الجزائر: بدء محاكمة قائدي جهاز المخابرات وشقيق بوتفليقة

23 سبتمبر 2019
ترقب واسع لمحاكمة رموز نظام بوتفليقة (رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -
بدأت، اليوم الاثنين، وقائع ثاني محاكمة سياسية في تاريخ القضاء العسكري في الجزائر، بمثول مديري جهاز المخابرات السابقين، الجنرال محمد مدين المعروف بتوفيق، والجنرال بشير عثمان طرطاق، أمام القاضي العسكري في المحكمة العسكرية في مدينة البليدة (60 كيلومترا جنوبي العاصمة الجزائرية)، بتهمة التآمر على سلطة الدولة والجيش، والتآمر على قائد عسكري.

وطلبت هيئة الدفاع عن القائد السابق لجهاز المخابرات محمد مدين تأجيل جلسة محاكمته بسبب وضعه الصحي.
وقال فاروق قسنطيني، عضو هيئة الدفاع عن مدين، للصحافيين عقب خروجه من قاعة 
المحكمة العسكرية، إن هيئة الدفاع قدمت طلبا يقضي بتأجيل جلسة المحاكمة لدواع صحية تخص موكله، الذي أُحضر الى المحكمة على كرسي متحرك، بعدما فقد القدرة على الوقوف وفقد كثيرا من وزنه أيضا.

وقدم مدين اليوم للمحاكمة بعد أربعة أشهر من الاعتقال برفقة كل من القائد السابق لجهاز المخابرات عثمان بشير طرطاق، والسعيد بوتفيلقة شقيق الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفيلقة، وزعيمة حزب العمال اليساري لويزة حنون، بتهمة التآمر على الدولة وسلطة الجيش.

وذكر قسنطيني أن هيئة الدفاع رفعت اعتراضا ثانيا بشأن اختصاص المحكمة في محاكمة موكله، في إشارة منه إلى مسألة غياب قاض مخول له محاكمة الفريق محمد مدين، إذ ينص القضاء العسكري على أن تضم هيئة المحكمة العسكرية دائما قاضيا يحمل الرتبة نفسها أو أكبر من المتهم الماثل أمامها.

وأوضح قسنطيني أن هيئة المحكمة تجري في الوقت الحالي مداولات للنظر في عريضة هيئة الدفاع، موضحا أنه في حال قبلت الهيئة العريضة سيتم تأجيل القضية برمتها.

ومدين هو أكثر الشخصيات العسكرية والأمنية غموضا في تاريخ الجزائر، كان يعرف بأنه "صانع الرؤساء"، بسبب تدخله في صناعة المسارات السياسية التي شهدتها الجزائر منذ التسعينيات، ويعد أحد أبرز المسؤولين عن أزمة التسعينيات الدامية، وينسب له تشكيل فرق للموت والتورط في الاختطافات القسرية والإعدامات خارج القانون، وتتزامن محاكمته مع ذكرى مجازر الرايس وبن طلحة التي راح ضحيتها 400 شخص في ليلة 23 سبتمبر/أيلول 1997، وما زالت تثار الشكوك حول الجهة التي دبرتها.
 
وسمحت السلطات الجزائرية فقط لفرقة من التلفزيون العمومي بالدخول وتصوير المحاكمة، لكن الأخير لم يبث حتى عصر اليوم أي لقطة منها، بينما منعت الصحافة والقنوات المستقلة من متابعة المحاكمة وتغطيتها، وأبعدت وسائل الإعلام إلى خارج محيط المحكمة العسكرية، برغم أنها سمحت في محاكمات سابقة، كمحاكمة قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة في عام 1992، بتغطية المحاكمة العسكرية التي أقيمت لعباسي مدني وعلي بلحاج.

 
وتشمل المحاكمة السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون، المعنيّين بالتهم نفسها، على خلفية اجتماع عقده المتهمون الأربعة في 28 مارس/ آذار الماضي، كان يستهدف التخطيط لإنشاء هيئة رئاسية يقودها الرئيس السابق ليامين زروال، واتخاذ قرارات تمس بقيادة الجيش، تتعلق بإقالة قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، وإعلان حالة الطوارئ.

وأقدم عناصر جهاز المخابرات على اعتقال قائدي جهاز المخابرات السابقين الفريق محمد مدين والجنرال بشير طرطاق، والسعيد بوتفليقة في الخامس من مايو/ أيار الماضي، وعد ذلك يوما استثنائيا في تاريخ الجزائر والجزائريين، الذين لم يكونوا ينتظرون رؤية هذه الشخصيات قيد الاعتقال على شاشة التلفزيون، وتلا ذلك في التاسع من الشهر نفسه توقيف زعيمة حزب العمال.

