رغم الإجراءات التي أقرتها لكبح الواردات، ستجد الحكومة الجزائرية نفسها أمام امتحان صعب، يتمثل في إقناع الجزائريين بالعودة إلى الاستدانة الخارجية بعد 15 سنة من القطيعة معها، في وقت يعيش الشارع الجزائري حراكاً غير مسبوق دخل شهره الخامس، يُطالب بتغيير النظام ومحاسبة رموز الفساد.
إذ تتزايد المخاوف في البلاد من التآكل السريع لاحتياطي النقد الأجنبي واتساع العجز في بلد يعتمد نمطًا تقشفيًا منذ أربع سنوات.
وتكشف آخر الأرقام الحكومية الرسمية عن خسارة الاحتياطي سبعة مليارات دولار خلال أربعة أشهرٍ فقط، ليصل إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية إبريل/ نيسان 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، و97.33 مليار دولار في 2017، و114 مليار دولار سنة 2016.
اقــرأ أيضاً
تدهور الاحتياطي
وفق بيانات البنك المركزي الجزائري، بدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من سنة 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك ثماني سنوات متتالية من الارتفاع، إذ تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013. فيما تتوقع الحكومة أن تستقر الاحتياطات عند 62 مليار دولار نهاية السنة الحالية، ثم تتراجع إلى 47.8 مليار دولار في 2020 لتصل إلى 33.8 مليار دولار في عام 2021.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لسنوات مقبلة، في ظل شح الموارد المالية، خاصة عائدات النفط التي تمثل 94 في المائة من إيرادات البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي فرحات علي إن "ما تعيشه الجزائر حاليًا هو إفراز طبيعي لسنوات من التحايل والكذب مارستهما حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وإمعان الجهاز التنفيذي في الاعتماد على الريع النفطي دون استثمارات جدية مستمرة".
وأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "إنفاق السلطات على مدار عقدين لنحو ألف مليار دولار على التنمية، قبل أن يكتشف الجزائريون الخداع بعد إحباط مشروع التمديد لبوتفليقة، حيث كشفت التحقيقات القضائية ملفات فساد جرى فيها تبديد مبالغ خيالية من المال العام".
اقــرأ أيضاً
وحذر الخبير الجزائري من الفترة المقبلة بالقول "لا يجب النوم في العسل، فاحتياطات النقد الأجنبي مستمرة في التراجع، ما سيضع البلد أمام خطر (صدمة حقيقية)، إن لم تبادر الحكومة بمخطط استباقي".
ارتفاع العجز
ليس تبخر احتياطي العجز وحده ما يؤرق الحكومة الجزائرية، فاستقرار العجز المالي عند مستويات مرتفعة، في العديد من الأصعدة، زاد معادلة "الإنفاق الحكومي" تعقيداً، ووضع الجزائر في ممر ضيق، يقود لا محالة نحو الاستدانة الخارجية التي أوقفتها الجزائر بعد نجاحها في تسديد 33 مليار دولار العالقة بينها وبين صندوق النقد الدولي منذ 1996، مستغلة ارتفاع أسعار النفط في منتصف العشرية الماضية.
وتعاني الخزينة العمومية الجزائرية عجزا قدر بـ3000 مليار دينار (30 مليار دولار)، يضاف إليه عجز في الموازنة العامة لسنة 2019 قدرته الحكومة بـ1700 مليار دينار (17 مليار دولار)، من دون احتساب العجز التجاري الذي توقعت الحكومة أن يستقر عند 16 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية.
ورأى الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي عبد الرحمان مبتول أن "ارتفاع العجز في الموازنة والخزينة مرده إلى رفع حكومة أحمد أويحيى (المسجون في قضايا فساد) مستويات الإنفاق للسنة الحالية، معتمدة في ذلك على التمويل غير التقليدي الذي سمح لها بطباعة ما يعادل 60 مليار دولار وإقراضها للخزينة العمومية السنة الماضية، إلا أن سقوط نظام بوتفليقة دفع بالحكومة الحالية إلى تجميد العمل بهذه الآلية، وخاصة أن شبهات الفساد قد طاولتها هي الأخرى".
وتابع في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية ورثت مشاريع حكومية تنموية واستثمارية كبيرة جدا من عهد بوتفليقة هي قيد الإنجاز، وورثت أيضا وضعية مالية حرجة تدفعها للتوجه خارجا للبحث عن التمويل".
