قلبها تقطع على ابنها الصغير ذي الست سنوات وهو يصرخ "أمي لا أريد البقاء في المدرسة"، هذا ما تقوله والدة ريان الذي تعرض للضرب والتوبيخ من مديرة إحدى المدارس في شرق الجزائر. وتصمت الأم ثم تقول إن السبب "بايخ" وعادي جدا، الطفل الصغير رفض الجلوس في الصف الأخير من القسم وهو في السنة الأولى الابتدائية، بحجة قالها بلسانه: "لا أريد الجلوس في الصف الأخير لأنني لست غبياً".
ترسخت لدى ريان فكرة أن الصفوف الأخيرة هي للأغبياء، تعلمها من أقرانه وزملائه، في دار الحضانة سابقاً، ومن الجيران الذين نعتوه بـ"الغبي" و"العبيط" و"الضعيف" أيضاً بمجرد أن عرفوا أن المعلمة أجلسته في أول يوم له في قسمه في الصف الأخير، ما يعني بالنسبة للأطفال أنه نوع من "العقاب"، وسط قناعة لديهم بأن الصفوف الأمامية هي للأقوياء والأذكياء والأخيار والمثابرين والناجحين والمتفوقين.
تتساءل الأستاذة، كريمة ناصري، الاختصاصية في علم النفس التربوي في إحدى ثانويات العاصمة الجزائرية تعقيباً على قصة ريان المحزنة، وكم من ريان موجود في الجزائر؟
وتقول لـ "العربي الجديد": "كثير من الفاشلين في تحصيلهم التعليمي والدراسي كانت انطلاقتهم بتلقي التوبيخ والكلام المهين من الأسرة أو الأصدقاء أو الجيران، منهم من وصل بهم الحال إلى حدّ القناعة بأنهم لا يصلحون لشيء، ولن ينالوا شيئاً، ومنهم من تعثر في أول امتحان في المدرسة وخابت آماله، واقتنعوا بأنهم أغبياء".
وأضافت ناصري "بعض الأولياء يرتكبون حماقات أو كوارث في حق أبنائهم مثل نعتهم بصفات مثل "أنت حمار"، فتترسخ في ذهن الطفل الصغير الطري الغض الذي لا يعرف من أمور الدنيا شيئاً بأنه "حيوان"، لكن بعد مرور السنوات يكتشف الآباء أن ابنهم "فاشل في المدرسة" ولا يقوى على متابعة الدروس لهذه الأسباب.
وترى المتحدثة أن "على المعلمين التعامل مع هذه الفئة أو الشريحة العمرية بحذر كبير، وتقديم دروس تربوية خارجة عن المقرر الدراسي، حتى يفهموا أن الصف الأول والأخير هو لهم جميعا، وكتحفيز لهم: من يتفوق ولو بإجابة واحدة صحيحة يجب أن يُعطى جائزة معنوية، حتى تجعلهم يتسابقون للفوز".
العنف اللفظي.. خسارة جيل
بعض الناس يتذكرون أول يوم لهم في المدرسة، منهم من لديه حنين لتلك الفترة، لكن كثيرين يرفضون تذكر "كميات الضرب والشتم والاستخفاف والإهانة التي تلقوها في صغرهم وخصوصا في المدارس الابتدائية"، يقول محمد الطاهر رحماني لـ "العربي الجديد". ويتابع "بسبب معلمة اللغة الفرنسية كرهت المادة ولم أتعلمها ورسبت فيها كثيراً".
وتقول الأستاذة الجامعية، شهرزاد بلقاسم، لـ "العربي الجديد": "كرهت الأدب بسبب أستاذة اللغة العربية وأستاذ الفلسفة الذي كان يصفنا بـ (البغال)"، مشيرة إلى أنها توجهت لدراسة العلوم نكاية في تخصص الآداب والفلسفة.
وهناك من يعتقد أن ما تعرضوا له في المدرسة في صغرهم هو الدافع الذي جعلهم يتحدون أساتذتهم، وصاروا اليوم من ألمع الصحافيين والأساتذة والأطباء والمهندسين ومنهم من هاجر أيضاً.
وتحدي الصعاب كان حال عبد المجيد بخاش، الذي قال لـ "العربي الجديد": "لولا توبيخ أساتذتي لما صرت اليوم دكتورا في الهندسة في ألمانيا، كنت كلما تذكرتُ معاملتهم لنا، خصوصا نحن الفقراء ممن لا يملكون أدواتهم المدرسية، أخطو خطوة إضافية للنجاح".