وكان قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح قد اتهم الموقوفين حينها بـ"تنظيم اجتماعات مشبوهة تُعقد في الخفاء من أجل التآمر على مطالب الشعب، ومن أجل عرقلة مساعي الجيش ومقترحاته، بأدلة قطعية تثبت هذه الوقائع المغرضة لمجموعة أشخاص لا يزالون ينشطون ضد إرادة الشعب، ويعملون على تأجيج الوضع، والاتصال بجهات مشبوهة، والتحريض على عرقلة مساعي الخروج من الأزمة".

وكشف الرئيس السابق زروال، في ذلك الوقت، تفاصيل الاجتماع السري، عندما نشر للرأي العام بيانا، يوضح فيه استدعاءه من قبل القائد السابق للمخابرات محمد مدين لمناقشته في مقترح عودته لرئاسة الدولة عبر مجلس رئاسي.

ووجهت الاتهامات نفسها إلى ثلاثة متهمين آخرين كانوا على علاقة بالقضية، وهم الجنرال السابق خالد نزار، ونجله لطفي نزار، ومتهم آخر اسمه فريد حمدين، وقد باتوا في حالة فرار في الخارج، وصدرت في حقهم مذكرة دولية للقبض عليهم.

 وشددت السلطات الجزائرية الإجراءات الأمنية في محيط المحكمة العسكرية، إذ تجذب  محاكمة اليوم أنظار الجزائريين، بسبب أهمية وطبيعة الشخصيات المعنية بها، خاصة في علاقتهم بالنظام السابق في عهد الرئيس بوتفليقة من جهة، وبسبب الدور السياسي الكبير للفريق محمد مدين في أزمة التسعينيات التي قادت البلاد إلى دوامة عنف، ومطالبات مستمرة منذ تلك الفترة بملاحقته بسبب تورطه في تلك الأزمة من جهة ثانية. 

وتعدّ هذه المحاكمة ثاني محاكمة سياسية بارزة على هذا المستوى في تاريخ القضاء العسكري، بعد محاكمة قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في منتصف عام 1992، بتهمة المساس بأمن الدولة والدعوة إلى تمرد في صفوف الجيش.​ 
وزير جديد في السجن 
إلى ذلك، قرر القضاء الجزائري، اليوم الاثنين، إيداع وزير آخر في حكومات بوتفليقة السجن بتهمة الضلوع في قضايا فساد وسوء استغلال المنصب والوظيفة وتبديد أموال عمومية.  

وقرر القاضي المستشار لدى المحكمة العليا إيداع بوجمعة طلعي، آخر وزير للنقل في آخر حكومة لبوتفليقة، السجن بعد ملاحقته بتهم فساد وتبديد أموال عمومية ومنح صفقات عمومية خارج القانون.

ومثل طلعي، اليوم، أمام القاضي المستشار في قضية تخص منحه صفقات إنجاز شطر من مشروع سكة حديد لشركة تابعة لزعيم الكارتل المالي علي حداد الموقوف في السجن، والذي كان أكبر رجال المال المقربين من بوتفليقة.

ويعد طلعي ثالث وزير من وزراء بوتفليقة يودع السجن في غضون أقل من أسبوع، حيث كان القضاء قد قرر، الأربعاء الماضي، إيداع الوزيرين السابقين عبد القادر قاضي، الذي كان يدير قطاع الأشغال العمومية، ووزير الاتصالات السابق موسى بن حمادي، والذي يملك وعائلته مجمعا للصناعة الإلكترونية، السجن، بتهمة إساءة استغلال الوظيفة ومنح صفقات عمومية بطريقة غير قانونية.

وسبق هؤلاء إلى السجن وزير العدل الطيب لوح بتهمة استغلال الوظيفة والنفوذ، ووزير الأشغال العمومية السابق عبد الغاني زعلان، والذي كان سيدير حملة بوتفليقة في الانتخابات الملغاة، ووزير العمل السابق محمد الغازي بتهمة تبديد أملاك عمومية واستغلال السلطة والنفوذ.

وارتفع عدد الوزراء السابقين في حكومات بوتفليقة الموجودين رهن السجن إلى 15 وزيرا، أبرزهم رئيسا الحكومة السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، ووزير الأشغال العمومية الأسبق عمار غول، ووزير الصناعة السابق محجوب بدة، ووزير التجارة الأسبق عمارة بن يونس، ووزيرا التضامن السابقان جمال ولد عباس والسعيد بركات، ووزير الصناعة السابق يوسف يوسفي، ووزير النقل الأسبق عمار تو، وزير الفلاحة السابق عبد القادر بوعزقي، ووزير الصحة السابق عبد المالك بوضياف.

وينتظر، في سياق الملاحقات التي يقوم بها القضاء الجزائري ضد رموز ووزراء فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، استدعاء وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل، ووزير المالية الأسبق كريم جودي، ووزير السياحة الحالي عبد القادر بن مسعود، فيما يوجد وزير الصناعة الأسبق عبد السلام بوشوارب في حالة فرار في فرنسا، حيث رفض الاستجابة لطلب العدالة الجزائرية المثول أمامها في عدة قضايا فساد، وتحجج بأنه موجود قيد العلاج في مصحة نفسية في باريس.