العودة للاستدانة
وأمام الوضعية المالية التي تعيشها الجزائر، وما ينتظرها من تحديات اقتصادية وسياسية، لم تعد العودة إلى الاستدانة الخارجية من المحظورات والممنوعات في الخطاب الرسمي الجزائري، بعدما ظلت تستبعدها الحكومة لسنوات طويلة.
وتكاد كل تصريحات الحكومة الجزائرية لا تخلو من الإشارة إلى ضرورة العودة إلى الاستدانة كحلٍ لمواجهة تقلص الموارد المالية الذي أحدثه تواصل انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، مع وعود بأن تبقى هذه الاستدانة في إطار المسموح به ومن دون "إفراط".
آخر من تحدث عن هذا التوجه وزير المالية محمد لوكال، الذي قال الأسبوع الماضي إن "اللجوء إلى الاستدانة الخارجية لا يشكل حاليا أولوية، لكن يمكن توقعها لضمان تمويل، مستهدفة مشاريع هيكلية ذات مردودية".
وحسب عبد النور مكيدة، مدير التخطيط في الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار (حكومية)، فإن "الجزائر ليست تحت تهديد صندوق النقد الدولي. إذ يجب أن نفرق بين الاستدانة الخارجية لسد العجز في الخزينة أو الإنفاق العام وبين الاستدانة الخارجية تحت غطاء التمويل الخارجي للمشاريع الاستثمارية، نحن الآن أمام الخيار الثاني".
وأضاف المتحدث نفسه في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المديونية الخارجية لا تتجاوز الواحد في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم مريح، هناك العديد من المشاريع معطلة بسبب التمويل، يمكن الاستعانة في القريب العاجل بالأموال الخارجية لبعثها، وهي آلية تعمل بها حتى كبرى الدول عالميا، وبالتالي لا يجب التهويل".
وتبدو عودة الاستدانة الخارجية في الخطاب الحكومي أمراً لا مفر منه في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب، حسب الخبراء، في حال بقيت أسعار النفط عند مستوياتها الراهنة.
واعتبر الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى رئاسة الجمهورية الجزائرية، مالك سراي، أن استدانة الحكومة من الخارج باتت أمراً حتمياً، وإن كان يستبعد توجه الجزائر إلى نادي باريس أو لندن أو حتى صندوق النقد الدولي، على اعتبار أن الجزائر تملك مجموعة من الخيارات في قائمة من يريد إقراضها.
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن الاستدانة ليست بالضرورة "شراً"، ولكن يجب ألا تكون الخيار الأول، "ألمانيا مثلا لديها ديون خارجية، وحتى الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي العبرة ليست في الاستدانة بل في كيفية إنفاق الأموال".
وتكشف آخر الأرقام الحكومية الرسمية عن خسارة الاحتياطي سبعة مليارات دولار خلال أربعة أشهرٍ فقط، ليصل إلى 72.6 مليار دولار مع نهاية إبريل/ نيسان 2019، مقابل 79.88 مليار دولار في نهاية سنة 2018، و97.33 مليار دولار في 2017، و114 مليار دولار سنة 2016.
وفق بيانات البنك المركزي الجزائري، بدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من سنة 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك ثماني سنوات متتالية من الارتفاع، إذ تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013. فيما تتوقع الحكومة أن تستقر الاحتياطات عند 62 مليار دولار نهاية السنة الحالية، ثم تتراجع إلى 47.8 مليار دولار في 2020 لتصل إلى 33.8 مليار دولار في عام 2021.
وتلخّص الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، لسنوات مقبلة، في ظل شح الموارد المالية، خاصة عائدات النفط التي تمثل 94 في المائة من إيرادات البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي فرحات علي إن "ما تعيشه الجزائر حاليًا هو إفراز طبيعي لسنوات من التحايل والكذب مارستهما حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وإمعان الجهاز التنفيذي في الاعتماد على الريع النفطي دون استثمارات جدية مستمرة".
وأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى "إنفاق السلطات على مدار عقدين لنحو ألف مليار دولار على التنمية، قبل أن يكتشف الجزائريون الخداع بعد إحباط مشروع التمديد لبوتفليقة، حيث كشفت التحقيقات القضائية ملفات فساد جرى فيها تبديد مبالغ خيالية من المال العام".
