكة نقل تمسح لها الآن برفع طاقة الإنتاج، فالنقل بالسكك الحديدية إلى ميناء "عنابة" في شرق البلاد، عن طريق القطارات، يواجه مشاكل في نقل الفوسفات الخام الآتي من مناجم "تبسة" و"سوق أهراس". وتترجم مشاكل النقل حجم التصدير الضعيف، بل أحيانا كثيرة تخسر الجزائر الملايين من الدولارات جراء عجزها عن توصيل الطلبات في وقتها، حيث تنقل القطارات ما معدله 800 ألف طن من خام الفوسفات مقابل تعدي الطلبات عتبة 1.2مليون طن سنويا، وفق لعجال.

وفي ظل المنافسة التي تعرفها السوق العالمية في مجال الفوسفات، تجد الجزائر نفسها بين مطرقة رفع الأسعار المنخفضة لتعويض الخسائر وسندان البحث عن أسواق جديدة، يضاف إلى ذلك عامل الوقت، فالجارة الغربية "المغرب" والشرقية "تونس" تعد أبرز المنافسين للجزائر في المنطقة وبطاقة إنتاج تفوق بكثير الجزائر.
ولا يخفي الخبير في الشؤون النفطية عمار غوماري، قلقه حيال الوضعية الحرجة التي يمر بها قطاع الفوسفات في الجزائر، التي لم تستلم أي طلب رسمي منذ شهر مارس/آذار الماضي، والسبب حسب نفس المصدر، هو "طلب وزارة الصناعة والمناجم من شركة "سوميفوس" (الشركة المحتكرة لإنتاج الفوسفات في الجزائر) بضرورة رفع الأسعار على الأقل لتساوي أسعار الجارة تونس التي تبيع الفوسفات الخام بـ 15 دولار أكثر من الجزائر".

ويقول غوماري لـ "العربي الجديد"، إن الشركات الخمس صاحبة العقود الحصرية لشراء الفوسفات الجزائري وفي مقدمتها الشركة الألمانية "Helm" والهندية "Rahimatullah" بالإضافة إلى الشركة البريطانية "Agrofertrans" يتحفظون على الأسعار الجديدة، ما أدخل منجم "جبل العنق" أكبر مناجم البلاد، في حالة ركود.
وكانت الجزائر قد كشفت عن نيتها في التوجه نحو استغلال الثروات الباطنية والطاقات المتجددة إلى أبعد حد ممكن، كبديل لتجاوز تراجع إيرادات النفط في الأسواق العالمية وتراجع احتياطي النقد الأجنبي الجزائري، ما دفع بالحكومة إلى تبني سياسة ترشيد الإنفاق العام وتجميد عدد من المشاريع الكبرى.



المساهمون