ارتفاع العجز
ليس تبخر احتياطي العجز وحده ما يؤرق الحكومة الجزائرية، فاستقرار العجز المالي عند مستويات مرتفعة، في العديد من الأصعدة، زاد معادلة "الإنفاق الحكومي" تعقيداً، ووضع الجزائر في ممر ضيق، يقود لا محالة نحو الاستدانة الخارجية التي أوقفتها الجزائر بعد نجاحها في تسديد 33 مليار دولار العالقة بينها وبين صندوق النقد الدولي منذ 1996، مستغلة ارتفاع أسعار النفط في منتصف العشرية الماضية.
وتعاني الخزينة العمومية الجزائرية عجزا قدر بـ3000 مليار دينار (30 مليار دولار)، يضاف إليه عجز في الموازنة العامة لسنة 2019 قدرته الحكومة بـ1700 مليار دينار (17 مليار دولار)، من دون احتساب العجز التجاري الذي توقعت الحكومة أن يستقر عند 16 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية.
ورأى الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي عبد الرحمان مبتول أن "ارتفاع العجز في الموازنة والخزينة مرده إلى رفع حكومة أحمد أويحيى (المسجون في قضايا فساد) مستويات الإنفاق للسنة الحالية، معتمدة في ذلك على التمويل غير التقليدي الذي سمح لها بطباعة ما يعادل 60 مليار دولار وإقراضها للخزينة العمومية السنة الماضية، إلا أن سقوط نظام بوتفليقة دفع بالحكومة الحالية إلى تجميد العمل بهذه الآلية، وخاصة أن شبهات الفساد قد طاولتها هي الأخرى".
وتابع في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية ورثت مشاريع حكومية تنموية واستثمارية كبيرة جدا من عهد بوتفليقة هي قيد الإنجاز، وورثت أيضا وضعية مالية حرجة تدفعها للتوجه خارجا للبحث عن التمويل".
العودة للاستدانة
وأمام الوضعية المالية التي تعيشها الجزائر، وما ينتظرها من تحديات اقتصادية وسياسية، لم تعد العودة إلى الاستدانة الخارجية من المحظورات والممنوعات في الخطاب الرسمي الجزائري، بعدما ظلت تستبعدها الحكومة لسنوات طويلة.
وتكاد كل تصريحات الحكومة الجزائرية لا تخلو من الإشارة إلى ضرورة العودة إلى الاستدانة كحلٍ لمواجهة تقلص الموارد المالية الذي أحدثه تواصل انهيار أسعار النفط في السوق العالمية، مع وعود بأن تبقى هذه الاستدانة في إطار المسموح به ومن دون "إفراط".
آخر من تحدث عن هذا التوجه وزير المالية محمد لوكال، الذي قال الأسبوع الماضي إن "اللجوء إلى الاستدانة الخارجية لا يشكل حاليا أولوية، لكن يمكن توقعها لضمان تمويل، مستهدفة مشاريع هيكلية ذات مردودية".
وحسب عبد النور مكيدة، مدير التخطيط في الوكالة الجزائرية لتطوير الاستثمار (حكومية)، فإن "الجزائر ليست تحت تهديد صندوق النقد الدولي. إذ يجب أن نفرق بين الاستدانة الخارجية لسد العجز في الخزينة أو الإنفاق العام وبين الاستدانة الخارجية تحت غطاء التمويل الخارجي للمشاريع الاستثمارية، نحن الآن أمام الخيار الثاني".
وأضاف المتحدث نفسه في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المديونية الخارجية لا تتجاوز الواحد في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم مريح، هناك العديد من المشاريع معطلة بسبب التمويل، يمكن الاستعانة في القريب العاجل بالأموال الخارجية لبعثها، وهي آلية تعمل بها حتى كبرى الدول عالميا، وبالتالي لا يجب التهويل".
وتبدو عودة الاستدانة الخارجية في الخطاب الحكومي أمراً لا مفر منه في الوقت الراهن وفي المستقبل القريب، حسب الخبراء، في حال بقيت أسعار النفط عند مستوياتها الراهنة.
واعتبر الخبير الاقتصادي والمستشار السابق لدى رئاسة الجمهورية الجزائرية، مالك سراي، أن استدانة الحكومة من الخارج باتت أمراً حتمياً، وإن كان يستبعد توجه الجزائر إلى نادي باريس أو لندن أو حتى صندوق النقد الدولي، على اعتبار أن الجزائر تملك مجموعة من الخيارات في قائمة من يريد إقراضها.
وأكد لـ"العربي الجديد"، أن الاستدانة ليست بالضرورة "شراً"، ولكن يجب ألا تكون الخيار الأول، "ألمانيا مثلا لديها ديون خارجية، وحتى الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي العبرة ليست في الاستدانة بل في كيفية إنفاق الأموال".